رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الثقافة المجتمعية وقيم التقدم


أمر طيب ما نتابعه على صفحات التواصل الإجتماعي كرد فعل غاضب ومتعاطف مع الطالبة "حبيبة"، وما لاقته من معاملة مُهينة لشخصها ومدينتها وقيمها وأخلاقها وتدينها بغير جرم ارتكبته وفي أيام امتحانات.
جميل أن تضع بنات الفسبوك رؤوسها بدلًا من رأس "حبيبة" على فستانها الأنيق، بل أن بعضهن وضعن صورتها بدلا من صورهن على صفحاتهن بفخر وتعاطف، أما السيدات الخمسينية والستينية فقد وضعن صورهن الغير ملونة وهن في عمر "حبيبة" بذات فساتين الجمال والوقار والأناقة للرد على بذاءات من اتهموها بالخروج عن الأدب، بل وإهانوا أهل مدينتها بعد السؤال عن بلدها وديانتها وعن البنطلون الذي نسيت ارتدائه تحت الفستان!
لقد ذكرتني تعليقات موظفات جامعة طنطا وموقفهن المحتشد كحارسات للفضيلة بنائبات البرلمان في دوراته السابقة عندما عارضن موقف النائبة الأستاذة الدكتورة المتخصصة في علوم الدين والشريعة بعد إعلان رفضها لختان الإناث، واحتشدن بالعكس بحماس لرأي طبيب كان قد تقدم باقتراح للموافقة على استمرار تلك العملية الوحشية، ومارسن نفس درجة ذكورية الإناث التي مارسها موظفات طنطا وبغرابة شديدة!
أيضًا ذكرتني دراما حدث التنمر الهجومي الرذيل بالجميلة "حبيبة" بما كان يحكى حول دخول جنود محتلين بلد ما في غيبة رجالها في الحرب، فاغتصبوا نساء القرية جميعاً ما عدا واحدة نجت من الاغتصاب، فقد قامت بقتل من حاول اغتصابها، فخافت بقية النسوة من أن يأتي أزواجهن من الحرب ويسألونهن لماذا لم تقاومن مثل تلك المرأة، فاجتمعوا علي قتل السيدة حتي ينجون من المُساءلة.
وعليه فسيدات المراقبة المتنمرات أصحاب تلك الثقافة الذكورية  خفن أن يتهمن بتهافت درجة الثقافة الذكورية وشجاعتهن أمام دعاة التشدد والنيل من حق هؤلاء في فرض ملابس  بمواصفات لا تبطل تجارتهم.
ونحن نعيش بعد ثورة 30 يونيو حالة تغيير رائعة على المستوى المجتمعي يتم فيها تفعيل كل قيم التقدم بعد إعادة الروح بإعادة الإحساس بالهوية المصرية الأصيلة، أرى لابد من دعم أنماط ثقافية إيجابية تكون هي جوهر قوتنا الفاعلة والمحفزة.. نحتاج إلى مشروع متجدد يجرى فيه تخليص الناس من آثار وتبعات مشاعهم الثقافي التقليدي الذي شكل أساسيات لحالة تخلفهم عبورًا إلى ثقافة جديدة.. ولابد من حسم الصراع بين القيم المحفزة والمحركة والأخرى القيم المعطلة الكريهة ليحدث ذلك العبور الحضاري نحو التقدم.. نعم، فالتقدم يحتاج إلى ثقافة الإنسان الواعي المستنير كبديل لثقافة الإنسان العادي الذي يفتقد دوافع التماهي مع ذلك المشروع الثقافي السابق الحديث عنه.
وعليه لابد من مواجهة القيم السلبية والثقافة المتدنية المتراجعة والانحيازات العاطفية السلبية لأمراض الغيرة والحسد والجشع والطمع المولدة للأنماط السلبية المعوقة والمنتجة كل ألوان الفساد في النهاية.
لا ريب أن الثقافة بات لها الدور الفاعل والهام في رفع درجة الوعي المجتمعي، ومن ثم العمل على دعم بناء أساسيات الدولة، من خلال تطوير سمات المجتمع وتأهيله كي يكون مواكبًا للمجتمعات المتقدمة، وما تحققه من آفاق واسعة في مجال التطوير، فعندما تكون الثقافة إيجابية وفاعلة يكون المجتمع بخير، وينعكس هذا على حالة الاستقرار والتفرغ للابداع والانتاج، كل هذا وأكثر يمكن أن تحققه الثقافة اذا كانت ذا طابع متطور ومتابع للواقع العالمي المتقدم، فالعمل على إفشاء دوافع لتشكيل ثقافة متقدمة هي السبيل لبناء وصناعة دولة متقدمة.
ومن هذا المنطلق أتفق مع من يؤمنون بفكرة (إذا هزلت ثقافة أمة ما، هزلت تلك الأمة)، فهناك رابط جوهري يصعب تجاهله بين الثقافة والتقدم، مع ضرورة أن يتوفر لتلك الثقافة السمات الإيجابية ، فالثقافة السلبية تأثيرها سلبي بطبيعة الحال.
وهنا تقع المسئولية على المثقف ذاته في المقام الأول، والمجتمع المحيط به، فالمثقف في البداية هو ابن مجتمعه، كما أن العلاقة المتبادلة بين المثقف والثقافة يكون لها التأثير الطبيعي لكل منهما على الأخر، فالثقافة ذات السمة المتطرفة بشكل سلبي (كالثقافة الإخوانية والداعشية على سبيل المثال) توجه المسئولية والاتهام للمثقف في النهاية في تلك الحالة.
وبذلك التصور، لابد من اجتهاد المثقف لطرح ما يكفي من رؤى وأنشطة وفعاليات، لكي يُحصّن الثقافة من التحول الى معول للهدم، فعندما تكون الثقافة أدة لصناعة وتوليد الفكر المتطرف والتعصّب والأحادي النظرة والتوجه، وما شابه ذلك من قيم سلبية بالية، لا يمكن أن تكون الثقافة أداة لبناء مجتمع قابل للتنمية والبناء الناجح وتحقيق طفرات.