رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بيير بورديو.. آليات الإعلام الدولى                                                              

يكتب بيير بورديو، المفكر الفرنسى وعالم الاجتماع المعروف، عن دور الإعلام وتأثيره ويقول فى ذلك: «إن مبدأ الحواة والسحرة يتمثل فى جذب الانتباه نحو شىء آخر غير الذى يقومون به فى الحقيقة»، لكن «بورديو» فى كتابه «التليفزيون وآليات التلاعب بالعقول» يختص التليفزيون دون وسائل الإعلام بحديث مطول، نظرًا لأن الصورة على حد قوله قادرة على أن توحى للمتلقى بصدق الحدث أكثر مما تفعل أى وسيلة أخرى، وفى هذا السياق يشن «بورديو» حملة على تليفزيون بلده الفرنسى قائلًا: إن عمله الرئيسى هو جذب انتباه الناس إلى أحداث متفرقة قد تهم الجميع، مثل حياة النجوم الشخصية والجرائم الجنسية أو الحرائق والفيضانات، الاغتيالات، الغرائب، الأبراج، المشاحنات بين الفنانين، وكل ما لا يصدم أحدًا ولا يؤدى إلى انقسام أو تكتلات اجتماعية، وباختصار إهلاك الوقت. بل إن التليفزيون فى حالات غير قليلة كما يقول «بورديو» يقفز من تسجيل الواقع إلى تلفيق واقع آخر بالصور التى تتابع فى نسق يوحى بما يريدونه، لأن مبدأ الحواة جذب الانتباه إلى شىء آخر. 

الكاتب كان أحد أهم المنظرين لحركة العولمة البديلة، وله فى ذلك كتاب مهم صدر عام ١٩٩٣ بعنوان «بؤس العالم»، اجتهد فيه لتوضيح الكيفية التى يعيد بها المجتمع الرأسمالى إنتاج الفروق الطبقية ليس اعتمادًا على الظروف الاقتصادية كما ألحت الماركسية، بل بالتركيز على العوامل الثقافية والفكرية.

أما كتابه «آليات التلاعب بالعقول» فقد أعيدت طباعته عند نشره عام ١٩٩٦ ثمانى مرات خلال الأشهر الثلاثة الأولى من صدوره، وربما يعود ذلك إلى اتساع نطاق المهتمين بقضية الإعلام. وبداية فإن «بورديو» ينفى صفة الحياد عن وسائل الإعلام، ويرى أنها وسائل توجيه وتحكم فى الرأى العام. ويقول: إن السؤال المطروح فى مجتمع المعلومات العصرى هو: من يملك المعلومات؟

وفى كتابه يستخدم «بورديو» مصطلح المعلومات بالمعنى الأشمل، أى: المعلومات والأسس التكنولوجية التى تقوم بالنشر، وينتهى إلى أن من ينتج المعلومات ويسيطر على وسائل النشر هو الذى يفرض رؤيته على الآخرين، ويستشهد فى ذلك بتحقيق عنوانه «من يملك المعلومات؟» يتضمن أسماء الشركات والأفراد الذين يملكون أو يسيطرون على كبرى الشركات التليفزيونية ومحطات الإذاعة وكبريات الصحف والمجلات فى أمريكا، ومن هذه الشركات على سبيل المثال جنرال إلكتريك، والملياردير تيد تيرنر مالك شبكة سى إن إن. 

ويؤكد «بورديو» أن هذه الصورة لا تختلف كثيرًا فى الدول الأوروبية الأخرى عنها فى أمريكا، ويضرب مثالًا بسيلفيو بيرلسكونى الإيطالى إمبراطور وسائل الإعلام صاحب شركة ميدياست لإنتاج الوسائط المتعددة. ويؤكد أن مالكى تكنولوجيا المعلومات ووسائط نقلها هم الذين يحددون اتجاهات الرأى العام، سواء أكانت ملكية تلك التكنولوجيا تقع فى أيدى الدولة مباشرة، أو فى أيدى عائلات وأفراد من ذوى العلاقات الوثيقة مع الدولة. 

وأخيرًا يشير الكاتب إلى أن «نسبة كبيرة من الأفراد لا تقرأ أى صحيفة يومية وتهب نفسها بالكامل جسدًا وروحًا للتليفزيون كمصدر وحيد للمعلومات»، ولا شك أن تلك النسبة تتضخم فى الدول النامية، حيث تقل القراءة وتزداد الأمية، فيصبح التليفزيون الجهاز الرئيسى الناقل للثقافة بشكل عام.