رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إصلاح الخطاب الدينى.. وحتمية إعادة الثقة

على مدى الحقب الأخيرة فقد المواطن البسيط ثقته في نفسه وقدراته وفهمه ومدى إيمانه وانتسابه السليم لدينه وتعاليمه الأصيلة وثوابته غير القابلة للشك في قواعدها الإيمانية، وهو ما انعكس في طلبه المتزايد للفتوى حتى في حركته داخل مربع سكنه، ماذا يقول وماذا يفعل وبماذا يلتزم وأي أمر يرفض مسلمًا سنيًا أو مسيحيًا كاثوليكيًا كان، فلكل مقال مقام والشيء لزوم الشيء، ومغامرة التصرف واتخاذ قرار الحركة من غرفة المسافرين في اتجاه دخول الحمام باتت مهمة محفوفة بالمخاطر لو لم تسأل وتعرف وتحفظ وتدرك وتؤمن عزيزي المواطن بفتاوى تنظيم الحياة والحركة على الأرض!!
ولأن قوانين علوم الطبيعة والميكانيكا تعلمنا أن أن لكل فعل رد فعل مساوٍ له في القيمة معاكس له في الاتجاه، فقد كثرت وتنوعت وتفرعت جهات إصدار الفتوى المباشرة وغير المباشرة، والتابعة للكنيسة والمسجد وغير التابعة، وألا يكفيك أيها المواطن مئات القنوات التليفزيونية الدينية وغير الدينية التي يطلقها أصحاب اللحي الكثيفة أو أهل الوداعة والتبسيط من الدعاة والمبشرين الكاجوال؟!!
نعم، بات المواطن المسكين يلهث عبر آلاف المواقع على الشبكة العنكبوتية أو على صفحات التواصل الاجتماعي طلبًا للفتوى، وقد بلغ حالة من الضعف الإيماني بقدرته على فهم آيات دينه ورسالة مذهبه، وحتى صار كالببغاء يكرر ما يقال له دون فهم واستيعاب لمتن الكلام وقواعده السلسة السليمة، فالالتزام بالفتوى وتعاليمها وضوابطها الشكلية هي كل المطلوب وفقط!
الإعلام الديني بكل وسائطه .. مناهج التربية الدينية وتعليم أصولها .. المؤسسات الدينية بكل منافذ الدعوة والتبشير والتعليم والإعلام التابعة لها .. الدراما والأغنية المصرية والعربية .. الوزارات المعنية بأمر التنمية الإنسانية بكل أجهزتها ومؤسساتها على الأرض .. كل تلك الجهات  والمصادر وغيرها تتشارك المسئولية نحو التماهي والدفع في اتجاه بناء خطاب ديني تنويري صالح لعصرنا ومجدد لأسباب الحياة على الأرض في سلام وتواد ورحمة ..
لقد بات الناس في بلادي يسألون بعد انتشار تعاليم الأديان والمذاهب الأكثر تشددًا .. وماذا عن مصير الآباء والأجداد الذين ما سمعوا ولا عرفوا بتلك التعاليم وحسابهم عما طبقوه؟ .. على سبيل المثال: ما مصير أهالينا الأقباط الذين عاشوا في زمن لائحة وتعاليم 1938 للأحوال الشخصية وما أجازته ووافقت عليه من أسباب للطلاق معمول بها في زمانهم؟!!.. ما مصير أمهاتنا وجداتنا المسلمات اللائي ما طبقن وما التزمن بكل قواعد ومواصفات الرداء الإسلامي المعلوم والمقطوع به في زمن الحفيدات الآن على سبيل المثال؟! ... هل باتوا الآن على أبواب جهنم حيث يكون البكاء وصرير الأسنان؟! .. أم هي الجنة ونعيمها لقوم لم يكونوا يعلمون؟!
لابد أن نتشارك جميعًا من أجل إعادة الثقة بين كل الأطراف حتى تعود لأصحاب العقول الجائعة معرفيًا وثقافيًا وروحيًا الثقة في أنفسهم ومؤسساتهم الرشيدة .. لقد باتت نوعية أسئلة الناس وطلباتهم للإفتاء والإجابة عليها في نسبة عالية منها مادة لكوميديا صفحات التواصل الاجتماعي من فرط غرابتها ومفاجأة طرحها ..
لدينا فرصة رائعة في ظل إدارة سياسية واعية ورئيس للبلاد بادر وطالب وألح وكرر وناشد وشدد على أهمية الإسراع في تصويب الخطاب الديني والإعلامي والثقافي، فاستثمروها يا ناس!!