فقه بني إسرائيل (9).. رمز يهودى أم قوى للسحر.. ما قصة نجمة داوود؟
"نجمة داوود" هو الرمز الأكثر شيوعًا المرتبط باليهودية، وهي عبارة عن نجمة سداسية تتكون من مثلثين متساويي الأضلاع، يتم وضعهما في اتجاهين متعاكسين. تسمى أيضًا بخاتم سليمان، وتسمى بالعبرية ماجين دافيد أي "درع داود".
هناك الكثير من الجدل حول هذا الرمز، فهناك تيار مُقتنع بأن اتخاذ هذا الشعار كرمز لليهود يعود إلى زمن الملك داوود، وهناك بعض المصادر تشير إلى أن هذا الرمز استخدم قبل اليهود كرمز للعلوم الخفية التي كانت تشمل السحر والشعوذة، وهناك أدلة أيضًا على أن هذا الرمز تم استخدامه من قِبل الهندوسيين من ضمن الأشكال الهندسية التي استعملوها للتعبير عن الميتافيزيقيا.
ليس واضحًا كيف بدأت قصة نجمة داوود، لكنها أصبحت رمزًا للشعب اليهودي في القرون الوسطى، وفي عام 1948 مع قيام دولة إسرائيل تم اختيار نجمة داود لتكون الشعار الأساسي على العلم الإسرائيلي.
أول ظهور لنجمة داوود مع اليهود
كان الدافع الرئيسي وراء الانتشار الواسع للنجمة في القرن التاسع عشر هو الرغبة في تقليد المسيحية، حيث بحث اليهود عن علامة مدهشة وبسيطة ترمز إلى اليهودية بنفس الطريقة التي يرمز بها الصليب إلى المسيحية، أدى هذا إلى صعود نجمة داوود في الاستخدام الرسمي، وفي الطقوس، وبطرق أخرى كثيرة. وقبل ذلك كان لها ظهور على المصنوعات اليدوية اليهودية، مثل المصابيح والأختام، ولكن دون أي أهمية خاصة ومعروفة.
في القرون الوسطى هناك حادثتان موثقتان عن استخدام نجمة داوود كشعار لليهود، كانت إحداها في عام 1354م في براغ عندما كانت جزءًا من بوهيميا حيث تم تصميم علم لليهود الساكنين في تلك المنطقة في عهد الملك تشارلز الرابع (1316- 1378) حيث شاركت قوة من اليهود في قتال قوات تابعة لملك المجر.
في عام 1648م وقعت حادثة مشابهة عندما تعرضت براغ لهجوم من قبل جيش السويد، وكان من ضمن المدافعين عن المدينة مجموعة من اليهود فاقترح الإمبراطور فرديناند الثالث (1608 - 1657) على هذه الجماعة حمل راية خاصة بها للتمييز بينها وبين القوات السويدية الغازية، وكانت الراية حمراء اللون وعليها نجمة داود باللون الأصفر.
ومن وسط وغرب أوروبا شقت طريقها إلى أوروبا الشرقية ويهود الشرق، حتى أصبحت رمزًا على كل كنيس يهودي.
في عام 1822 تم استخدامه على شعار عائلة روتشيلد عندما رفعهم الإمبراطور النمساوي إلى طبقة النبلاء؛ وعند نشأة الحركة الصهيونية عام 1879م اختارت نجمة داود رمزًا لها، واقترح تيودور هرتسل في أول مؤتمر صهيوني في مدينة بازل أن تكون هذه النجمة رمزًا للحركة الصهيونية، بل أيضًا رمز الدولة اليهودية مستقبلًا، فالعدد الأول من Die Welt مجلة هرتزل الصهيونية ظهرت عليها النجمة كشعار لها، وأصبحت منذ ذلك الحين رمزًا للآمال جديدة ومستقبلًا جديدًا للشعب اليهودي، وعندما استخدمها النازيون كعلامة عار لمرافقة الملايين في طريقهم إلى معكسرات الموت اتخذت بعدًا جديدًا من العمق، وتوحيد المعاناة والأمل.
وبعد قيام إسرائيل بستة أشهر قرر مجلس الدولة المؤقت بتاريخ 28 أكتوبر 1948 اعتماد نجمة داود كشعار على العلم الإسرائيلي، على الرغم من المعارضة الشديدة من زعماء اليهود الذين كانوا يريدون وضع الالمينوراه، وهو الشمعدان اليهودي كشعار للدولة اليهودية.
رمز في حضارات متعددة
أفادت المراجعات التاريخية أن نجمة داوود كان لها ظهور واضح في حضارات متعددة، ففي وقت مبكر من العصر البرونزي كانت تستخدم النجمة السداسية كنوع من الزينة، وربما كرمز للسحر والشعوذة، كان ذلك في كثير من الحضارات وفي مناطق متباعدة، مثل بلاد ما بين النهرين وبريطانيا. وكذلك في العصر الحديدي من الهند وشبه الجزيرة الأيبيرية قبل الفتح الروماني. كما استمر استخدام الزخرفة السداسية في العصور الوسطى، خاصة في البلدان الإسلامية والمسيحية.
تظهر النجمة أيضًا في أوائل العصر البيزنطي وفي العديد من الكنائس الأوروبية في العصور الوسطى، على سبيل المثال، على حجر من كنيسة قديمة في طبريا (محفوظ في متحف البلدية)، وعند مدخل كاتدرائيات بورغوس، فالنسيا، ويريدا.
كما استخدمت نجمة داود كرمز من قبل الطائفة المسيحية التي تسمى المورمون وخاصة في كنائسهم، ويعتبر المورمون النجمة رمزًا لقبائل بني إسرائيل الإثنتى عشرة القديمة، حيث يعتبر المورمون نفسهم امتدادا لهذه القبائل.
ما علاقتها باليهودية؟
هناك نظريات مختلفة حول اسس اعتبار النجمة السداسية كرمز لليهود وفيما يلي بعض من هذه الفرضيات:
- أهمية الرقم 6 في اليهودية في إشارة إلى الأيام الستة لخلق الكون، والأيام الستة التي يسمح بها للعمل والتقاسيم الستة للتعاليم الشفهية في اليهودية.
- النجمة السداسية تمثل الحرف الأول والأخير من اسم داوود بالعبرية، حيث يكتب حرف الدال بالعبرية بصورة مشابه لمثلث منقوص الضلع.
- من خلال مراقبة الشمس والقمر والنجوم والمذنبات كجزء من التنجيم يعتقد أن النجمة السداسية تمثل ميلاد النبي داوود أو زمان اعتلائه العرش.
- استنادًا إلى الكابالاه (الصوفية اليهودية) فإن هناك 10 صفات للخالق الأعظم، وقد جرت العادة على تجسيد تلك الصفات على شكل هرم شبيه بنجمة داود، ويعتبر التيار الكابالاي أن لكل حرف في الكتاب المقدس معناً خفياً، ويستخدم بعض نظريات فيثاغورث، وهو مذهب عميق جدا يبحث في حقيقة الرب وأن مصدر كل الأشياء هو الرب، ولم يكن مسموحا إلا لليهود الاشداء فقط التعمق في هذه الديانة، وكما ذكر سابقا فالشكل السداسي يمثل العشر صفات العظمى للإله الأعظم والتي اعتادوا على صفها على شكل هرم يشبه النجمة.
- استنادًا إلى روايات غير موثقة، فإن الدرع التي استعملها داود في المعارك في شبابه كانت درعا قديمة، وقام بلفه بشرائط من الجلد على هيئة النجمة السداسية.
- وفي إشارة إلى يهوه الذي يعتبر من أقدم أسماء الخالق الأعظم في اليهودية، فإنه يمكن تشكيل نجمة سداسية من الحرف الأول والأخير ليهوه بالعبرية.
- وهناك من يعتبرها رمزًا لتحرير اليهودية من العبودية بعد أربعمائة سنة قضوها في مصر، فالشكل المثلث للهرم يدل علي التصوير الشامل للسلطة، أما الهرم الآخر المقلوب فيعني الخروج عن هذه السلطة.
نجمة داوود والسحر
اليهودية الأرثوذكسية (المتدينة) ترفض اعتبار نجمة داود رمزًا للشعب اليهودي، وذلك لكونها رمزًا ذو علاقة بالسحر والشعوذة القديمة أو ما كانت تسمى العلوم الخفية.
ولكن في الوقت نفيسه، لم تظهر النجمة السداسية في البرديات السحرية، ولا في أقدم مصادر السحر اليهودي، لكنها بدأت تظهر كعلامة سحرية من أوائل العصور الوسطى، ومن بين الشعارات اليهودية من العصور الهلنستية (تمت مناقشتها في الرموز اليهودية في العصر اليوناني الروماني)، السداسية والنجمة الخماسية مفقودة.
وفي مصادرة متعددة، فإن النجمة السداسية مرتبطة بالسحر اليهودي المسيحي، مثل العمل السحري اليوناني The Testament، وفي السحر العربي، تم استخدام "ختم سليمان" على نطاق واسع، ولكن في البداية اقتصر استخدامه في الأوساط اليهودية على حالات نادرة نسبيًا.
وظهرت النجمة السداسية والنجمة الخماسية كتعويذة، كان من الشائع في العديد من الإصدارات السحرية اليهودية "ميزوزة" التي كانت منتشرة بين القرن العاشر والرابع عشر، وكذلك ظهرت في المخطوطات العبرية السحرية في العصور الوسطى المتأخرة.
بين عامي 1300 و 1700 ، تم استخدام المصطلحين، درع داود وختم سليمان، في النصوص السحرية ، ولكن ببطء اكتسب الأول الهيمنة، وأصبح منتشراً في الكتب المطبوعة في براغ في النصف الأول من القرن السادس عشر.
نجمة داوود مثل جوانب كثيرة في اليهودية، لا توجد رواية واضحة وموحدة عنها، لكنها أصبحت أحد الرموز اليهودية على مر الزمان.