رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نرمين يسر تكتب: «القاهرة: كابول».. عن الموهبة والإتقان

ينجذب عشاق الأعمال الدرامية إلى العناوين المثيرة للفضول، وهو ما ينطبق على مسلسل «القاهرة كابول»، ومن هذا المنطلق تبدأ مراهنات المشاهدين وتوقعاتهم عن فحوى العمل الدرامى الذى يحمل اسم مدينة أرعبت سكان العالم من مجرد ذكر اسمها، تتفتح الذاكرة على صورة للإرهابى الأشهر بن لادن أو أيمن الظواهرى، والشادور المرعب «الخمار الأزرق الخاص بنساء كابول».

المسلسل يجمع بين أحمد رزق وطارق لطفى وخالد الصاوى وفتحى عبدالوهاب، سيناريو وحوار عبدالرحيم كمال، ومن إخراج حسام على، مما يشير إلى أنه عمل متكامل ومتكافئ ومتزن.

من خلال مشاهدة الحلقات الأولى يبدو المسلسل مبشرًا، حيث يدور حول الأصدقاء المختلفين فى طموحاتهم ومهنهم مع الإبقاء على صلة الصداقة النادرة، رمزى «طارق لطفى» أو أبومنصور المتطرف دينيًا الذى يتصدى له صديقه عادل «خالد الصاوى» ضابط مكافحة الإرهاب، وخالد «أحمد رزق» الفنان الذى صنع فيلمًا سينمائيًا عن الإسلام السياسى والمتطرفين، ورابعهم طارق كساب «فتحى عبدالوهاب» الإعلامى الوصولى.

تبدأ الأحداث ساخنة بعد تفجير أحد أعضاء المنظمة الإرهابية نفسه فى معسكر أمريكى، وتعلو صيحات التكبير، ومن ثم يعرض السيناريو مقتطفات عن حياة الأصدقاء، ومدى تأثير الدين على تربيتهم وسلوكهم منذ الطفولة وحتى اجتماعهم بمنزل الإعلامى المشهور، باعتباره اجتماعًا للمكاشفة بين أربع قوى «التطرف والعدالة والفن والإعلام»، أما عن الصديق الإعلامى فلا يأبه سوى بالأخبار الدسمة فقط، وذلك فى متوالية سلسة يتناول فيها السيناريو عرض تفاصيل حياة كل شخصية على حدة، ومعًا مجتمعين، فى مناظرة أداء تمثيلى وفكرى وعقائدى بين الضابط والإرهابى، حيث اعتمد المشهد الذى استمر طوال وقت الحلقة على الحوار فى وقته الآنى و«فلاش باك» لأحداث الماضى والطفولة، و«قَسَم البطانية»- العهد- بينهم أطفالًا.

تمادى السيناريو فى تقديم كم كبير من لقطات الماضى من أجل توضيح صورة مفصلة عن كل ذكرى جاءت فى حوارهم، ما أفقد طبيعة الجلسة بين الأصدقاء الأربعة قوتها وتأثيرها بعض الشىء، لكنها ضروريات الدراما.

فى مشهد مهيب تتنقل الصورة بين جنازة المخرج الذى تم اغتياله عن طريق الخطأ بدلًا من الضابط «عادل»، المرصود من قبل المنظمة الإرهابية التى يرأسها «رمزى»، فى مقابر مدينة القاهرة، وبين جبال كابول، حيث دفن شقيق زوجة رمزى وغريمه، حيث يتفق الفريقان على إعلاء كلمة الله وتلاوة القرآن على الفقيدين، لكن كلًا منهما يفسر ما يُتلى بطريقته، حتى انتهى المشهد بهطول وابل من القنابل مصدره السماء، كرد أمريكى على التفجير الواقع على قاعدتهم، فى أجواء موسيقى صوفية تشبه الابتهالات صاغها الموسيقار خالد داغر.

طارق لطفى موهبة وقدرات مميزة اكتُشفت بعد وقت طويل من التجارب فى أدوار خفيفة، بدأها فى أواخر التسعينيات فى أفلام مثل «الحب الأول»، لكن مع تراكم الخبرات وطول المشوار واجتهاده وتنوع الأعمال التى لعبها تبلورت إمكانياته ليصل إلى مرحلة الأدوار المركبة فى مسلسلات «شهادة ميلاد»، و«مع سبق الإصرار»، وصولًا إلى «القاهرة كابول»، حيث فاجأ جمهوره بتقمص جيد لدور الإرهابى والشاعر والمتدين والعاشق فى نفس الشخصية، والتى لعب كلًا منها ببراعة، إذ استعد لطفى لهذا التقمص بلحية حقيقية تركها دون حلاقة وتهذيب، فالإرهابى يتصل هاتفيًا بابنة خاله وحبيبته منال «حنان مطاوع» بعد اغتيال صديقه خالد بدقائق وهروبه من منزل طارق، يحتاج لسماع صوتها، ومن بعدها يعود إلى رباطة جأشه استعدادًا لجلسة البيعة بين عشيرته فى الكهوف الأفغانية، فى تركيبة نفسية معقدة، ولا تقل مهارة عن تقمص الشخصيات الأخرى أدوارها مقارنة بدور طارق لطفى، إذ نجح فتحى عبدالوهاب فى توصيل مصداقيته بلعب دور الإعلامى المشهور بصوت واثق وإشارات مدروسة كشأن من تعايش مع الدور واستذكره جيدًا.