عودة شريهان.. أجمل حدث تليفزيونى فى رمضان
من التسرع أن نحكم على الأعمال الرمضانية بعد مرور يومين أو ثلاثة فقط، ولكن هناك أعمالاً تبشر بالخير وأخرى تحمل نذر التكرار والملل منذ الحلقة الأولى.
بشكل عام يبدو الموسم الرمضانى المصرى هذا العام أكثر تنوعًا فى الموضوعات وأكثر جودة فنية، فعلى الأقل تم التخلص أخيرًا من هيمنة مسلسلات الثلاثين حلقة، وأدرك صناع الدراما أن بإمكانهم عمل مسلسل لا يزيد على خمس عشرة حلقة.. لكن ما لم يدركه أصحاب الفضائيات هو أنهم يقامرون بخسارة كل شىء بإصرارهم على قطع المسلسلات والبرامج بهذه الفترات الإعلانية اللانهائية، وعادة ما كانت هذه الفقرات الإعلانية تطول بعد مرور أسبوع أو أسبوعين عندما يبدأ المعلنون فى التركيز على الأعمال الأكثر مشاهدة، ولكن يلاحظ هذا العام أن ملل الإعلانات بدأ مبكرًا جدًا، حتى قبل أن يبدأ الشهر الكريم.
لا أفهم سبب إصرار المعلنين على تكرار إعلاناتهم بهذه الكثافة وكأنهم لم يسمعوا بمقولة أن «الشىء الذى يزيد على حده ينقلب ضده»، ولا أفهم سبب إصرار أصحاب القنوات على الاستجابة لطلبات المعلنين ومحاولة إغرائهم بعدد المرات التى تتكرر فيها إعلاناتهم، ونحن نشاهد الفضائيات الأجنبية والعربية ونرى كيف يتم وضع الإعلانات بطريقة مكثفة ومختصرة وفعالة.
إن الإصرار على نظرية «العدد فى الليمون» والكم أهم من الكيف أسهم فى مزيد من انصراف الناس عن متابعة الفضائيات واللجوء للمنصات التى تعرض موادها دون أى إعلانات، ومن لا يملك ثمن اشتراك المنصات أو يستخسر أمواله فيها يلجأ إلى القنوات والمواقع التى تقوم بالقرصنة على هذه الأعمال وبثها بعد دقائق من عرضها على المنصات، ودون إعلانات تقريبًا.
وهذا العزوف المتزايد عن متابعة الفضائيات سيؤدى بدوره إلى مزيد من تعنت المعلنين وفرضهم للشروط غير المعقولة وإلى مزيد من رضوخ أصحاب الفضائيات لشروطهم واستمرار هذه الحلقة الجهنمية من التراجع المستمر لدور التليفزيون وحلول عصر المنصات بالكامل، وهذه مشكلة كبيرة لو تعلمون، فالتليفزيون كان على مدار عقود طويلة أهم رابط اجتماعى بين المواطنين، ويكفى أن تتذكروا أيام «رأفت الهجان» و«ليالى الحلمية» و«فوازير رمضان» التى كان يتجمع أمام قنوات التليفزيون أثناء عرضها عشرات الملايين فى العالم العربى كله.
الإعلانات فن قائم بذاته، ومعظم الشركات المعلنة فى رمضان تنفق بسخاء على هذه الإعلانات وتستقطب لها كبار النجوم والمخرجين والمؤلفين، وعلى سبيل المثال فقد نجح إعلان إحدى شركات الاتصالات هذا العام فى تحقيق ما عجزت عنه شركات الإنتاج لسنوات طويلة من إقناع النجمة المحبوبة شريهان بالعودة إلى الأضواء.
لقد تحولت شريهان إلى أسطورة حية عندما كانت تقوم ببطولة الفوازير لأعوام، ثم تحولت لأسطورة غائبة بعد الحادث الغامض الذى تعرضت له والإصابات الخطيرة التى «كسرت ظهرها» حرفيًا ومعنويًا وأقعدتها ومنعتها من الظهور لأكثر من ربع قرن.
ومن أبهج المفاجآت التى أسعدت المشاهدين مع أول أيام رمضان هو ظهور شريهان فى هذا الإعلان، خاصة أن الإعلان يتميز بكتابة وإخراج واستعراضات رائعة، وقد نجح صناعه فى الربط بين مضمون الإعلان والحياة الشخصية لشريهان ببراعة، لدرجة أن الإعلان يشير حتى إلى إصابة ظهرها والسنوات التى قضتها مقعدة عن الحركة وقوة العزيمة والإرادة التى حمتها من الانهيار وجعلتها تنجو وتعود للعمل، حتى لو من خلال إعلان، بعد كل هذه السنوات.
هكذا يكون الإعلان الناجح، وهكذا يكون التوظيف المناسب للفنان، وربما تكون بداية لعودة شريهان فى أعمال فنية محسوبة، والخوف كله أن تنهال عليها الإغراءات بمزيد من الإعلانات أو الظهور العشوائى فتسىء لأسطورتها، مثلما تسىء الفضائيات والمعلنون لمصالحهم بهذا الإفراط والابتذال اللذين حولا مشاهدة التليفزيون إلى فقرة تعذيب باسم الإعلانات.