رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

زيارة جديدة لـ شادي عبدالسلام.. مطعم ليدو وربة المعبد

شادي عبد السلام
شادي عبد السلام

"ولك الآن فى دمنا سجدة، ولنا فيك ما تمنحه الشمس لأبنائها"

لقد كان شادى عبد السلام مدرسة فريدة من نوعها، تمثلت في أعماله السينمائية بكامل أشكالها من تصميم الملابس والديكور والإخراج السينمائي، وفضلا عن كونه أستاذًا بقسم هندسة المناظر بالمعهد العالى للسينما، ترأس "مركز الفيلم التجريبى" فى وزارة الثقافة عام 1968، بعد النكسة بعام واحد، وكانت الدولة تريد أن تستعيد نشاطها على كل المستويات فأوكلت المركز لأحد أنجب أبنائها "شادى عبد السلام".
كذلك كانت هناك مدرسة أخرى فريدة- لم تكن رسمية- يترأسها "شادى"؛ تبدأ أمسياتها عشية كل يوم بمكتبه بشارع 26 يوليو (فؤاد سابقا)، ولم تغلق أبوابها فى وجه طالب أو صديق إلا فى يوم الخميس 9 أكتوبر 1986 حين تركنا شادى ورحل أو ربما الأدق حين تركناه ورحلنا.
كان شادى مدرسة صنعت أساتذة؛ كل فى مجاله، وهذه سمة كل أستاذ كبير، وبقيت العلاقات الطيبة بينه وبين طلابه وأصدقاءه الذين أصبحوا فيما بعد نجومًا لامعة فى السينما وغيرها، وهناك علاقات أخرى مع بعض نجوم عصره مثل نادية لطفى التى عرفها نجمة لا طالبة، وقد وجدنا فى تلك العلاقات والصداقات فرصة لمعرفة أقرب إلى وجه لشادى عبد السلام.
***

حارب العدو الإسرائيلي بـ ”تعيشي يا ضحكة مصر”.. وهذه أسرار وفاته بـ ”لعنة  الفراعنة”.. حكايات لا تعرفها عن الفنان أحمد مرعي | نجوم الفن | الموجز
الفنان أحمد مرعي
فى منتصف عام 1968 كان أحمد مرعى يحاول أن يجد لنفسه مكانا بين نجوم التمثيل وكان يشارك حينها فى بطولة مسرحية بعنوان "خادم سيدين" فى مسرح الجيب.
وفى إحدى الليالى بعد نهاية العرض فوجئ "مرعى" بأخيه صلاح مرعى- مهندس الديكور ومعه شادى عبد السلام- فى الكواليس، يهنئه "شادى" عن أدائه فى المسرحية ويطلب منه أن يأتى إلى مكتبه بشارع فؤاد "26 يوليو حاليا" ليتحدثا قليلا عن المسرحية وعن الدور الذى لعبه "مرعى" فيها.
فى ذلك الوقت كان "شادى" يعمل أستاذًا لمادة "الديكور" فى المعهد العالى للسينما، وكان أحمد مرعي معيدًا بقسم "التمثيل" فى ذات المعهد لكنهما لم يلتقيا أبدا قبل ذلك الموعد، لكن "مرعى" كان يعرفه من خلال أعماله العديدة كمهندس ديكور ومصمم للأزياء فى كثير من الأفلام التى أكدت اختلافه وتميزه.
كان هذا اللقاء هو الأول والذى تكرر كثيرا بعد ذلك.
أما عن اللقاء الثانى فيقول أحمد مرعىفي مقال له بعنوان "كانتأياملاتنسى"،نشر بمجلة "القاهرة"،ديسمبر 1994: "فى مكتبه أحسست أننى فى محراب للثقافة والفن وأثناء انتظارى لفنجان الشاى، قدم لى شادى بعض الاسكتشات لأتصفحها، وكانت المفاجأة فى واحدة من هذه الاسكتشات، وجدت نفسى جالسا تحت قدم أحد التماثيل الفرعونية، نعم.. إنه أنا، الملامح نفسها، الشكل نفسه، الروح نفسها".

أحمد مرعي في فيلم المومياء
يضيف "مرعى": "كانت هذه الاسكتشات لكل لقطة من سيناريو فيلم المومياء، وكان شادى فى رحلة البحث عن الممثلين، فقد زار المعاهد العلمية والجامعات وشاهد أغلب الأعمال الفنية التى كانت تعرض فى تلك الفترة سواء فى المسرح أو السينما أو فى التليفزيون".
ولحسن حظ "مرعى" أن الاختيار قد وقع عليه لأداء شخصية "ونيس" فى فيلم "المومياء، وبدأت الرحلة بجلسات عمل لقراءة السيناريو ومناقشته وتحليله والتعرف على الشخصيات وأبعادها، بروفات للأداء وضبط إيقاعه، ثم الملابس إلى أخر ما فى العمل، وعلى ذكر الملابس يذكر "مرعى" إصرار "شادى" على أن يرتدى كل ممثل ملابس الشخصية التى سوف يؤديها فى حياته الخاصة حتى يتعود عليها.
استغرقت هذه الرحلة ما يقرب من ستة أشهر قبل أن يبدأ التصوير، وفى نهاية هذه المدة توطدت روح الألفة والصداقة بين "مرعى" و"شادى" وكذلك بين الأخير وبين باقى فريق العمل من فنانين وفنيين فأصبحوا جميعًا كأسرة واحدة شديدة الترابط والالتزام وهو ما سوف يظهر بعد ذلك جليا أثناء عرض فيلم "المومياء" على الشاشة.
مرة أخرى يذكر "أحمد مرعى" قصة طريفة عن شادى عبد السلام؛ حدثت عندما سافروا جميعا إلى الأقصر لبدء التصوير: "فى اليوم الأول من وصولنا، وفى الليلة الأولى تجمعنا لنتناول العشاء فى مطعم الفندق، فوجئ شادى بالبعض يرتدى الجينز أو الجلابية أو غيره، فأصر شادى أن يعود الجميع إلى غرفهم ولا يعودوا لتناول العشاء فى مطعم الفندق إلا إذا ارتدى كل واحد منهم بدلة أنيقه، وتحلقنا حول مائدة واحدة وتبادلنا الحديث فى صوت خفيض، مما لفت إلينا أنظار الجميع من سائحين وزوار وعاملين بالفندق، ومما جعلنا موضع احترام وإعجاب من الجميع، وهكذا كان سلوكنا كل ليلة".
هكذا كان شادى يطمع فى تنشئة جيل جديد ومختلف، جيل شديد التميز فى كل شئ.
***
لقد كانت صداقة شادى عبد السلام وبولا محمد شفيق المعروفة باسم الفنانة "نادية لطفى" صداقة خاصة جدا، أو قل معزوفة جميلة لعلاقة نادرة تجمع بين رجل وإمرأة، بما فيها من رقى وتحضر وتقدير.
وما لا يعرفه الكثيرون أن شادى حتى بعد رحيله فقد ظل أقرب إلى ما يكون إلى نادية، ظل فى جدران وحوائط منزلها المكسوة بالخشب، فشادى هو من صمم كل ديكوراته!
والغريب أن "نادية" لم يكن لها أى دور فى فيلم "المومياء"! لكن لأنها عاصرت كل مراحل الإعداد والتحضير والكتابة التى قام بها شادى منذ كان العمل مجرد فكرة طارئة، وعلى حد تعبير نعمة الله حسين في كتبها "ناديةلطفى.. زهرةالصعيدالبرية"،الصادر عن المهرجانالقومىالثامنللسينماالمصرية بالأقصر، فقد رأت "نادية" حلم الصديق يكاد يتهاوى أمام عقبة المال والإنتاج فاقترحت أن تنضم لأسرة الفيلم تحت أى مسمى لدور لكى يستطيع "شادى" أن يحصل على سلفة من مؤسسة السينما بضمان إسمها كبطلة!
بهذا خرج "المومياء" للنور وولدت شخصية "زينة" بطلة لدور لم يتجاوز مدة عرضه الخمس دقائق فى فيلم يستغرق ساعتين، لا تنطق "نادية" فيهم بكلمة واحدة!
وتجربة "نادية لطفى" السينمائية مع "شادى" لم تقتصر على فيلم "المومياء" فقط بل امتدت وانعكست الصداقة على تعاونهما فى الفيلم التسجيلى "جيوش الشمس" الذى يتحدث عن جنود حرب أكتوبر.
فحينما كان "شادى" يصور الجنود، كانت "نادية" تقود مجموعة من الفنانين فى القصر العينى لزيارة خاصة للجنود المصابين، لذلك كان طبيعيا أن يلجأ إليها شادى، حيث كانت على معرفة بأبطال الحرب، وشعرت "نادية" بالفخر والسعادة لهذا التعاون مع "شادى" وخصوصا أن التعاون جاء بتلك الصورة التى كانت تبدو أقرب إلى مساعدة مخرج!

شادي بجوار نادية لطفي
وعن لقاءها الأول بشادى كتبت نادية في شهادة لها بعنوان "حكايات منقوشة على حائط القلب"، مجلة "القاهرة"،عدد (145) تقول: "التقيت به أول مرة فى نهاية الخمسينيات أثناء العمل فى فيلم "الناصر صلاح الدين" إخراج "يوسف شاهين"، وكان شادى هو مصمم الملابس وكنت أتابع تصميماته الملونة على الورق لشخصيات الفيلم، فوجدتها تعطى روح العصر وكأنه قد عاش وجوه هذه الشخصيات فكانت تعبر عما بداخلها رغم صمتها".
استغرق تصوير "الناصر صلاح الدين قرابة عامين كاملين، توطدت فيهما الصداقة والمحبة بين شادى ونادية التى شعرت أنها أمام شاب ممتلئ بالكبرياء والمعرفة.
وتضيف نادية: "التقينا شخصيتى وشخصيته فى أمر غريب وهو حبنا لمتابعة الأعمال الفنية الراقية ومناقشاتنا لها والاستمتاع بها بالدرجة نفسها التى نتابع بها الأعمال الرديئة الهابطة، كنا نتابعها بشغف من أجل الضحك والسخرية وتدريب ذكائنا على القفشات السريعة والتلاعب بالألفاظ".
ولنادية مفهوم مختلف عن الصداقة فتقول لنعمة الله حسين في المرجع المشار إليه سابقا: "أنا أحب الصداقة التى أكون فيها فقيرة وصاحبى غنى، ثري بالعلم وليس بالمادة، ثري بأفكاره ومشاعره، هذه الصداقة تغدق عليك من كنوز العلم والمعرفة".
كان هذا عن مفهومها العام للصداقة والذى ينطبق تماما على شادى كما أكدت نادية نفسها فى أحد حواراتها الصحفية، أما عن شادى نفسه فتقول نادية لطفى في شهادتها لمجلة القاهرة: "لقد كان شادى بالنسبة لى كالتوءم، فالتوءم كل منهما يشعر بالآخر ويحس أحاسيسه، توءما فكرا وروحا فى رحم الفن، كان اللقاء دائما روحيا وفكريا أما معاملته فقد كانت تفيض رقة وعذوبة وحنانا وتدليلا وكانت هذه المعاملة تسعدنى".
وإذا كان "شادى" هو توأم "نادية" فلا غرابة فى القول أن هناك مجموعة من الرسائل أرسلها "شادى" إلى "نادية"، احتفظت بها "نادية" لما بها من سخرية، فقد كان "شادى" أحيانا يستعمل النصوص القديمة ويخلطها، وأحيانا يشاغب "نادية" بالعنوان فيكتب لها بشارع فؤاد (المسكين الفقير سابقا) وهو يقصد الملك فؤاد، وأحيانا كانت المشاغبة تتصاعد فيكتب شادى رسالته على أوراق الشركة الرسمية ويضع خاتم الشركة، وفى نهاية الرسالة نص من أناشيد "إخناتون"، وكثيرا ما كانت الرسائل مزينة بأزهار اللوتس والبردى والعصافير.
كان "شادى" يضع اسم "نادية" على أول الرسالة داخل خرطوش ملكى مسبوقا بألقابها الملكية فيراها الملكة "تى" ربة المعبد وحاكمة التيجان!
***
"كان من أشد المعجبين بشادى وكان يهمه أن يستشير شادى فى ملابسه وكان يرتاح لوجوده كمهندس ديكور للفيلم ويشعر بالاطمئنان لأن المكان الذى يمثل فيه دوره فى أيد أمينة ومع فنان موهوب".
بهذه الكلمات تتحدث نادية لطفى مرة أخرى عن شادى عبد السلام، لكنها هذه المرة لن تحدثنا عن لقاءها الأول به ولا حتى الأخير، لكنها تتحدث عن إعجاب العندليب الأسمر "عبد الحليم حافظ" بشادى عبد السلام، فالفنان الموهوب هو شادى والأيد الأمينة هى يده، والفيلم المقصود هو "الخطايا" الذى عمل فيه "شادى" كمهندس ديكور.
وتنهى نادية حديثها فتقول: "لقد كان شادى عالما فى مجاله ومخلصا فى عمله وكان عبد الحليم حافظ يعرف ذلك ويقدره".
***
كان "شادى" يحب مطعم "ليدو" بالزمالك وفى إحدى الليالى كان يجلس هو وصلاح ومرعى والشاعر والصحفى أحمد إسماعيل وفجأة قال لهم "سأموت فى الثالثة والخمسين من عمرى"، لم ينسى أحمد إسماعيل هذه الكلمات بل ظن أنها نبوءة شادى التى تحققت وإن كان الأخير قد عاش بعد هذا العمر بثلاث سنوات إضافية.
***
كان "شادى" يحترم المعرفة ويحتقر الجهل ولا يدخل أى عمل له أو يفكر فيه قبل أن يطلع على أغلب المصادر المتعلقة به إن لم أقل كلها.
وهكذا يسرد "أحمد إسماعيل"في شهادته "طارتالزهرةفىالريحوظلتعبقا"،مجلة "القاهرة"،ديسمبر 1994الحوار الذى دار بين شادى عبد السلام والمخرج الإيطالى "زيفايللى" على إحدى موائد العشاء، فيسأله شادى: أى كتاب عن مصر دفعك إلى زيارتها وإخراج فيلم عن ملوكها يا سير زيفاريللى؟
المخرج الإيطالى: ليس هناك كتاب محدد ولكنها بعض قراءات.
فيجيبه شادى: أنت لم تعرفنا إذن، إننى قرأت أكثر من خمسين كتابا عن إيطاليا ولم افكر فى عمل عن دافنشى!
***

شاهد.. الشيخ الشعراوي يبكي بسبب تحية كاريوكا ويعترف بغيرته منها | الوفد
تحية كاريوكا
أما السر الذى أفضى به "شادى" لصديقه الشاعر "أحمد إسماعيل" فكان يتعلق بالفنانة الكبيرة "تحية كاريوكا"، حيث جاء الحوار كالتالى:
شادى: هل أقول لك سرا؟
أحمد إسماعيل: ياريت
شادى: هل تعلم أننى صممت أول بدلة رقص مصرية لتحية كاريوكا!
وبينما كان أحمد إسماعيل يفتح فمه لإندهاشه من هذا السر الخفى كان شادى يضيف: هذه السمراء الجميلة أحس فيها بأصالة تمتد إلى قرون الماى وزهوه.
وبعد رحلة شادى إلى اليابان فقد عبر لصديقه أحمد إسماعيل عن إنزاعجه من هذه الزيارة فيقول: "أزعجتنى النبايات الأمريكية الطراز، إنها خيانة للمعمار اليابانى القديم، كم سوف يحزن كيراساواعلى هذا القبح!".
وكيراساوا (1910-1998)مخرج سينمائي ياباني، أنتج العديد من الأفلام، كما قام بكتابة السيناريوهات، وكانت لأفلامه شعبية كبيرة بين جمهورعشاق السينما في العالم،أخرج أول أفلامه "سانشيروسوغاتا"عام 1943،وطالت مسيرته الفنية حتى وفاته سنة 1998،عايش أثناءه اتحول بلاده (اليابان) منقوة إمبري الية تحكمها المؤسسات العسكرية إلى قوة اقتصادية مسالمة.

انتظروا الحلقة السادسة.. نستعرض فيها علاقة شادى عبد السلام بشيخ البنائين المعمارى حسن فتحى وبالمخرج صلاح أبو سيف وبالكاتب علاء الديب