رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خاص.. سياسيون سودانيون يتحدثون عن «حلف وادى النيل» بعد زيارتى السيسى وحمدوك

السيسى وحمدوك
السيسى وحمدوك

تبادل كل من القاهرة والخرطوم الزيارات رفيعة المستوى، خلال الأسبوع الماضى، فبعد زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى السودان، زار القاهرة رئيس الوزراء السودانى عبدالله حمدوك، لمدة يومين.
ووصل «حمدوك» القاهرة، الخميس، على رأس وفد سودانى رفيع المستوى يضم وزراء الخارجية والرى والزراعة والتجارة والتموين والاستثمار والتعاون الدولى والصحة والنقل والمالية، إلى جانب وزير شئون مجلس الوزراء، ورئيس المخابرات العامة السودانية.
ورأى خبراء وسياسيون سودانيون، فى حديث مع «الدستور»، أن هذه الزيارات تأتى فى وقت حاسم ومهم لكلا البلدين، لتوحيد مواقفهما إزاء العديد من القضايا الإقليمية والدولية.
وقال عثمان ميرغنى، الخبير السياسى السودانى، إن زيارة «حمدوك» القاهرة ولقاءه الرئيس عبدالفتاح السيسى، ونظيره رئيس الوزراء المصرى، الدكتور مصطفى مدبولى، تأتى فى وقت دقيق، وتمثل بداية جديدة فى علاقات البلدين.
وأضاف «ميرغنى»، لـ«الدستور»: «زيارة حمدوك مصر جاءت لتأكيد التعاون فى المحور الأمنى، المتعلق بالدفاع والتعاون العسكرى بين القاهرة والخرطوم، فى توقيت يحتاج فيه البلدان إلى تنسيق الجهود فى القضايا المرتبطة بالأمن القومى، فى ظل إعادة تموضع سياسى يشهده العالم بشكل عام والإقليم بشكل خاص».
وتابع: «هناك أمور مهمة تتعلق بمصر والسودان تحتاج إلى تنسيق، على رأسها ملف سد النهضة الإثيوبى، والتحديات التى يواجهها السودان، سواء ما يحدث فى شرق البلاد، أو الأوضاع التى نعيشها فى ظل حكومة انتقالية تحتاج إلى دعم من قبل المجتمع الدولى، ومصر سيكون لها ثقل قوى فى هذا الأمر بسبب صوتها لدى المنظمات الدولية».
وشدد على أن المخاطر المشتركة تجعل البلدين يتحدان سويًا، لأن الأمن القومى المصرى السودانى مرتبط ببعضه البعض، ما يتطلب تعاون الجانبين لتجنب المخاطر المحيطة، وكذلك مواجهة الإرهاب وتهريب الأسلحة والمخدرات والبشر.
وحول التعاون بشأن سد النهضة تحديدًا، قال إن السودان انسحب من المفاوضات عندما أدرك أنها دائرية ودون نتائج، بسبب تعويل أديس أبابا على فرض الأمر الواقع، وهو ما حذرت منه القاهرة والخرطوم.
وأضاف: «عرض السودان أن تكون هناك رباعية دولية تضم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة والاتحاد الإفريقى، لتلعب دور الوساطة وليس الرقابة فقط، ومصر دعمت هذا المقترح، لكن إثيوبيا رفضته كعادتها فى رفض أى مقترحات تقود للحل».
وأشار إلى أن وزير الرى فى بلاده أكد أن الخرطوم لديها كل الخيارات بعد رفض إثيوبيا المقترح، متابعًا: «من الواضح أن هناك الكثير من الأوراق التى يمكن أن يستخدمها السودان لزيادة الضغط على إثيوبيا وإقناعها بالتفاهم والجلوس إلى طاولة المفاوضات للوصول إلى اتفاق».
وعن الخلافات مع إثيوبيا بشأن منطقة «الفشقة» الحدودية، قال السياسى السودانى: «سودانية خالصة لا يجادل فيها أحد، والسودان استعاد أكثر من ٩٥٪ منها، ولن يتفاوض حولها، بل كل ما نريده هو تقليص مسافات العلامات الحدودية، لتكون بمسافة ١- ٢ كم وليس ١٠ كم، كما هو موجود الآن مع إثيوبيا، بما سمح بتغلغلها فى الأراضى السودانية»، محذرًا من أن هناك فى الأفق حشودًا إثيوبية عسكرية على الجانب السودانى، بما يكشف عن نوايا لاستغلال موسم الأمطار فى يونيو للعودة مجددًا إلى هذه الأراضى.
وتوقع «ميرغنى» أن يكون هناك المزيد من التنسيق فى المجالات الاقتصادية بين البلدين، خلال الفترة المقبلة، خاصة أن الوفد الذى رافق «حمدوك» به العديد من التخصصات التى تتطلب التنسيق مع النظراء فى القاهرة.
وأضاف: «هناك الكثير من المجالات والمصالح المشتركة بين البلدين، وأعتقد أن المجال الزراعى من أكثر المجالات التى يمكن أن نستفيد منها، فالسودان لديه المياه والأراضى الخصبة، ومصر تملك الخبرة والقدرة على جذب رأس المال المصرى والأجنبى للاستثمار فى هذا المجال، وهذا شبه جاهز، لأنه كانت هناك تجارب سابقة بين البلدين فى هذا الشأن، وهناك مجالات أخرى صناعية، فالسودان يمكن أن يكون سوقًا صناعية رائدة لمصر، لأن الخرطوم معبر مهم لباقى الدول الإفريقية».
وقال كمال كرار، الكاتب والسياسى السودانى، إن زيارة رئيس وزراء السودان مصر تأتى فى سياق العلاقة الخاصة بين القاهرة والخرطوم، وهى تكملة لما تم بحثه فى الزيارات السابقة بين الجانبين، فى ظل التحديات المشتركة، والرغبة فى توحيد مواقف شعبى وادى النيل تجاه مختلف القضايا الوطنية والإقليمية.
وأضاف «كرار»، لـ«الدستور»، أن زيارة «حمدوك» تناولت ملفات عديدة ومشتركة، أهمها الاقتصاد وسد النهضة الإثيوبى، خاصة مع اقتراب موعد الملء الثانى للسد الذى أعلنت عنه أديس أبابا دون اتفاق، كما توجد موضوعات أخرى قريبة من هذه الملفات، مثل الحرب فى إقليم «تيجراى» الإثيوبى، وموضوع «الفشقة»، وكل هذه الموضوعات تتطلب التنسيق بين القاهرة والخرطوم.
ورأى أن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين القاهرة والخرطوم دون الطموح، حيث يعانى الاقتصاد السودانى من الانهيار، لذا يأمل الشعب السودانى فى اهتمام مصرى أكبر كى يتجاوز الأزمة الاقتصادية.
وكشف «كرار» عن أن السودان ومصر يمكنهما إجبار إثيوبيا على القبول بوساطة «الرباعية الدولية»، لكن عبر ضغط دولى، وربما كان الأمر يحتاج لقرار من مجلس الأمن الدولى إذا اقتنع بتهديد السد للسلم العالمى، خاصة أن أديس أبابا تريد فرض الأمر الواقع على البلدين فيما يتعلق بملء السد.
وأضاف: «يمكن إحالة أمر سد النهضة برمته لمجلس الأمن، ولكن العالم الآن لا يعترف إلا بمنطق القوة، ولو تعذر الحل السلمى فالحرب قادمة فى اعتقادى».
وعن «الفشقة»، قال: «كانت أيام النظام البائد، بقيادة عمر البشير، ورقة مساومة بين الخرطوم وأديس أبابا، وهى منطقة زراعية غنية، وإثيوبيا لها مطامع فى تلك المنطقة، ومع الضغط الشعبى الداخلى تحرك الجيش السودانى لاستردادها من أيدى إثيوبيا».
واتفق أسامة أبوبكر، الباحث بمركز الخرطوم للدراسات السياسية والاستراتيجية، مع أن زيارة «حمدوك» القاهرة تكتسب أهمية كبيرة بالنسبة للبلدين، وتمثل بدء التطبيق العملى للعلاقات والمصالح بين الدولتين.
وقال «أبوبكر»، لـ«الدستور»: «حمدوك منذ توليه الحكومة رمى بكل ثقله لدفع العلاقات بين السودان ومصر إلى الأمام، وهو الأمر الذى ظهر خلال العامين السابقين، والآن يبدو أن هناك تفاهمات بين البلدين أعطت فرصة واسعة لتعميق العلاقات بطريقة تسير على نحو أكثر سرعة».
وأضاف أن الزيارة تهتم بثلاثة ملفات، أولها سد النهضة ووصول المفاوضات بين الدول الثلاث إلى نفق مسدود، مشددًا على أن أزمة المفاوضات حول سد النهضة جعلت من الضرورى لكل من مصر والسودان أن يجدا أرضًا صلبة ينطلق منها توافق لرؤى قوية.
وتابع: «أتوقع أن تشهد الزيارة لقاء وفد رفيع من كبار مسئولى ملف الرى السودانى للجلوس مع نظرائهم المصريين، لوضع سيناريو مناسب للتعامل مع إثيوبيا فى حال إصرارها على الملء الثانى».
ويتعلق الملف الثانى بالتعاون الأمنى بين البلدين، لوجود اتفاقيات عسكرية بين القاهرة والخرطوم، إحداها متعلقة بالدفاع المشترك، وفق «أبوبكر»، مضيفًا: «ربما يتم وضع سيناريوهات تفعيل لهذه الاتفاقية، حتى يتم التعاون الأمنى للتعامل مع ملف سد النهضة».
واختتم بأن الملف الثالث يتعلق بالاقتصاد، مبينًا أنه فى زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى السودان، تم توقيع مذكرات اقتصادية تتعلق بمنطقة اقتصادية مصرية فى السودان، ومحطات توصيل سكك حديدية تربط مصر بالسودان، وربما تكون الزيارة مكملة لتلك الاتفاقيات.