رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبد الله الصاوي: «ذاكرة الكاريكاتير» يهدف إلى استعادة الأسماء المنسية

جريدة الدستور

الحديث عن تاريخ الكاريكاتير الطويل الممتد في الغالب يحتاج الرجوع إلى المتخصصين في عالمه، لمحاولة استيعادة ذاكرة المصريين بما انتجه وقدمه الكاريكاتير في مصر بدء من معاركة التى لم تنتهى وصولا إلى أزماته.

وعن العتبة الأولى لدخول عالم الكاريكاتير، والتأريخ لعالمه وبداياته، أهم وأبرز القضايا التى ناقشها، يحدثنا الكاتب الباحث والمؤرخ عبد الله الصاوي، بدءا من توجيه أستاذه لدراسة فن الكاريكاتير دراسة أكاديمية، وصولا إلى تدشين مشروع ذاكرة الكاريكاتير.. إلى نص الحوار:

- ماذا عن حكايتك مع الكاريكاتير.. حدثنا عن البداية كيف جاءت؟
كانت البداية في عام 2010، بعد اجتيازي مرحلة تمهيدي الماجستير في التاريخ الحديث والمعاصر، بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية فرع دمنهور، وكأي طالب يبدأ في تلمس مستقبله بدأت البحث عن موضوع أتخصص فيه في مرحلة الماجستير، وكانت المفاجأة غير السارة لي من حياتي الأكاديمية أنه كلما قمت بإعداد خُطة موضوع للدراسة يتبين لي أنه تم دراسته بصورة أو بأخرى من قبل في إحدى الجامعات المصرية، وهنا وبحكم خبرته اقترح عليَّ أستاذي الدكتور: محمد رفعت الإمام مجموعة من الموضوعات غير التقليدية كان من بينها الكاريكاتير؛ الذي كان وقعه غريبًا على أذني حين سمعته، إلا أنه لاقى في نفسي رغبة في طرق هذا المجال الغريب والشيق في آن واحد، وبالفعل، وبعد عدة محاولات وتعديلات تم تسجيل موضوع: "الكاريكاتور والحركة السياسية في الفترة 1922 – 1952 دراسة تاريخية"، باسمي كعنوان لدراسة الماجستير في قسم التاريخ.

كيف جاءت فكرة مشروع ذاكرة الكاريكاتير ؟
شاهدت الرسوم الكاريكاتورية الموجودة بالعديد من الدوريات والصحف والمجلات، وأدركت على الفور أنها وثائق منسية يمكن من خلالها إعادة كتابة تاريخنا المعاصر من زاوية جديدة. وقد عزز تلك الفكرة ما وقفت عليه من تردي حالة كثير من الدوريات التي اطلعت عليها، ناهيك عن سوء طريقة حفظها، وتراجع مستوى ترميمها أو انعدامه، فشغلني مصير هذه الدوريات بما تحويه من رسوم في حالة حدوث حريق أو أي كارثة أخرى؟، فكانت فكرة المسح الرقمي لهذه الدوريات بغرض الحفاظ على نسخة ديجيتال تكون بمثابة "ذاكرة للكاريكاتير"، مما سيسهل مهمة الباحثين في البحث والاطلاع والتصوير.
وبمجرد أن اختمرت تلك الفكرة، وتم تدبير أدواتها من كاميرا ديجيتال حديثة ولاب توب وعدة هاردات للحفظ، أصبحت أذهب يوميا إلى دار الكتب قبيل التاسعة صباحًا حتى الرابعة عصرًا، وبعدها أتوجه لعملي المؤقت. وعلى الرغم من هذه الصعوبات التي لم أكن أئن منها، إلا ان هناك المشكلات والتعقيدات والبيروقراطية، وغيرها من المعوقات واجهتني بالدار، حتى أنه تم إبلاغي بشكل مفاجئ بإلغاء تصريح التصوير الممنوح لي، فانتابني الإحباط، وسيطر اليأس عليَّ لفترة، إلى أن أُنقذني الفنان الكبير طوغان، وانتشلني من حالة الضياع التي كنت أهيم فيها.
وعن طريق الفنان الكبير طوغان حصلت على التصريح من جديد للتصوير بدار الكتب؛ حيث كنت قد قدمت طلبًا للفنان الكبير بصفته رئيسًا لمجلس إدارة الجمعية المصرية للكاريكاتير، وقد لاقت الفكرة نجاحا كبيرًا، لدرجة أنه هو من تولى بنفسه كتابة خطاب لوزير الثقافة آنذاك: الدكتور محمد صابر عرب، موضحًا له أهمية المشروع.

وماذا عن دور وأهمية مشروع ذاكرة الكاريكاتير؟
هذا المشروع وغيره سيلعب دورًا في إعادة اكتشاف أعمال أسماء أسست لفن الكاريكاتير ولعبت أدوارًا فى تطوره ونضجة نبدأها الآن - في هذا الكتاب - بالفنان الأشهر صاروخان، لكن لدينا كذلك مشاريع لأعمال فنَّانين آخرين أمثال: جوان سِنتيس، وعلي رفقي، ومحمد عبدالمنعم رخا، وغيرهم الكثير، مما سيمكننا - بالإضافة للحفاظ على هذا التراث والفن - من إعادة قراءة تاريخ مصر السياسي والاقتصادي والاجتماعي من خلال إخضاع تلك الرسمات الكاريكاتيرية وما حوتها من شخصيات كالمصرى أفندى وابن البلد ورفيعة هانم وثري الحرب وغيرها إلى منهج علمي متكامل نعيد من خلاله مناقشة التاريخ المصري، من خلال الكاريكاتير كأداة ابستمولوجية "معرفية" لقراءة سيسوتاريخية، تعكس ديناميكا الواقع المصري منذ أواخر القرن التاسع عشر وصولًا إلى ثورة 23 يوليو 1952، فمنها سنتمكن من استقراء الخريطة الطبقية والتوازنات الاجتماعية للبنية الاجتماعية، التى عكستها الرسوم الكاريكاتيرية.

هل هناك أعمال أثارت أزمة؟.. وماهي أشهر رسومات الكاريكاتير التي وضعت رساميها في أزمة؟
الكاريكاتير فن مثير للأزمات حتى من قبل وجوده في عالم الصحافة، فالخديو إسماعيل لم يتحمل نقد يعقوب صنوع اللاذع له بالكلام وتم نفيه إلى فرنسا، وعندما أدخل صنوع الكاريكاتير لأول مرة في صحفه في 7 أغسطس عام 1878، ووصل أصداء تلك الرسوم إلى الخديو إسماعيل استشاط وهاج وماج، ومن هنا فقد ولد الكاريكاتير من رحم الأزمات. ولا أحد ينسى معارك روزاليوسف والتابعي وصاروخان مع حكومات محمد محمود وإسماعيل صدقي بسبب نقدهم اللاذع لتلك الحكومات بالكاريكاتير. هذا إلى جانب دخول عدد من الرسامين غيابات السجون بسبب مواقفهم السياسية ورسومهم وعلى رأس هؤلاء الفنان: رخا، الذي تم الزج به في السجن بتهمة مطاطية وهي العيب في الذات الملكية عام 1933، وكذلك الفنان: زهدي العدوي، الذي قضى هو الآخر فترة في سجن الواحات في فترة ستينيات القرن الماضي.

ماذا عن أشهر وأبرز معارك الكاريكاتير التي يمكن الإشارة إليها؟
أشرس المعارك التي قادها رسامي الكاريكاتير المصريين والأجانب على حدٍ سواء، كانت في فترة عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، ضد الاحتلال الإنجليزي، وبلغت تلك المعارك ذروتها عقب ثورة 1919، وبخاصة بعد إلغاء دستور 1923. وكان للكاريكاتير حضور في كافة المواقف السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى الدينية، حيث لعب الكاريكاتير دورًا بارزًا في أزمة كتاب الأدب الجاهلي لطه حسين، وأزمة كتاب: الإسلام وأصول الحكم للشيخ علي عبدالرازق وغيرها الكثير.

أشرت إلى أن فن الكاريكاتير يعيش أزمة.. كيف؟
أزمة الكاريكاتير الآن هي أزمة معقدة، فقديمًا كانت مكانة رسام الكاريكاتير مهمة وضرورية، ويكفي للتدليل على ذلك أن أقول لك أن إحسان عبدالقدوس ومن قبله والدته روزاليوسف وقعا في ورطة بعد أن ترك صاروخان المجلة ليعمل في آخر ساعة مع التابعي، ثم ترك رخا أيضًا المجلة ليعمل مع مصطفى وعلى أمين في أخبار اليوم. كما أن رسام الكاريكاتير في تلك الفترة نجم الصحف والمجلات يتحدث الجميع عن رسومه وبورتريهاته، لدرجة أن عدد كبير من الفنانين التشكيليين والنحاتين رسمموا الكاريكاتير لما كان يتمتع به رسام الكاريكاتير من مكانة منهم على سبيل المثال لا الحصر: محمود مختار، محمد حسن، أحمد صبري، سيف وانلي.

ترى لماذا إلى الآن لا توجد أسماء بارزة في مشهد الكاريكاتير من الفنانات؟
ظل الكاريكاتير لفترة طويلة حكرًا على الرجال، وأكتفى وقتئذٍ العنصر النسائي بالرسوم التوضيحية، وذلك نظرًا لخطورة ما قد يترتب على ما ينشره الرسام، فرسام الكاريكاتير يتعرض للكثير من المضايقات بسبب رسومه، وقد تصل تلك المضايقات لحد السجن والأمثلة على ذلك كثيرة. ومن هنا فضل العنصر النسائي الابتعاد عن تلك المهنة المتعبة. أما الآن فلدينا مجموعة متميزة من الفنانات منهم من استطاعت أن تصل إلى مكانة متقدمة ومنهم من تحاول.
وازهار الكاريكاتير المصري في الوقت الراهن وخروجه من المحنة التي يمر بها، متوقف على فتح الباب أمام رسامي الكاريكاتير المصريين من الجنسين للرسم بحرية على غرار ما نشاهدة من رسوم في الصحافة الغربية، مع التأكيد على احترام قيم وعادات المجتمع وأمنه الداخلي والخارجي، ورفع الخطوط الحمراء التي يفرضها البعض على رسامي الكاريكاتير، فالكاريكاتير في مجملة فن يهدف إلى البناء لا الهدم.