رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خالد الطوخى يكتب: إدمان الصغار خطر يهدد المجتمع بالكامل.. والمواجهة مسئولية الجميع

خالد الطوخى
خالد الطوخى

سيظل الإدمان يمثل الخطر الأكبر على تماسك المجتمعات وترابط الجميع، خاصة حينما ينتشر هذا الإدمان بين فئة الشباب، وعلى وجه الخصوص تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات، وهنا تكمن أهمية وخطورة تلك التصريحات التى أدلى بها الدكتور عمرو عثمان، مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى، مؤخرًا فى مداخلة تليفزيونية له، قال فيها إن هناك ٧٪ من طلاب المدارس الثانوية يتعاطون المواد المخدرة، لافتًا إلى أن نسبة التعاطى بين طلاب التعليم الفنى تزداد لتصل إلى ٨.٥٪، ليس هذا وحسب، بل إنه أشار أيضًا إلى أن هناك ١٨٠٠ طفل طلبوا العلاج من إدمان المخدرات، وأن هناك ٩٠ ألف مريض بالإدمان على مستوى الجمهورية طلبوا العلاج هذا العام.

تلك التصريحات، وإن كانت تبدو للبعض أمرًا عاديًا، خاصة أن الإدمان آفة تهدد جميع المجتمعات فى كل أنحاء العالم، إلا أنها فى نفس الوقت تبرز مسألة مهمة يجب أن نتوقف أمامها طويلًا، وهى ضرورة البحث عن أسباب هذا الوباء والبحث أيضًا عن إيجاد حل عاجل وعملى لتلك المشكلة. فقد لفتت هذه التصريحات الانتباه إلى أن المشكلة الأخطر على المجتمع تكمن فى عدم علم الآباء وأولياء الأمور بموضوع إدمان أطفالهم المخدرات، والمصيبة الأكبر أن سن التدخين قد تدنت مؤخرًا لأقل من ٩ سنوات، فى حين أن ١٢٪ من طلاب الثانوى فى مصر يدخنون.
أعتقد أن تلك التصريحات الصادمة لمدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى تدعو للشعور بالانزعاج، فالإدمان حينما يتمحور فى تلك الفئة من الشباب والصغار فإنه بذلك يصبح مثل السوس الذى ينخر فى مفاصل المجتمع ككل، لأن هؤلاء الصغار بكل تأكيد سوف يصبحون بعد سنوات قليلة هم الذين يمثلون الشريحة العمرية الأكبر، وبالتالى فإنهم فى القريب العاجل سوف يمثلون كل المجتمع، وهنا تصبح مواجهة الإدمان والتصدى له مسألة ضرورية للغاية طالما لدينا حرص وإصرار وعزيمة قوية تستهدف فى المقام الأول حماية النشء من هذا الوباء.
ولكن قبل الدخول فى مرحلة مواجهة تلك الآفة الخطيرة، يجب علينا أولًا أن ندرك معنى الإدمان وكيف يتحول إلى هذا الحد من الخطر الفادح على المجتمع. فالإدمان كما يعرّفه المختصون والخبراء هو عبارة عن حاجة جسمية أو نفسية، أو الاثنين معًا، لمادة ما بحيث يشعر المدمن برغبة قهرية بتناول تلك المادة، كما أنه يضطر أن يزيد الجرعة المتناولة بين فترة وأخرى حتى تؤدى هذه المادة الغرض المطلوب، ودون هذه المادة نجد أن المدمن يعانى آلامًا جسدية ونفسية، خاصة إذا حاول الامتناع أو الإقلاع عن تناول هذه المادة المخدرة بشكل مفاجئ، ودون أن يتم ذلك وفق جدول زمنى محدد وتحت إشراف طبى، خاصة أن الأطباء يتعاملون مع الإدمان باعتبار أنه يمثل حالة تسمم دورية أو مزمنة ناتجة عن الاستخدام المتكرر لمادة مخدرة معينة، وذلك من خلال عدة أعراض، منها رغبة أو حاجة قهرية تدفع الشخص إلى الاستمرار فى تعاطى المخدرات والحصول عليها بأى وسيلة، وميل إلى زيادة الجرعة المتعاطاة من المخدر، واعتماد جسدى بوجه عام، ونفسى بشكل خاص، على آثار المخدر، إلى جانب تأثير ضار بالفرد والمجتمع.
وتشير الدراسات والأبحاث العلمية إلى أن استعمال لفظ الإدمان قد بدأ فى عام ١٩٣١، وذلك مع إطلاق التعريف العام للإدمان باعتباره حالة من التسمم الدورى أو المزمن يتلف الفرد والمجتمع معًا، وذلك انطلاقًا من أن الإدمان على المخدرات هو مرض وبائى سريع الانتشار، وهو عادة سيئة تنتشر بين الشباب بشكل كبير وتؤثر سلبيًا عليهم من جميع الجوانب النفسية والجسدية والاجتماعية، فتنهار حياتهم من كل النواحى، ويكفى أن تعرف أن نسبة ومعدل الوفيات نتيجة الإدمان ترتفع بشكل كبير يومًا بعد الآخر.
واللافت للنظر أن الدراسات الحديثة فى هذا الصدد تشير إلى أن الإدمان على تعاطى المخدرات له آثار سلبية وأضرار جسيمة، منها التأثير على الجهاز العصبى، حيث يقوم الإدمان بتشويش الإرسال العصبى والتأثير عليه، حيث تقوم المخدرات بدور وسائط كيماوية، فتشغل الجهاز العصبى أكثر مما يجب، كما أن فيها ما يعطل دور الجهاز العصبى ويؤدى إلى شلله، وبالتالى فإنها تعطل التوازن والوضع الطبيعى داخل الجسم، كما تقوم المخدرات بالنفاذ إلى الخلايا فتشوش على وظيفتها وتضعف قدرتها وطاقتها وتوالدها، مما ينتج عنه عاهات فى النسل، كأن يولد ولد المدمن غير طبيعى أو مشوهًا.
وفى السياق نفسه، فقد ثبت علميًا أن العديد من الأمراض مرتبط بتعاطى المخدرات، منها سرطان البلعوم والحنجرة والفم والمرىء وكذلك السل والجلطة، الأمر الذى يتطلب ضرورة التصدى لهذا الخطر الذى يهدد المجتمع بالكامل، انطلاقًا من حقيقة تشير إلى أن إدمان المخدرات من المشاكل الكبرى التى يقع فيها الشباب، وهو ما يستدعى أن نبعدهم عن العوامل التى تسبب ذلك.. وهنا تتجلى بوضوح الوسائل والأساليب التى تسهم بشكل كبير فى كيفية القضاء على الإدمان أو حتى تقليل خطر الاتجاه للإدمان لدى الشباب، وتمنحه الثقة بنفسه، وقد تم تحديد هذه الأساليب فى القيام بزيادة الحب والاهتمام والرعاية داخل الأسرة، بحيث يسود الأسرة جو ملىء بالمشاعر التى تخلق مناخًا صحيًا يسهم بشكل كبير فى تشكل وعى الأطفال والشباب، وتمنحهم القدرة على الابتعاد عن تعاطى المخدرات، وذلك لن يتأتى دون الحديث معهم وسماعهم طوال الوقت والتعامل معهم على أنهم أصدقاء وليسوا مجرد أبناء، ويتجلى ذلك بوضوح فى مشاركتهم اهتماماتهم وتقليل الاختلاف معهم بشتى الطرق وبمختلف الوسائل والأساليب العلمية الحديثة.
وبالطبع فإن هناك عاملًا مهمًا أيضًا فى تحقيق هذا المناخ الصحى المنشود، يتمثل فى عدم التقليل من آراء الصغار والشباب، ومنحهم فرص المشاركة فى القرارات الخاصة بهم، وتقديم النصائح لهم على أنها مجرد مقترحات من أجل مصلحتهم، مع التركيز على مميزات ما يقومون به من تصرفات وأفعال وأنشطة مختلفة ومتنوعة، ونشجعهم على ذلك بأن تتم مكافأتهم عليها والإشادة بها، مما يسهم بشكل لافت للنظر فى تعزيز قدرتهم على اتخاذ القرار الخاص بهم، بحيث لا نتسرع فى الحكم على هذه القرارات، وفى نفس الوقت تتم مناقشتهم فى بعض المفاهيم، خاصة حينما تكون هذه المفاهيم مغلوطة وغير دقيقة.. وقبل هذا وذاك، فإنه على الأسرة ضرورة السعى لأن تكون قدوة حسنة لهم والبعد عن الاختلاف والقيام بأى تصرفات سيئة أو توجيه الإهانة لهم أو حتى أمامهم.
وبنظرة متأنية لتلك التصريحات الإعلامية التى أدلى بها مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى، فإننا نكون أمام حقيقة مهمة تتعلق بأضرار المخدرات على المجتمع، فالضرر الذى يقع على الشخص المدمن يتسع شيئًا فشيئًا ليشمل المجتمع بأسره، لذا فإن المجتمع الذى ينتشر فيه إدمان المخدرات يصاب بحالة من الشلل، حيث يواجه عدة مشاكل، منها فساد الأخلاق وإهدار طاقات الشباب والتأخر العلمى والثقافى، وزيادة نسبة العنف والجريمة، ويصاحب ذلك أيضًا تدهور فى الاقتصاد مع انخفاض مستوى المعيشة.
بينما نجد أساليب ووسائل المواجهة والتصدى للإدمان قد حددها الخبراء والباحثون فى عدة نقاط، أهمها وأبرزها على الإطلاق زيادة الجانب الروحانى والتفكير فى عواقب الإدمان وتحديد الأهداف، ووضع روتين يومى وممارسة الرياضة، واتباع نظام غذائى صحى والابتعاد عن الأصدقاء الذين يدفعون الشاب للإدمان، وشغل أوقات فراغهم بأشياء مفيدة ونافعة، مثل القراءة وبعض الهوايات الجديدة التى تلائم طبيعة شخصيتهم وميولهم.
خلاصة القول، إننا أمام تصريحات مهمة تتعلق بنسبة الإدمان بين التلاميذ وطلاب الجامعات تدق ناقوس الخطر، وتتطلب أن يضطلع الجميع بالدور المنوط بهم لمواجهة هذا الخطر الذى يهدد المجتمع بالكامل، مما يتطلب أن تكون مواجهته مسئولية الجميع أيضًا.