رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحق ما شهدت به مؤسسات المال العالمية


لم تصبح مصر القوة العسكرية الأولى فى الشرق الأوسط وحسب، ولم تسبق تركيا فقط فى الترتيب العالمى للجيوش، وهو ما جعل أنقرة تعيد حساباتها ألف مرة، قبل أن تفكر فى احتمالية مواجهة عسكرية مع القاهرة، فوق الأراضى الليبية، إذا ما تجرأت قياداتها على تجاوز الخط الأحمر، الذى رسمه الرئيس عبدالفتاح السيسى، بين سرت والجفرة الليبيتين، ودفعها إلى محاولة جر حبال الود مع القيادة السياسية المصرية.
بل إن القاهرة علت اقتصاديًا، بتسجيل اقتصادها تفوقًا على نظيره التركى بشهادة المؤسسة الأمريكية «جولدمان ساكس» المتخصصة فى شئون المال والاقتصاد عالميًا، فى وقت صدقت فيه تحذيرات «وكالة بلومبيرج»، حين قالت فى تقرير حديث لها، إن اقتصاد تركيا سيواجه أزمات جديدة، وإن احتياطى النقد الأجنبى أصبح عرضة للنفاد فى ظل التداعيات والمخاطر العنيفة المصاحبة لجائحة فيروس كورونا، التى نالت كثيرًا من عملة تركيا، التى تعد الأسوأ بين عملات الأسواق الناشئة خلال العام الحالى، ولم يعد لدى أردوغان ولا حكومته خريطة طريق ولا رؤية استراتيجية، ولا عقل مؤسسى، ولذلك نراه يُطلق شعارات فارغة لا تُسمن ولا تُغنى من جوع، كعادته كلما وقع فى أزمة واحتاج إلى التلاعب بعقول الناس من خلال خطابات وطنية أو دينية.
أكدت «جولدمان ساكس»، فى أحدث تقرير لها قبل نحو أسبوعين، أن اقتصاد مصر لا يزال قويًا راسخًا وينمو بشكل حقيقى، يجعلها الأقوى بين الأسواق الناشئة، وأن تركيا لم تعد تنافس مصر فى هذه الأسواق بعد الآن، بسبب تدهور أوضاعها بشكل يحول دون إقبال المستثمرين الأجانب عليها، مؤكدة أن مصر هى الأفضل بين أقرانها من حيث العائدات الحقيقية.. فمن وجهة نظر هذه المؤسسة، فإن اقتصاد مصر لا يزال ينمو بشكل حقيقى يجعلها الأقوى، وقد حققت نجاحًا مثيرًا للإعجاب فى برنامجها الاقتصادى الذى تنفذه منذ ٢٠١٦، مما أدى إلى الاستجابة السريعة من قبل صندوق النقد الدولى بالموافقة على اتفاق أداء التمويل السريع وبرنامج الاستعداد الائتمانى مع الحكومة المصرية، مشيرة إلى أن وباء كورونا أصاب مصر مثل جميع البلدان الأخرى، إلا أن الإغلاق غير الكامل، بالإضافة إلى الجهود الكبيرة التى بذلتها السلطات، ساعدت على حماية البلاد من إلحاق ضرر أكبر بالاقتصاد، وتوقعت انتعاش القطاع السياحى فى مصر فى الربع الثالث من العام المقبل، بعدما تأثر سلبًا بتداعيات كورونا، حيث تشكل السياحة ٢٠٪ من إجمالى النشاط الاقتصادى.. وعلى الرغم من أن السوق المصرية شهدت خروج استثمارات بلغت نحو ٢٠ مليار دولار فى الفترة من مارس حتى يونيو الماضى، فإن «جولدمان ساكس» ترى أن نصفها تقريبًا، أى ما يعادل ١٠ مليارات دولار، عادت مرة أخرى فى الأشهر الأخيرة.
وأكدت المؤسسة الأمريكية أنها لا تزال ترى أن الجنيه المصرى سيظل قويًا مع اتجاه تصاعدى، فى ظل التوقعات بتوالى التدفقات الداخلة إلى البلاد، مؤكدة أن ارتفاعه لن يشكل أى مخاطر كبيرة على القدرة التنافسية للصادرات، وموصية فى الوقت نفسه بضرورة تشجيع القطاع الخاص على زيادة الاستثمار فى مجالات البحث والتطوير وبناء القدرات، إذ إن معدل سعر الفائدة الحقيقية فى البنوك المصرية، والعائد من أدوات الدين يُعد من بين المعدلات الأكثر جاذبية على مستوى العالم، مقارنة بالمعدلات التى تقدمها الدول المثيلة، مما يعزز شهية المستثمرين الأجانب والتوقعات بشأن التدفقات الأجنبية.
قبل أسبوعين من تقرير «جولدمان ساكس»، أبقت مؤسسة «موديز» على التصنيف الائتمانى لمصر كما هو عند مستوى B٢، مع نظرة مستقبلية مستقرة للاقتصاد.. ووفقًا لتقريرها، احتلت مصر المرتبة الثالثة بين الاقتصادات الناشئة عندما أشادت بقدرة هذا الاقتصاد على الصمود وتبنى سياسات اقتصادية ومالية ناجحة بدأت ببرنامج جاد للإصلاح.. إن مثل هذه الشهادات، من مؤسسات مالية عالمية، بحق الاقتصاد المصرى، يؤكد نجاح مصر فى إدارة المالية العامة للدولة بكفاءة عالية خلال أزمة كورونا، فى ظل استمرار الحكومة فى تنفيذ حزمة متكاملة من الإصلاحات الهيكلية لتعزيز بنية الاقتصاد الكلى، وتعكس مضمون هذه التقارير، أيضًا، قوة الأداء المؤسسى والحوكمة، وقدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها الخارجية، خاصة فى ظل نجاح الحكومة فى تنويع مصادر تمويل عجز الموازنة العامة للدولة، وإطالة عمر محفظة الدين وخفض الأعباء التمويلية.
وما زالت مصر فى طريقها للإصلاح الاقتصادى، رغم حجم التحديات.. وهنا، يأتى تدشين منتدى غاز المتوسط بشكل رسمى، ليُصبح منظمة دولية حكومية، ضربة قاصمة، وخطًا أحمر جديدًا لتركيا فى البحر المتوسط، والذى به، تصبح مصر مركزًا إقليميًا لتداول الغاز، ونقلة نوعية لها فى مسارين.. الأول، هو تأمين احتياجاتها من الغاز، إذ إن وفرة الغاز فى أى دولة سبب رئيس لتحقيق نهضتها الصناعية، والثانى دعم الدولة فى خططها لتوطين الصناعة المحلية.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.