رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يوليو وقوانا الناعمة



قد تختلف الرؤى التقييمية لأطروحات وأفكار وبرامج وإنجازات ثورة يوليو ١٩٥٢، لكن من المؤكد أن هناك اتفاقًا مؤكدًا على الإنجاز الثقافى لتلك الثورة بكل أشكاله الإبداعية، وتأكيدها مفهوم نشر الوعى الثقافى، والعدالة الثقافية بين جموع الجماهير المصرية.
فمن حسن الطالع والاختيار، تكليف أحد ثوار يوليو الدكتور ثروت عكاشة بحقيبة وزارة الثقافة، لتبلغ القوة الناعمة المصرية مرتبة ودرجة عالية الأثر والتأثير فى الوجدان المصرى.. ازدهار حقيقى لكل إبداعات العمل الثقافى والفنى.. مسرح وسينما وإصدارات ثقافية ومؤسسات أكاديمية فنية وتليفزيون، يشكل وجودها جميعًا أساسًا رائعًا لإحداث تنمية ثقافية حقيقية.
ونحن نعيش أجواء ذكرى الثورة أراها مناسبة لاستدعاء ذكرى «الضمير الثقافى» لهذه الثورة، كما تحققت فى إنجازات ومآثر وإبداعات الراحل العظيم الدكتور ثروت عكاشة الثقافية الخالدة، كوزير تنفيذى ومفكر وصاحب رؤية سياسية وتنويرية، وكأبرز وزير ثقافة فى الحقبة الناصرية، بدعم ومساندة جمال عبدالناصر قائد الثورة ورئيس الدولة، فكان مشروع إنقاذ آثار النوبة، ومعابد أبوسمبل وفيلة من الغرق، أثناء تنفيذ مشروع السد العالى، وأن يقيم صرحًا عملاقًا مثل أكاديمية الفنون بمعاهد الباليه والكونسرفتوار والسينما والفنون المسرحية، وينشر قصور الثقافة لتقديم خدمة ثقافية لن ينساها التاريخ لجماهير شعبنا فى كل مكان.
وكانت من إنجازاته إقامة قاعة سيد درويش للاستماع الموسيقى، وإعادة تكوين أوركسترا القاهرة السيمفونى وفريق أوبرا القاهرة، فضلًا عن عروض الصوت والضوء بالأهرام والقلعة ومعبد الكرنك.
وكان من أهم إنجازات ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ إنشاء أكاديمية الفنون عام ١٩٦٩، وهى أول جامعة لتعليم الفنون ذات طبيعة منفردة فى الوطن العربى، وهذه الأعوام تعنى الكثير بمقياس العطاء والإسهام الحقيقى فى البناء الحضارى.. ولأهمية الفنون كأحد مقومات الحضارة أَولت الدولة لها كل رعاية وعناية وتشجيع، لذا أنشأت عددًا من المعاهد العليا للفنون، كان أولها معهد الفنون المسرحية عام ١٩٣٥ ثم توالى إنشاء معاهد أخرى، وبعد فترة من إنشاء هذه المعاهد تكشفت الحاجة إلى ضرورة وجود هيئة تنظمها جميعًا، وتنسق فيما بينها، وتساعدها على أداء وظيفتها ومباشرة أعمالها.
يذكر الملحن «الموجى الصغير» أنه بعد قيام الثورة كان معظم فنانينا يتحسسون هذه الثورة من على بُعد خوفًا من أن يعود الملك من جديد، وقد قيل وقتها ممكن أن تكون انقلابًا وليست ثورة، لذلك لم ينفعل معظم فنانينا بالثورة، فكانوا يقدمون أغنياتهم على استحياء وبشكل هادئ تخوفًا من عودة الملك من جديد.
وعندما تأكد معظم فنانينا ومبدعينا من نجاح الثورة بدأوا فى التعبير عنها، وكانت أولى أغنياتها ثلاثًا، الأولى: أغنية «بالاتحاد والنظام والعمل» كلمات الشاعر الكبير جليل البندارى وألحان الموسيقار منير مراد، غناء المطربة الكبيرة ليلى مراد، والأغنية الثانية: كانت «ع الدوار راديو بلدنا فيه أخبار» للمطرب الكبير محمد قنديل كلمات الشاعر حسين طنطاوى، ألحان الموسيقار أحمد صدقى، والأغنية الثالثة: «ما خلاص اتعدلت والحالة اتبدلت» غناء المطرب أحمد عبدالله، كلمات مصطفى السيد، ألحان الموسيقار عزت الجاهلى، والأغانى الثلاث أنتجت عام ١٩٥٢ وبعدها بشهر قدمت المطربة الكبيرة ليلى مراد نشيد «الحرية أو التحرير» كلمات وألحان الموسيقار مدحت عاصم.
وفى العام نفسه طلب من الموسيقار محمد عبدالوهاب أن يعيد تسجيل «نشيد الحرية» الذى منع من الإذاعة وقتها لتغيير بعض الكلمات، وقد قام الشاعر الكبير كامل الشناوى بتغيير كلمات مقطع «أنت فى صمتك مرغم أنت فى صبرك مكره» وتغيرت كلمة أنت إلى كلمة كنت، فأصبحت «كنت فى صمتك مرغمًا وكنت فى صبرك مكرهًا»، وهكذا أذيعت الأغنية وتعتبر من أوائل أغانى ثورة يوليو عام ١٩٥٢.
ورغم أن العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ كان فى بداية طريقه الفنى، ولكنه شارك فى الغناء لها، وقدم مجموعة من الأغانى عام ١٩٥٢ منها «شعار العهد الجديد» مع عصمت عبدالعليم، كلمات الشاعر محمود عبدالحى، وألحان الموسيقار عبدالحميد توفيق زكى، وقدم أيضًا أغنية «وفاء» من كلمات الشاعر محمد حلاوة وألحان الموسيقار الكبير محمد الموجى، وكانت هذه الأغنية تسمى «رايتى الخضراء» قبل أن يتغير علم مصر إلى الأحمر والأبيض والأسود.
فى عام ١٩٥٤ وعندما بدأت معالم ثورة يوليو تتضح بشكل كبير، تحرك معظم فنانينا للتعبير عن فرحتهم بنجاح ثورة يوليو، وأصبحت مصر هى الجمهورية العربية المتحدة بعد أن كانت المملكة المصرية، وتأكد عدم رجوع الملك، فتبارى كل فنانى مصر وأدبائها ومبدعيها فى التعبير عنها فى جميع المجالات الفنية والثقافية، فى تقديم أجمل ما لديهم من إبداع... وقد قامت سيدة الغناء العربى السيدة أم كلثوم بتقديم أغنية رائعة وهى «يا جمال يا مثال الوطنية» عام ١٩٥٤، كلمات الشاعر الكبير بيرم التونسى وألحان الموسيقار الكبير رياض السنباطى.
كل عام ومصرنا العظيمة وشعبنا الرائع بخير، لقد حاولت فى تلك السطور الاقتراب من إنجازات يوليو الرائعة والتعريف بروعة قوانا الناعمة وتفردها الوطنى والجمالى عبر التاريخ.