رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«يحلمون بحياة كالحياة».. لبنانيون يقايضون مقتنياتهم مقابل الخبز

يحلمون بحياة كالحياة
يحلمون بحياة كالحياة

بلغت الأزمة الاقتصادية في لبنان مداها، منعكسة بشكل أساسي على المواطن، فعقب ما أثارته الصور المجمعة للمبردات الفارغة من الطعام التي نشرها المواطنون ونقلتها وكالة الأنباء الفرنسية، من تعاطف مع ما تمر به لبنان، واعتبارها دلالة على الأوضاع المعيشية الصعبة التي يواجهها اللبنانيون إثر الأزمة الاقتصادية الطاحنة، وجاءت ظاهرة أخرى تكشف أوجاع "باريس الشرق" من خلال اللجوء للمقايضة لتأمين لقمة العيش.

تأمين الطعام والدواء أصبح صعب المنال لأكثر من نصف الشعب اللبناني، حتى أجبرهم على عرض أغراضهم للبيع أو للمقايضة مقابل الحصول على المواد الغذائية التي ارتفعت أسعارها بين 60 و100%، والتي اختفت أنواع كثيرة منها من السوق.

ظهرت صفحات كثيرة على وسائل التواصل الاجتماعي يعرض خلالها المواطنون أغراضهم للبيع من المفروشات والأدوات الكهربائية وحتى الألبسة والأحذية، فيما دشن البعض الآخر مجموعات للمقايضة، للأشخاص الذين لا يملكون المال لتأمين حاجتهم.


• مقايضة الحياة بأخرى

وعلى المجموعة المنشأة حديثا على "فيسبوك" تحت عنوان "لبنان يقايض" اختار المواطنون مقايضة أشياء لا يمكن استغناء عنها من أجل الحصول على كسرة خبز، أو جرعة حليب أطفال، وهو الأمر الذي هز كيان المتابعون للمجموعة.

وفي لقاء مع وكالة الأنباء الفرنسية، تقول فتاة من مدينة طرابلس لوكالة الصحافة الفرنسية: "لم أطلب يومًا شيئًا من أحد، وجدت أن المقايضة أفضل، سأكون مرتاحة أكثر لو عرضت شيئًا لا أحتاجه مقابل ما أحتاج فعلًا.. إنها أفضل من الطلب من غير مقابل".

حتى الأمس القريب، كانت العائلة تعيش في وضع «جيد». تؤمن قوتها اليومي من دخل زينب في التزيين النسائي وراتب زوجها الموظف في شركة. لكن الحال انقلبت رأسًا على عقب. فالشركة أقفلت أبوابها وسرحت موظفيها وزينب توقفت عن العمل مع تفشي فيروس كورونا المستجد، وفقا للوكالة.

من دون سابق إنذار، وجدت العائلة الصغيرة نفسها في وضع لم تعتده، تزامن مع غلاء غير مسبوق. فارتفع سعر كيس الحفاضات الذي اعتادت زينب شرائه إلى 23 ألفًا بدلًا من عشرة آلاف، وارتفع سعر علبة الحليب من 28 إلى 48 ألفًا، مما اضطر زينب إلى مقايضة ملابس طفلتها في مقابل عبوات حليب الأطفال.
• "لبنان يقايض" لعدم إذلال المواطن

في هذا السياق يبدأ الدكتور إنيمار شعبان، أدمن مجموعة "لبنان يقايض"، حديثه قائلًا: "من المتعارف عليه أن الشعب اللبناني يحب الحياة، ولا يهتم بتجميع الثروات بقدر ما يهمه عيش اللحظات السعيدة ومشاركة الآخرين في سعادتهم، حتى جاءت الأزمة الاقتصادية وغيرت الموازين وخلطت الأوراق بالمجتمع اللبناني"، لافتًا إلى أن الأشخاص الذين كانوا يحسبون على الطبقة المتوسطة أصبحوا دون خط الفقر، في سابقة هي الأولى من نوعها في البلاد.

وتابع شعبان لـ"الدستور": "يعني الفروقات والتمييز بين طبقات الشعب اللبناني لم تعد موجودة، لأن أصحاب الملايين يعتبرون حاليا يملكون فقط أرقاما مكتوبة على دفتر التوفير بالبنك ولكنهم غير قادرين على سحبها، ومن هنا جاءت فكرة تدشين (لبنان يقايض)".

وعن الفكرة وكيفية تنفيذها والتي لاقت ترحيبا كبيرا ووصل عدد المجموعة خلال أيام قليلة إلى 13 ألف متابع، يقول: "من لديه أدوات كهربائية أو ملابس أو غيرها وليس في حاجة إليها يستطيع مقايضتها، وممكن آخرين يقومون بعرض خدمات مقابل أشياء يحتاجونها"، موضحا أنه من الممكن للنجار أن يذهب لتصليح باب طبيب في مقابل أن يقدم له الطبيب الدواء".

كما أكد أن هناك بعض الأشخاص يوضحون أنهم بحاجة لبعض الأشياء الضرورية وليس لديهم مقابل للمقايضة، وفي هذه الحالة يقوم فريق الصفحة بإرسال مناديب متطوعين للتحقيق في الحالة، ويتم مساعدتهم من قبل بعض المتبرعين.

• استغلال وإثارة شفقة

فيما اعتبر شعبان أن هناك بعض الأشخاص يقومون بنشر طلبات وهم لا يملكون ما يقايضونه، وهم في ذلك يريدون إثارة الشفقة، قائلًا: "أشخاص يضعون منشورات بأنهم في حاجة ملحة لبعض السلع، ولكنهم في الحقيقة يثيرون شفقة الآخرين، هناك حساب وضع طلب حليب لطفلة، وأكد عدم امتلاكه ما يقايض عليه سوى ردائين للطفلة يمكن أن يقايض على واحد منهما، وكانت الاستجابة من مئات الأشخاص يعرضون عبوات الحليب ولا يريدون المقابل، وقد وصلني أن السيدة صاحبة الحساب استطاعت تجميع 43 عبوة حليب"، لافتًا إلى أن تلك الطريقة يشوبها نوع من التسول وكسب التعاطف.

وعن المقايضات التي تفاعل معها إنسانيا، يقول: "الكثير عرضوا أثاث منزلهم كامل في مقابل المواد الغذائية والدواء وحليب الأطفال والحفاضات"، لافتًا أن هؤلاء اختاروا العيش بكرامة وهو الهدف الرئيسي من "لبنان يقايض" بأن لا يتم إذلال المواطن اللبناني.
• معاناة اللبنانيين تتجاوز أزمة الخبز

"أحمد شيري" شاب لبناني وأحد المشاركين بالمجموعة وكان وضع منشورا لأشياء لا يريدها ويعلن تبرعه بها دون مقابل، يرى أن الأزمة اللبنانية ليست في الخبز ولا الحليب وانما بـ"الحياة العامة" على حسب قوله.

يقول شيري في تصريحات لـ"الدستور": "معظم المنتجات الموجودة بالسوق المحلي مستوردة، ومع انخفاض قيمة الليرة اللبنانية بشكل سريع، لاحظنا ارتفاع أسعار معظم السلع الغذائية بشكل سريع أيضًا، وطبعًا الطحين (الدقيق) مستورد والمواد الغذائية مستوردة، في هذه الدوامة الكبيرة يبقى راتب اللبناني بنفس القيمة اللبنانية وطبعًا بقدرة شرائية أصبحت تعادل ما لا يتعدى الـ٦٠ دولارا بشكل عام"، لافتا إلى أن المقايضة فكرة طرحها المقيمين على الصفحة، والذين لا يعرفهم ولكن جودة الفكرة جعلته يتضامن معها إلى حد كبير.

وتابع: "يوجد عند الكثير من الناس أغراض موجودة بغرفة مغلقة أو ملقاة على الرفوف ولا تستعمل، لما لا نستعملها كعملة؟"، مؤكدا أنه حتى الميسورين أصبحوا يشاركوا الفكرة حتى ولو عن طريق التبرع بأشيائهم.

• حل لعدم توفر "المصاري"

أزمة السيولة النقدية في لبنان أدت إلى عدم توفر المال مع المواطنين أو كما يقول اللبنانيون "ما في مصاري"، خاصة وأن المصارف توقف سحب المودعين، تقول سيدة لبنانية تدعى "لاما. م" – رفضت ذكر اسمها كاملا- أن فكرة المقايضة جاءت من الوضع الاقتصادي الصعب، وخاصة بعد إعلان لبنان إفلاسه، مضيفة: "العالم بحاجة لكثير من الأشياء ولا يوجد سيولة معها وفي الوقت نفسه توجد أشياء بالبيت ليس لها حاجة فما المانع من مقايضتها".

وأشارت لاما والتي تعمل بصناعة الكروشيه (الأصواف) أنها عرضت الأشياء التي تصنعها مقابل الخيوط، لافتة إلى أنها طالبت من لا يجد الخيط بأن يعطيها زيت الزيتون أو بعض الأشياء الأخرى بدلا منه.
• مؤشر شديد الخطورة

من جانبه اعتبر الكاتب الصحفي اللبناني فادي عاكوم، أن لجوء أي شعب أو مجموعة سكانية إلى المقايضة وتبادل السلع بدلا من عمليات البيع والشراء له دلالة وحيدة وهي سقوط قيمة العملة وانهيار الاقتصاد، مؤكدا أن لجوء هؤلاء المجموعات لتأمين الأشياء الخاصة بأسرهم من خلال بعض السلع الموجودة لديهم أو مخزنة في مقابل حصولهم على التأمين يعد مؤشر خطير للمجتمع اللبناني.

وتساءل عاكوم في تصريحات لـ"الدستور": "عندما ينتهي مخزون هذه السلع كيف ستؤمن هذه العائلات احتياجاتها الأساسية وليس الاحتياجات التكميلية".

وأشار إلى أن لبنان حتى أثناء الحرب الأهلية لم يشهد أي انقطاع للسلع بشكل نهائي، فكانت تتوفر السلع حتى في الفترة التي كانت فيها لبنان مقسمة إلى عدد دويلات صغيرة، مؤكدا أن ما يمر به لبنان أسوأ من فترة الحرب الأهلية ويبدو أن الأمور تتجه إلى الاسوأ، خاصة وأن الحكومة غير قادرة على تقديم حلول جذرية للوضع الحالي.

تابع: "لا أحد قادر على فتح أسواق جديدة بعكس ما ادعت بعض الأحزاب السياسية، كون الأمر يتعلق بعقوبات عالمية وغالبيتها عقوبات اقتصادية، في وقت يعاني فيه العالم بأجمعه من ضغط اقتصادي بسبب أزمة كورونا"، لافتا إلى أن المواد الأساسية والضرورية غير موجودة بالسوق اللبناني يوجد خطر كبير في عدم توفير الخبز وعدم توفير الكهرباء".

واختتم حديثه قائلًا: "هذه الأمور باتت مهددة، حيث لن يستطيع التجار دفع فواتير استيراد القمح والمازوت، هذا بالإضافة إلى إقفال العديد من المصانع التي كانت تؤمن السلع للداخل اللبناني بعضها مستور وبعضها غير مستورد، بالتالي المكونات المستوردة باتت غير موجودة".