رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأمومة والتغلب على فيروس كورونا «كوفيد- 19»


يبدو أنه لا يوجد ما يشغل العالم أكثر من فيروس كورونا، حتى المظاهرات التى تندلع فى أنحاء العالم، خاصة أمريكا وأوروبا، لمناهضة العنصرية، تجعلنا نتساءل كيف تحدث هذه التجمعات وسط انتشار فيروس كورونا؟!.
ففيروس كرونا، الذى يعتبره العلماء أخطر ما واجه البشرية هذا القرن ستكون له عواقب عديدة سياسية واقتصادية واجتماعية، وسيجعل الكثيرين يعيدون التفكير فى الكثير من المسلمات والبحث عن بدائل أكثر إنسانية.
وقد أوضحت أزمة وباء كورونا أن القيادات النسائية فى العالم هن الأقدر على العبور بشعوبهن والنجاة من الأزمة، فقد نشرت مجلة فوربس الأمريكية للأعمال مقالًا أوضحت فيه أن القاسم المشترك بين أفضل الدول استجابة لأزمة فيروس كورونا هو «القيادات النسوية».
وأشار المقال إلى الفارق الكبير، الذى أحدثته النساء الحاكمات فى سبعة بلدان فى طريقة تعاملهن مع أزمة جائحة كورونا. وعددت فوربس حالات نجاح القيادات النسائية فى كل من أنجيلا ميركل فى ألمانيا، وكاترين جاكوبسدوتير فى أيسلندا، وإيرنا سولبرج فى النرويج، وتساى إنج ون فى تايوان، وسانا مارين فى فنلندا، وجاسيندا أرديرن فى نيوزيلندا، وميتى فريدريكسون فى الدنمارك.
وقد تمثلت أسباب نجاح قيادات هذه البلاد فى أربعة أمور هى: الحقيقة والحب والتكنولوجيا والحسم.
هذا المقال ليس الوحيد الذى يدعم وجهة النظر الخاصة بحكمة المرأة وقدرتها على القيادة فى وقت الأزمات.. فقد وجد الباحثون أن النساء أكثر ميلًا لأن يكن ديمقراطيات ومتعاونات أكثر من نظرائهن من الرجال، فهن يطلبن المشاركة من الآخرين ويضعن وجهات النظر المختلفة فى الاعتبار، ويحاولن التوفيق بين الآراء، كما كانت النساء أقل عرضة لفرض حلول دون استشارة الفريق، فتركز المرأة القائدة أيضًا على إقامة وتطوير علاقات إيجابية مع الآخرين، وتميل لتشجيعهم بالحوافز الإيجابية، ولا تحبذ تهديدهم أو التقليل من مزاياهم، كما أنها لا تتهرب من اتخاذ القرارات الصعبة، وفى المقابل كان الرجال أميل للاستبداد وفرض آرائهم.
كما أن المرأة أكثر حساسية لكل من يشاركها العمل، فتهتم برعايتهم الصحية وتقاعدهم. وتظهر المرأة مزيدًا من المسئولية الاجتماعية تجاه موظفيها، وتبنى نساؤها سمعة اجتماعية إيجابية لمناخ العمل بها، كما يرتبط وجود امرأة فى الإدارة بإمكانية أقل فى تسريح الموظفين خلال فترات عدم الاستقرار والأزمات الاقتصادية العالمية، وتبدو المرأة أقل اهتمامًا بأصحاب رأس المال والمساهمين فى مقابل الاهتمام بالموظفين وعائدات المشاريع المجتمعية، وتتسق هذه الأولويات مع مواقف وقيم المرأة، التى تتسم بالرحمة والرأفة نسبيًا.
وربما يعود نجاح القيادات النسائية فى أوقات الأزمات إلى أن النساء يفكرن دائمًا كأمهات، وليس بالضرورة أن تكون امرأة أو أمًا لتفعل ذلك، التفكير كأم هى ميزة متاحة للجميع، يكتب الشاعر أليكسيس دى فو: «الأمومة ليست ببساطة إنجاب الأطفال. إنها فهم احتياجات هذا العالم».
إن الحب هو جوهر التفكير كأم، لأنّ الحب أكثر من مجرد عاطفة. إنّه المقدرة والفعل وإنه مورد لا ينضب أبدًا، والعدالة ومساندة الضعفاء هما شكل من أشكال الحب بالعموم. وعندما ندرك أن كل سياسة هى تعبير عن القيم الاجتماعية، يبرز الحب كقيمة مثلى، وعندما يفكر المسئولون كأم، سترجح حاجات الأغلبية، وليس أهواء الأقليّة. الأم تدرك ما يحتاجه طفلها وتسعى جاهدة لتحقيقه بأفضل الطرق. والأم لا تتوانى عن الحزم والشدة لتحقيق مصلحة أطفالها، التفكير كأم يعنى رؤية العالم بأجمعه من منظور أولئك المسئولين عن الناس الأشد ضعفًا وتعرضًا للخطر.
تقول الأمهات دائمًا، حتى فى أشد الظروف صعوبة «سيحدث أمر جيد، حتى الآن لا نعرف ما هو»، عندما تؤمن بأن الخير قادم وأنك تلعب دورًا فى تحقيقه، تصبح قادرًا على تجاوز أى معاناة.
التفكير مثل الأم أداة بإمكان الجميع استعمالها لبناء العالم الذى نتمناه، وعلينا أن نبدأ من الآن.
يقول أحد الحكماء «إذا أردنا مستقبلًا أفضل، يجب أن نبنيه الآن فى هذه الأوقات المظلمة لنتمكن يومًا ما من أن ننعم بالنّور».