رحيل آدم حنين.. آخر عمالقة النحت وأحد مرممى أبوالهول
توفي منذ قليل الفنان التشكيلي والنحات العالمي آدم حنين، بعد صراع مع المرض، وسيتم تشييع جثمانه الى مثواه الأخير في مدينة أكتوبر، وهو من مواليد القاهرة لأسرة من أسيوط كانت تعمل في صياغة الحلي، ونشأ في حي باب الشعرية.
تسببت زيارته للمتحف المصري للآثار عندما كان في الثامنة من عمره، في نقطة تحول كبيرة في حياته، فحين بلغ العشرين، قرر أن يصبح نحاتًا والتحق بمدرسة الفنون الجميلة في القاهرة، تخرج في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة 1953، ودرس فن النحت في ألمانيا الغربية 1957.
التحق بمرسم الفنون الجميلة بالأقصر 1954-1955، وعمل كرسام في مجلة صباح الخير 1961، ومستشارًا فنيًا بدار التحرير للطبع والنشر 1971، سافر إلى باريس، حيث أقام فيها كفنان محترف، ودرس آدم حنين في مرسم انطونى هيلر في ميونخ 1957 بعد أن أنهى دراسته الحرة بمدرسة الفنون الجميلة على يد الفنان أحمد صبري، كما أقام في النوبة فترة أثناء منحته للتفرغ (1961 ـ 1969).
تميزت أعماله بالتركيز على البيئة المحلية والتراث المصري القديمة وله قدرة على التعبير عن الواقع الاجتماعي، وله مقتينات في متحف وزارة التربية والتعليم، ووزارة الثقافة ومتحف الفن الحديث بالقاهرة، وحديقة النحت الدولية بمدينة دالاس الأمريكية، وقرية الفن بالحرانية بمحافظة الجيزة، ومبنى مؤسسة الأهرام بالقاهرة فاز بالجائزة الأولى في مسابقة الإنتاج الفني 1955.
منذ أن هاجر الفنان آدم حنين إلى باريس وعاش كفنان محترف منذ عام 1971، تحول بفنه نحو التجريد، واستخدام خامة الفخار الزلطى في تماثيله، وأيضا ساعدته دراسته بأكاديمية الفنون الجميلة ميونخ ألمانيا لمدة أربعة فصول دراسية، في تحقيق العديد من الأهداف الفنية.
التقى "حنين" خلال أحد معارضه سنة 1960 بعالمة الانثروبولوجيا عفاف الديب التي أصبحت زوجته ومناصرته، وأيضًا مديرة وناقدة لأعماله في بداية مسيرته الفنية، وانتقل حنين سنة 1971 مع زوجته إلى باريس، حيث أقاما خمسة وعشرين عاما، كرس نفسه خلال تلك الفترة لفنّه في محترفه الواقع في الدائرة الخامسة عشرة في باريس قرب بورت دو سيفر.
وعاد بعد ذلك إلى مصر سنة 1996، وكان حنين قد أصبح فنانًا معروفًا على المستوى الدولي، وأقام مسكنه في منزل من الطوب الطيني، بناه المهندس المعماري رمسيس ويصا واصف وهو مهندس شهير (1911 ـ 1974) صمم منزل حنين في قرية الحرانية.
وعمل من سنة 1989 إلى 1998 مع وزارة الثقافة في ترميم تمثال أبي الهول في الجيزة، وفي 1996، أسس سمبوزيوم أسوان الدولي لفن النحت، وهو ورشة سنوية ومعرض يقومان على دعوة نحاتين من كل أنحاء العالم لتجريب ونحت منحوتات من الغرانيت المحلي.
ويعد آدم حنين هو أحد أبرز النحاتين المعاصرين في العالم العربي، وأنجز خلال مسيرته الفنية عددًا هائلًا من القطع الكبيرة والصغيرة الحجم، باستخدام مواد متنوعة مثل الغرانيت، والبرونز، والجص، والحجر الجيري، والفخار، وجسّدت أعماله الأولى رشاقة ومتانة التماثيل المصرية القديمة مع الدلالة على حس تبسيطي في معالجة الكتل والأحجام.
تذكّر أعماله بالتماثيل القديمة مثل تمثال الكاتب، المعروف بعنوان "شيخ البلد" والمعروض حاليًا في المتحف المصري للآثار إلى جانب أعمال محمود مختار (1891 ـ 1934)، وخلال الستينيات، نحت حنين سلسلة من الأعمال التي تمثل حيوانات مثل الطيور والقطط والكلاب والبوم والماعز والخيل والحمير، بأسلوب اختزالي يبرز الحد الأدنى من خصائصها وخطوطها الأساسية، سجّلت بداية السبعينيات تطوّرًا مهمًا في فنّه كنتيجة لتفاعله مع أعمال النحاتين الحداثيين في باريس، مثل برانكوزي.
ومع أن حنين لم ينتمِ قط لأية حركة من حركات الفن غير أنه استلهم من حرية التعبير النحتي السائدة في تلك الأوساط خلال الثمانينيات، واتسمت منحوتاته بالأشكال المجردة والأحجام الصافية وبديناميكية الحركة، وكانت تدور حول مواضيع مثل قرصي الشمس والقمر ومفهوم الصعود، عمل في التسعينيات على المنحوتات كبيرة الحجم التي تعرض في الهواء الطلق، ومنها "السفينة"، المصممة كبديل مجازي للفضاء المتحفي. تجسّد أعماله بشكل عام الحس الصرحي المختزل ومفهوم الأزل.
آدم حنين هو أيضًا رسام ماهر غير أنه لم يستخدم بتاتًا في لوحاته الألوان الزيتية على القماش بل أعاد إحياء تقنيات قديمة، مثل الرسم على أوراق البردي بأصباغ طبيعية ممزوجة بالصمغ العربي أو تقنية الرسم على الجص التقليدية، أنجز سنة 1960 رسومًا لتزيين كتاب صديقه الشاعر صلاح جاهين (1930 ـ 1986) "رباعيات صلاح جاهين"، واستخدم لذلك الحبر الهندي على الورق، وتتميّز لوحاته، سواء التشخيصية منها أو التي تمثل أشكالًا هندسية تجريدية، بصفاء الأشكال وحرارة الألوان التي يعززها عمق نحتي.