رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إيطاليا تتبنى نهجا أوروبيا مختلفا بعد أزمة كورونا

كورونا
كورونا

مع تفشي وباء "كورونا" وظهور تراجع في الدور الأوروبي لمساعدة الدول المتضررة، وعلى رأسها إيطاليا التي تتصدر الدول الأوروبية تضررا بهذا الوباء، بدا واضحا تزايد حالة الاستياء على الساحة الإيطالية، سواء على الصعيد الشعبي أو الرسمي، تجاه الاتحاد الأوروبي وهو ما دفع كثيرين للقول بأن إيطاليا ستتبنى نهجا مختلفا أوروبيا بعد أزمة "كورونا".

وبعد قرار وزراء مالية دول اليورو، الخميس الماضي، بتقديم حزمة إنقاذ مالية قدرها 500 مليار يورو ضمن آلية الاستقرار الأوروبية لمساعدة الدول الأعضاء الأكثر تضررا من "كورونا" لتعزيز قدراتها وتحسين نظمها الصحية للتعامل مع الوباء وإنقاذ حياة مواطنيها، أكد رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي أن هذا الاتفاق ليس كافيًا، موضحا أنه لن يتخلّى عن المطالبة بإصدار سندات "كورونا" في القمة الأوروبية المقرر عقدها الأسبوع المقبل.

وكانت إيطاليا وعدد من الدول الأوروبية المتضررة من "كورونا"، كفرنسا وإسبانيا، قد طالبت بإصدار "سندات كورونا" التي تعمم الديون على كل الدول الأعضاء لتقاسم تكلفة الأزمة، غير أن هذا الاقتراح قد قوبل بالرفض من قبل بعض الدول الأوروبية وعلى رأسها ألمانيا وهولندا.

وفي هذا السياق، شدد كونتي على أن الوقت الراهن مهم في تاريخ الاتحاد الأوروبي، قائلا: "إذا لم نسارع لإيجاد حلول تضامنية فإن رد فعل كثير من مواطنينا سيكون سلبيا، لافتا إلى أنه "إذا لم نغتنم الفرصة من أجل بعث حياة جديدة في المشروع الأوروبي، فإن هناك مخاطر حقيقية بفشل المشروع برمته".

أما ماتيو سالفيني، زعيم حزب الرابطة اليميني المتطرف، فقد انتقد اتفاق وزراء مالية دول اليورو وجدد دعوته لخروج بلاده من الاتحاد الأوروبي بسبب الجدل الراهن حول رفض بعض الدول الأعضاء لمقترح آلية "سندات كورونا" لمواجهة التداعيات المالية الناجمة عن الأزمة الراهنة.

وقال سالفيني، في مداخلة أمام مجلس الشيوخ الإيطالي الخميس، "نحن أنشأنا أوروبا" في إشارة إلى أن إيطاليا من الدول المؤسسة للاتحاد الأوروبي، لافتا إلى أن بلاده "خفضت الإنفاق على القطاع الصحي من أجل الالتزام بالقيود" المالية المفروضة أوروبيا على الدول الأعضاء، وانتهز هذه الفرصة ليجدد دعوته للخروج من الاتحاد الأوروبي قائلا: "دعونا نستعيد بلادنا دون وضع قبعة التسول أمام أحد.. تحيا إيطاليا ويحيا الإيطاليون".

ووفقا للمراقبين، فإن أزمة كورونا أعطت فرصة ذهبية لدعم أراء سالفيني واليمين المتطرف المناهض للاتحاد الأوروبي وساهمت في رفع أسهم هذه الأفكار داخل الشارع الإيطالي، حيث أن التقاعس الذي أظهره الاتحاد الأوروبي في مساعدة الدول المتضررة من الوباء، سواء إيطاليا أو غيرها، قد زاد من حالة الاستياء إزاء التكتل الأوروبي لدى فئات الشعب المختلفة، وهو ما جعل كلمات سالفيني تجد صدى واسع لدى المواطنين، لاسيما أن إيطاليا عانت كثيرا خلال الفترة الماضية من أزمات متعددة ولم تتلق الدعم المطلوب من الجانب الأوروبي، وعلى رأسها قضية المهاجرين.

في ضوء المشهد السابق، اتجهت بعض الأراء للقول بأن إيطاليا بعد انتهاء أزمة كورونا قد تحذو حذو بريطانيا وتتجه لمغادرة الاتحاد الأوروبي، خاصة أنه خلال الفترة الأخيرة تعالت الأصوات المنتقدة للتكتل الأوروبي الذي اعتبروه متخاذلا في مد يد العون لبلادهم، وزاد من حدة الأمر تجاهل مقترحات حكومة كونتي لإصدار "سندات كورونا"، كما أعرب العديد من الإيطاليين عن امتعاضهم من تأخر الأتحاد الأوروبي في تقديم المساعدات اللازمة لإيطاليا، لتجاوز محنتها الصحية والاقتصادية.

غير أن سيناريو "الخروج" تم استبعاد وقوعه من قبل العديد من المسئولين الإيطاليين، ومن بينهم وزير الشئون الأوروبية بالحكومة الإيطالية، فينتشينسو أميندولا، الذي أكد أنه لا يوجد سيناريو لخروج إيطاليا من الاتحاد الأوروبي، لافتا إلى أن "التحالف يعزز مصلحتنا الوطنية، ولن تكون أي دولة، من أصل 27 دولة خارج الاتحاد، قوية في ظل الاضطرابات والأزمات العالمية"، وأوضح الوزير الإيطالي أن هذا الشعور المشكك في إدارة السياسة الأوروبية، الذي يتبناه بعض القيادات، لم يطرح بديلا واضحا ولا حتى اقتراحا كاملا بشأن مستقبل البلاد خارج الاتحاد الأوروبي، مشددا على رغبة بلاده في رؤية المؤسسات الأوروبية أكثر نشاطًا وأسرع في إيجاد حلول للمشكلات.

وبعيدا عن مدى إمكانية حدوث سيناريو "الخروج" من عدمه، يتفق المراقبون على أن إيطاليا ستخرج من أزمة "كورونا" مختلفة، فالمعاناة التي شهدها المواطنون من جراء هذه الأزمة والرعب الذي اجتاح البلاد والأعداد الهائلة في الإصابات والوفيات كل ذلك سيؤدي بدوره إلى تغير وتيرة السياسات المتبعة على المستوى الرسمي، كما سيؤدي إلى تغير اتجاهات الرأي العام وأولوياته، وعلى الأرجح سيكون هناك نهج يعتمد على إعلاء المصلحة الوطنية بصرف النظر عن أي التزامات أوروبية مفروضة وسيكون التركيز على إصلاح الداخل أكثر من تعزيز التكامل الأوروبي، وهو ما يؤكد أن أزمة كورنا" ستساهم في رسم ملامح إيطاليا في السنوات المقبلة.