سارة خليف تكتب: المرأة العاملة تسأل «أين المشروعية الاستثنائية»؟!
نظرًا لما يمر به العالم أجمع من انتشار فيروس كورونا، وتأكيد الدول في اتخاذ المزيد من الإجراءات الاحترازية الضرورية، للحد من تفشي الفيروس، ففي هذا الإطار لم تكن مصر بمنعزل، فقد سارت مع الركب العالمي، وتعمل جاهدة عبر اتخاذ الكثير من الإجراءات الاحترازية والوقائية، للحفاظ على أبنائها من هذا الفيروس، ومن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة مجموعة من القرارات المهمة، لدعم القطاعات التي قد تتأثر اقتصاديًا، من جراء هذا الفيروس المستجد والاستثنائي، ولكن يبدو أن ثمة ضبابية حول بعضها، خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار أنها أغفلت موظفي القطاع الخاص!
فمن القرارات الهامة التي طرحتها الحكومة رأفةً بالمرأة العاملة، كونها صمام أمان لحماية الأسرة، خاصة بعد قرار تعليق الدراسة لمدة أسبوعين كظروف استثنائية؛ وكذلك قرار منح إجازة استثنائية للحامل ومَن ترعى أطفال دون سن الثانية عشرة، وبعد قرارات مجلس الوزراء التي راعت في المقام الأول المصلحة الفضلى للأسرة المصرية، وبعثت برسالة طمأنينة للسيدات والأمهات، كإجراءات احترازية اتخذتها الدولة لمنع انتشار فيروس كورونا، ومن الجدير بالذكر أن الإجازات الاستثنائية الممنوحة بموجب هذا القرار مدفوعة الأجر، ولا تُحسب ضمن الإجازات المقررة قانونًا، أو تؤثر على أي من مستحقات الموظف المالية، إلا أن جزءًا كبيرًا من القطاع الخاص في وادٍ والدولة في وادٍ آخر!
مع العلم بأنها هي نفس الظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم فهي ذاتها التي يعيشها موظفو القطاع الخاص، إلا أن المتحكمين فيه لم يتعاملوا مع الوضع الحالي كما تعاملت الحكومة مع قطاعها، بل تعاملوا مع الوضع بهيمنة واستغلالية، باستخدامهم الكامل للطاقة البشرية، وكأنها أيام عمل عادية! متناسين أن من تلك الطاقة البشرية سيدات مماثلات لمن تتواجدن في القطاع الحكومي، وتنعم الأخريات بمميزات القرار الحكومي،
لذا نناشد قلوبكم بالرحمة وعقولكم بالتبصر، وإدراك المصلحة العليا للمجتمع والبلد، ونقول فليكن أضعف الإيمان بتفعيل قرارات مجلس الوزراء تجاه المرأة العاملة سواء (الحامل أو مَن ترعى أطفال دون سن 12)، وأن يطبق عليها نفس النظام الاستثنائي المقرر من الحكومة، دون الحاجة لاستهلاك رصيد إجازتهن السنوية، نظرًا للظروف الاستثنائية وعدم وضعه تحت بند الإجازات الشخصية، فهناك فئة من النساء تتحمل أعباءً مضاعفةً في ظل الظروف العادية، فبالله عليكم كيف سيكون حالهن بالظروف الاستثنائية؟! علمًا بأنهن لا تمتلكن المقدرة على إيجاد بدائل أُخرى لرعاية أطفالهن مع صعوبة الأعباء المعيشية.
فيا أيها القطاع الخاص الذي حصلت على كل امتيازاتك من الدولة ماذا قدمت في الأزمة الحالية للدولة?!
فإن كنتم تظنون أن عدم اتخاذ إجراءات فورية تجاه انتشار الفيروس يعد مكسبًا حاليًا لكم فأنتم مخطئون، ربما لم تكبدوا الخسائر المادية اليوم، ولكن ستكون الخاسر الأكبر غدًا، ولن تقتصر على الأموال، بل سيضاف إليه الخسائر البشرية، وستؤدي تلك الممارسات إلى زيادة انتشار الفيروس لا محالة، يا سادة إن تم إجبار الموظفات على الذهاب للعمل، بالرغم من وجود أبنائهن بالمنازل؛ فبالتبعية سوف يتكرر نفس مشهد ذهاب موظفات الحكومة بأبنائهن للعمل بأول أسبوع قبل اتخاذ قرار بإقعادهن فى المنازل. فنحن في عالم يعيش وضعًا استثنائيًا لا يحتمل الجدال، وما كان يصلح مع الأزمات الصغيرة لا يصلح مع تلك الفاجعة اللعينة، فبعد أن كشف ممثل اتحاد الصناعات المصرية عن أن القطاع الخاص غير خاضع للقرار الذي صدر من رئيس مجلس الوزراء، كما أنه يستحيل معه النظر إلى الصناعات المصرية من منظور واحد، وأن الإجراء المزمع اتخاذها حاليًا هو نشر الوعي بالإجراءات الاحترازية اللازمة، والإفصاح التام عن أي حالة إصابة في أي مصنع أو شركة بكل السبل، وتوفير أدوات السلامة والنظافة والتعقيم.
ومن المتعارف عليه في حالة الضرورة أو الظروف الاستثنائية، التي تتطلب سرعة التصرف، فإن الدولة تملك الخروج على القواعد القانونية، فتعمد إلى التوسع في اختصاصات عملها حتى وإن خرجت هذه الاختصاصات الجديدة عن الضوابط المقررة في القوانين القائمة، إذ لا بد أن تتوسع المشروعية لمواجهة الحالة الاستثنائية بالشكل الذي يمكن الإدارة من التصرف بقدر من الحرية ومنحها السلطات الخاصة على النحو الذي وإن كان يتعارض مع قواعد المشروعية العادية، إلا أنه يظل أمرًا قانونيًا ومشروعًا في إطار ما يمكن أن نطلق عليه "المشروعية الاستثنائية"، لأن سلامة الشعب والدولة هي القانون الأعلى الذي يجب أن يسمو على جميع القوانين الوضعية.
باحثة في قضايا المرأة والطفل