رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد فؤاد يكتب: تأملات فى سجال «الخشت» وفضيلة الإمام

محمد فؤاد
محمد فؤاد

لم يكن ما دار بين الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، والدكتور محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة، خلال مؤتمر الأزهر العالمي لتجديد الخطاب الديني، هو الأول من نوعه في المناوشات مع المؤسسة الدينية فيما يخص الرغبة في تجديد الخطاب، إلا أنه مرحلة متقدمة عكست صعوبة مطالبة مؤسسة بتجديد خطاب وفكر متأصل في جذورها ومناهجها وعقول خريجيها.

وفي مشهد بات متكررًا، ظهر عن حق ما يكنه الأزهر وقادته تجاه فكرة التجديد وتطوير الخطاب، بشكل يدعو للتأمل في فكر وتوجهات هذه المؤسسة، فالأزهر نظم مؤتمرًا عالميًا تحت عنوان تجديد الخطاب الديني ودعا إليه رموزًا دينية ومفكرين من 44 دولة، ليعلن في جوهر المؤتمر أنه يناهض أي مطالبات بالتجديد ويقف رافضًا لأي تحركات في هذا الشأن.

والمتأمل في حديث الإمام في رده على الدكتور الخشت، خاصة في سياق عام للعلاقة التاريخية بين مؤسسة الأزهر والدولة، يهتدي إلى أنه لا يمكن بأي شكل أن يكون هذا المشهد حوارًا علميًا بحتًا، بل يجب أن يتولد لديه يقين أننا أمام مشاحنة سياسية مع الدولة حمّلت الحوار أكثر مما يستحق وأخرجته عن الهدف الأساسي من الدعوة إليه، وتضمن رسائل واضحة- لم تكن بالضرورة موجهة للدكتور الخشت- عن موقف المؤسسة الرافض للتجديد.

طرح "الخشت" ما رأى أنه آلية لتطوير الخطاب الديني كملخص لكتابه نحو عصر ديني جديد، إلا أن الإمام اتخذها فرصة لقطع يد أي أحد من خارج مؤسسته في الدخول إلى الملف، فهو كما يعتقد حكرًا على المؤسسة الدينية فقط، رغم استحالة وعدم منطقية ذلك، فكيف لمؤسسة متجذرة في الماضي أن تخرج لنا بخطاب جديد يلائم العصر ويتجاوز العطب الذي نال جزءًا كبيرًا من هذا التراث؟

فقبل أن نخطو خطوة واحدة في هذا الملف، يجب أن نكون على أرضية ثابتة ملامحها قائمة على عدم قدسية التراث وكذلك خلع لباس القدسية عن الأزهر وقادته وموقفهم، والإيمان بدور العلوم الأخرى غير الدينية في مسألة التجديد، وقبل كل ذلك نوع من سعة الصدر للحوار والمناقشة وإعمال العقل في كل شيء وأي شيء.. أليس التدبر عبادة دينية منصوصًا عليها؟

كما أنه لتهيئة الجمهور غير المثقف ضرورة حتمية، خاصة مع تأمل مواقفه مما دار في السجال بين الإمام والخشت، فإما تأييد أعمى لما قاله الإمام على غير علم أو يقين، فقط لأن الإمام قاله، وأيضًا الطرف الآخر الذي تضامن مع الخشت من باب الرفض المطلق للأزهر.

وللأمانة فإن تجديد الخطاب الديني في ظل عدم تجديد الخطاب السياسي يجعل أي محاولات من تقريب وجهات النظر فرصة سانحة للاستقطاب الشديد، فما يصدر من كلام عن الإمام كثيرًا ما يستغل مساحة عدم الرضا عن النظام ويتسلح بها ليتحول كلامه إلى مادة خصبة يستغلها أكلة الجيف في قنوات البهتان.

أعلم أن أي حديث في هذا الملف يحاول الأزهر تصديره على أنه هجوم على الدين والعقيدة، ولكن الجميع قبل أن ينطق بحرف، يجب التأكيد على أن مسألة العقائد والأمور قطعية الثبوت والدلالة لا يمكن التطرق إليها في أمور التجديد ولكن متاح بالفعل تفسيرات أكثر عصرية لها، أما صُلب التجديد فمُطالب به في مسائل المعاملات تحديدًا والتي تخضع لتطورات كل عصر.

كما أن الاستعانة بآراء مجددين عظام سبق وأن أهال الأزهر عليهم التراب وأفتى بإباحة دمهم يجب الأخذ به في الحسبان، ومنهم على الأخص الدكتور فرج فودة، وأظن أنه دون استيضاح موقف المؤسسة بشكل حاسم من هذا الرجل وكتاباته فلن نكون أمام أي تجديد وكل ما سنأخذه منها هو مسايرة المطالبات ومناوشات بين الحين الآخر.

فما حدث في السجال وما تبعه من استقطاب شديد يذكرني بالمناظرة الشهيرة في معرض الكتاب سنة ١٩٩٢ بين فرج فودة والإمام الغزالي، فمع اختلاف الشخوص، بقي المضمون ثابتًا.

فهل لنا من مراجعة حاسمة لما قاله الإمام الغزالي مثلا في محاكمة قتلة فرج فودة، حين أقر بـ"جواز أن يقوم أفراد الأمة بإقامة الحدود عند تعطيلها. وإن كان هذا افتئاتا على حق السلطة”. وأن هذا الافتئات "ليس عليه عقوبة!". ومعنى ذلك واضحا لا لبس فيه، أنه أولا يرى فودة في حكم المرتد وثانيا يجوز تطبيق حد الردة عليه، وهي عقوبة القتل.

فقولا واحدًا، لن يخرج تجديد من الأزهر دون الرد على ذلك وتبيان موقف المؤسسة منه، فالغزالي أو الطيب ليسوا أفرادا بل رموز تيار كامل ربما أتهم ظلمًا بالاعتدال والوسطية.