فى ذكرى وفاتها.. قصة زواج سامية جمال ورشدى أباظة
البداية كانت من فيلم «الرجل الثانى» والذى شارك بطولته مع سامية جمال، وفى تلك الفترة كانت ابنته قسمت تمثل جرحًا صغيرًا كبر مع الأيام فى قلبه، وظل هناك سؤال بداخله كثيرًا أى مستقبل ينتظر هذه الصغيرة، وأثناء تصوير الفيلم كان هناك مشهد يجمعه بسامية وهى تبلغه أن ابنته الصغيرة ماتت بسبب أفعاله الشريرة.
وصرخت قائلة: "بنتك ماتت يا عصمت، بنتك ماتت يا عصمت" وهزت الكلمات وجدان رشدى، وتخيل قسمت وهى تدفع ثمن إهمال أمها وانشغال والدها فى عمله، فانهمرت الدموع من عينيه وتهدج صوته، وساد الصمت البلاتوه، وأشار المخرج عزالدين ذوالفقار للمصورين بمواصلة التصوير للإمساك بهذه اللحظة النادرة، وفور انتهاء المشهد انفجرت موجة من التصفيق، وهنأ الجميع رشدى على هذا الصدق الجميل، وحدها سامية كانت تعرف الحقيقة، لذا كان طبيعيًا أن تهمس فى أذنه: «أحزانك يا رشدى حققت لك الصدق والتفوق فى هذا المشهد».
لكن سامية كانت سلمت قلبها لرشدى الذى ازداد تعلقه بها عندما سافرا معًا إلى بيروت لحضور العرض الأول لهذا الفيلم وأحس رشدى بأنه لا يستطيع بالفعل الاستغناء عنها واستمرت علاقة حبهما ثلاث سنوات وتوطدت علاقتها كذلك بصغيرته «قسمت» التى كانت فى الثالثة من عمرها تقريبًا، وكذلك أحبتها والدة رشدى لأنها أدخلت البهجة على حياة ابنها التى تغيرت من حياة الملاهى الليلية إلى الشكل العائلى مع سامية وابنته يخرج بهما ويتنزهون سويًا.
وفى شقة سامية بدأت الخيوط الأولى للعلاقة التى تحولت فيما بعد إلى حديث الوسط الفنى والشارع المصرى، فقد هدأت أعصاب رشدى عندما وجد الشقة شديدة النظافة والترتيب، وجلس مسترخيًا بينما دخلت سامية إلى حجرة نومها ثم انتقلت إلى المطبخ، وعندما عادت بفنجان القهوة وجدته جالسًا على البار يحتسى الخمر، فلم تجد حلًا سوى مشاركته الشراب، وتسلل الهدوء إلى أوصالهما على صوت الموسيقى الكلاسيكية، وروى كل منهما حكايته للآخر.
علمت زوجته «باربرا» بالأمر فتحول البيت إلى جحيم دائم، وفى تلك الفترة تلقى رشدى عرضًا ببطولة فيلم صراع فى النيل، ووجدها فرصة جيدة لاصطحاب زوجته خلال هذه الرحلة لإصلاح ما أفسده، إلا أن الانفصال حدث بالفعل.
قالت له: وحشتنى جدًا
فأجاب: ولماذا ابتعدت عنى يا سامية؟
فقالت: كنت أخشى أن يقول الناس إننى كنت السبب فى طلاقك الأخير، ولكننى فشلت فى المقاومة، فحبى لك كان أقوى من النسيان.
وفى نهاية المكالمة وجهت إليه الدعوة لزيارتها، ذهب إلى منزلها ووجدها فى صورة كاملة من الأناقة والتألق، وجلس كالملك المتوج واختفت للحظات، ثم عادت وهي تدفع عربة صغيرة عليها زجاجة "ويسكى" وبعض الأطعمة الخفيفة، ومرت الليلة سريعة وظلا معًا حتى الصباح، وقبل انصرافه أعطته سامية مفتاح شقتها حتى يأتى فى أى وقت، فأدرك رشدى معنى ومغزى هذه اللفتة.
وتشكك الجميع فى استمرار هذه العلاقة حتى تزوجا فى 21 سبتمبر عام 1962م ونشر خبر زواجهما الذى استفز باربرا زوجته السابقة فطالبت بحضانة ابنتها إلا أن رشدى رفض وساعدته على قراره سامية التى هيأت نفسها لتكون حياتها المقبلة من أجل زوجها منذ اعترف لها بحبه لها: «من زمان يا سامية بحبك ونفسى أتجوزك وتكونى ست بيت»، وسريعًا علم الوسط الفنى كله أن إقامة رشدى انتقلت إلى عمارة ليبون حيث تقيم سامية، كأنها كانت تنتظر هذه الحياة العائلية.
كان معروف عن رشدى أن الزواج بالنسبة له مثل ورقة الياناصيب يسحبها ويفوز فى كل الأحوال، وبعد فترة يبحث عن ورقة جديدة، أما سامية فى هذه التوقيت أرادت أن تكون الورقة الأخيرة وقبلت بما أراده رشدى أن تكون فقط «ست البيت»، زوجته التى ترتب له حقيبة ملابسه مع كل دور بطولة يحصل عليه فى مساره السينمائى التصاعدى.
أرادها زوجه تقاسمه الحب وتربى ابنته قسمت وهى قبلت، وهو ما قالته فى حوارها مع فؤاد معوض: «المقدر والمكتوب الذى جعلنى ألتقى يوم برشدى فى بلاتوه استوديو مصر من ساعتها بدأت الصداقة بيننا أولًا ثم الغزل ثانيًا»، وهناك قول مأثور لمارك توين (الغزل حوار ظريف إما أن يؤدى إلى قسم البوليس أو إلى المأذون).. غزل رشدى قادنى إلى المأذون، وتزوجنا فى 21 سبتمبر عام 1962م ومن وقتها قررت أن أكون زوجة فقط.. الفنان لابد وأن يقدر مسئوليته تجاه الشخصية مثلما هو مسئول عن فنه.
وبعد 15 ساعة من الزواج سافرت صباح إلى المغرب لإحياء عيد ميلاد الملك الحسن الثانى، وهناك اتصلت بها شقيقتها وأبلغتها أن سامية لم تزل زوجة رشدى وأن الصحافة مقلوبة عليها لأنها خطفته من زوجته، فواجهته ولم ينكر، وتم الانفصال بعد 24 ساعة فقط من الزواج، وإن كان الطلاق رسميًا حدث بعدها بعدة شهور، ثم قرر رشدى العودة للقاهرة لبيته والاستعداد لفيلمه الجديد «حواء على الطريق».
كان وقع خبر الزواج كالصاعقة، فسامية قرأته فى الصحف بالصدفة، وكانت صباح صديقة مقربة إليها، ورغم الصدمة كانت سامية متماسكة، وكانت الصحف قد تعاطفت معها وهاجمت صباح بضراوة، وانتظرته سامية فى المطار وهو عائد من بيروت، فقط قالت له: «مش راجع لبيته أهلًا وسهلًا بيه»، واستقبلته واحتضنته، وذهبا إلى البيت وكأن شيئًا لم يكن، ورتبت عشاء له مع أصدقائهما المشتركين، وأثناء العشاء داعبها قائلًا وقال: «يا ريت يا حبيبتى تشغلى اسطوانة للصبوحة عشان تفتح نفسنا على الأكل»، فابتسمت سامية وقالت: «حالًا يا حبيبى أنا من يومين بس اشتريت لها اسطوانتين».. وسط صمت الضيوف ودهشتهم.
وفى هذه المرحلة كان رشدي أباظة في قمة مجدة حيث كان يعمل بلا توقف أو راحة، ينام يوميًا أقل من 4 ساعات، تلاحقه مواعيد التصوير وأصبح مرهق الأعصاب لا يتحمل شيئًا وذات ليلة كان عائدًا إلى منزله حينما وجد نار الخلافات قد شبت بين زوجته وابنته قسمت، إلا ان حالته الجسدية والصحية لم تسمح له بأى نقاش وطلب من زوجته إرجاء الموضوع لوقت آخر ولكنها أصرت على الحديث فثار عليها وهاجمها وحطم كل شىء حوله ووجه إليها كلمات قاسية ثم اعتذر منها كثيرًا فلم تغفر له، وحملت حقيبتها وغادرت وهى تطلب الطلاق وغادر هو أيضًا فى حالة سيئة إلى أحد الفنادق وهو يطمح إلى الصلح والعودة لزوجته الحبيبة ولكن الخلاف كان قاسيًا ورفضت سامية التحدث إليه طوال الشهرين.
وفكر رشدى أباظة بحسب حواره لمجلة «الشبكة» خلال تلك الفترة فى الانتحار أكثر من مرة وفى إحدى المرات كاد أن يطلق على نفسه الرصاص من مسدسه الخاص لولا تدخل ابن عمه طاهر الذى كان حاضرًا ليصلح بينهما ثم عادت إليه بعد شهرين ومارست دورها القديم فى ترتيب حياته ومساعدته فى اختيار الأفلام حتى جاءه عرض عليه المخرج محمد سالم بطولة فيلم «نار الشوق» أمام صباح فرفضه رشدى ولكن أصرت سامية عليه وسافر رشدى بالفعل وقام بتصويره وسارت حياتهما على هذا المنوال حتى رشحتها المنتجة آسيا داغر لبطولة فيلم «الشيطان والخريف» للمخرج أنور الشناوى عام 1972م، وافق رشدى على العودة خصوصًا أنه هو البطل أمامها وأثناء تصويرها مشاهدها أصيبت سامية بشلل مؤقت بعد أدائها مشهدًا راقصًا فى الفيلم بعد غياب طويل عن الرقص وهو ما ذكرته سامية: «عند تصويرى أول استعراض راقص فى فيلم الشيطان والخريف عام 1972م قمت بالرقص لمدة يوم كامل، وبعد نهاية اليوم عدت للبيت متعبة للغاية للحد الذى لم أستطع معه تحضير العشاء الذى تبرع يومها زوجى رشدى بتجهيزه وتناولت عشائى ثم ذهبت إلى سريرى وألقيت بجسدى المنهك فوقه ولم أشعر بشىء حتى الصباح وعندما استيقظت حاولت تحريك قدمى فلم أستطع».
وأضافت: «رحت أصرخ وأبكى بعد أن أصابنى الهلع وكان رشدى مستيقظًا فجاءنى على الفور وسألنى عما حصل فأخبرته وأنا أنتحب فأخذ يضحك فذهلت من سخريته لكنه أقنعنى وهو الرياضى المتمكن أن ما حصل كان نتيجة طبيعية لعدم تسخين عضلاتى قبل الرقص خصوصًا وأننى لم أرقص منذ فترة وقال لى إن كل شىء سيكون على ما يرام بعد أن تستريح عضلات جسمى».
فى هذا الوقت مات المخرج عزالدين ذوالفقار، داعم رشدى ومكتشفه، وظل رشدى لا يكف عن تناول الخمر الذى زاد من عصبيته، ولذا غفرت له سامية نزواته الصغيرة لكنها ناضلت حتى يكف عن الخمر.. مرة بالعقل ومرة بالتهديد فصرخ فيها وقال: «أنا عشت طول حياتى حر وهاموت حر.. ومش هاسمح لحد أن يتحكم فيا» وظلت طوال هذه الليلة تحاول أن تثنيه عن هذا الطريق ولما فشلت قالت له: «طلقنى».
جمع رشدى حقائبه وغادر منزل الزوجية نهائيا بعد 17 عامًا من الزواج تاركًا لها مغلفًا فيه خمسة آلاف جنيه قيمة رحلة الحج التى كان وعدها بها، وبوليصة تأمين على حياته لصالحها بقيمة ستة آلاف جنيه وأخرى لصالح قسمت بقيمة ألف جنيه.
لم يخطر ببال رشدى أن هكذا تكون نهاية قصتهما تصور أنه خلاف مثل كل مرة وستعود لكنها فاجئت الجميع بأنه قرار نهائى قال رشدى لمراسل مجلة «الشبكة»: «أنت تعرف من هى سامية بالنسبة لى.. إنها حياتى وأنا لا أحب أن أدخل معها فى نقاش لأننى لا أتصور نفسى اسأت إليها بكلمة، ولهذا فإن كل غضب بيننا غضب صامت، يعقبه خصام، ثم يبدأ الحنين. فنعود».
أعلن رشدى أباظة عن ندمه الشديد بعد الطلاق، وباءت كل محاولاته لإعادة سامية إليه مرة أخرى بالفشل وأعترف أكثر من مرة أنها حب حياته وأن مكانتها فى قلبه لم يستطع أحد أن يحتلها، ولما تدخل بعض الأصدقاء لإعادة بينهما وافقت بشرط أن يكف عن الشرب فوافق رغم صعوبته وكانت العودة فى الحفل الفنى الذى أقامه مهرجان القاهرة السينمائى فى مينا هاوس والذى فوجئ فيه رشدى بأن سامية عادت إلى الرقص فتناول كأسًا ثم خرج فقد وافق أن ترقص فى الأفلام لكن أمام الجمهور فهو ما لم يقبله.
ثم عاد وهو فى الثانية والخمسين إلى مغامراته الغرامية ووقع فى حب الفنانة يسرا ولما فاتحها بحبه اعتذرت لأنها لا تفكر فى الزواج وإنما فى مستقبلها الفنى، وهنا عرف أن أسطورته كـ«كازانوفا» انتهت، مما أثر فيه وبدأ جسده يتداعى مع مرض سرطان المخ الذى فاجئه عام 1980م ورحل فى نفس العام فى شهر يوليو.
وحضرت سامية الجنازة متخفية، وبعدها بـ«3» أيام زارت قبره وقرأت له القرآن ثم جلست بجوار قبره تحدثه: «كان نفسى تموت فى حضنى يا رشدى إنت اللى اخترت تموت بعيد عنى».