رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"الدستور" تزور 5 مدارس قرآنية: من هنا تبدأ الحرب على الإرهاب

جريدة الدستور

فى عام ٢٠١٦، أعلنت وزارة الأوقاف إنشاء ما أطلقت عليه «المدارس القرآنية» فى جميع محافظات الجمهورية، لتحفيظ الأطفال القرآن وشرح معانى آياته بشكل صحيح، وتعليمهم أحكام التلاوة الصحيحة، وكذلك الأحاديث النبوية والدروس الحياتية، وذلك على يد علماء متخصصين، وبالمجان.

وافتتحت «الأوقاف» فى العام الأول من المشروع ٥٠٠ «مدرسة قرآنية»، ثم زادت فى ٢٠١٧ إلى ٨٠٠ مدرسة، وصولًا إلى ٩١٢ مدرسة فى ٢٠١٨، ثم ٩٤٢ مدرسة فى الوقت الحالى، تضم ١٤٠٠ محفظ مدربين على أعلى مستوى.

وتستقبل كل مدرسة من تلك المدارس نحو ٣٠ تلميذًا بحد أقصى، حتى توفر لهم البيئة المناسبة للتعلم، وتبلغ مدة الدراسة عامين فقط.

«الدستور» زارت ٥ «مدارس قرآنية»، وشاركت الأطفال اليوم الدراسى فى بعضها، للتعرف على ما يدور فيها، وكيف تستخدمها وزارة الأوقاف فى محاربة الفكر المتطرف ونشر صحيح الدين.

«الشريف» فى المنيل الدراسة مجانية.. وتركيز على شرح العلوم الشرعية والدنيوية

داخل ساحة ملحقة بمسجد «الشريف» بالمنيل، وقف الشيخ حسن، إمام المسجد، يطلب من الأطفال الإسراع إلى تأدية صلاة العصر، التى سيبدأ بعدها الدرس الدينى وتحفيظ القرآن.

بمجرد انتهاء الصلاة، التف الأطفال من مختلف الأعمار حول الشيخ حسن، فبدأ فى ترديد بعض آيات القرآن الكريم، والجميع يردد بعده، وفى ساعتين، نجح فى تحفيظهم آيات من سورة «يس»، وكان يشجعهم بمنحهم بعض «الحلوى».

وأثناء انشغال إمام المسجد فى تحفيظ الأطفال الآيات القرآنية، وتصحيح أخطاء التجويد، حضر عدد من الأطفال الجُدد بصحبة الأهالى للالتحاق بالمدرسة، فاستقبلهم الشيخ بالترحاب، وسجّل أسماء الصغار وبياناتهم فى دفتر المسجد.

حاولت إحدى السيدات أن تعطى الشيخ أموالًا، لكنه رفض ذلك، مؤكدًا لها أن «مدارس الأوقاف» مجانية، مشيرًا إلى أنها تعمل خلال إجازة نهاية العام الدراسى لمدة ٣ أيام أسبوعيًا، هى الأحد والإثنين والأربعاء، بينما تعمل يوم السبت فقط، خلال العام الدراسى العادى.

وأرجع «حسن» قلة عدد الأطفال الذين يلتحقون بمدارس تحفيظ القرآن التابعة لوزارة الأوقاف إلى عدم معرفة الأهالى بوجود تلك المدارس المجانية، مطالبًا بتسليط الضوء عليها وعلى جهود الوزارة فى نشر تعاليم الدين، مشيرًا فى الوقت ذاته إلى زيادة الإقبال إلى حد ما هذا العام.


وقال: «نحن لا ننتظر أى أموال من المواطنين، خاصة مع حصولنا على رواتبنا من الوزارة، ونسعى إلى نيل مرضاة الله عز وجل بتحفيظ آيات القرآن للأطفال والكبار، ونعتبره تكليفًا ربانيًا قبل أن يكون تكليفًا وزاريًا»، مشددًا على ضرورة توعية المصريين بأهمية حفظ القرآن الكريم، وبوجود وأهمية «المدارس القرآنية».

وإلى جانب تحفيظ القرآن، تهتم مدرسة «مسجد الشريف» بتعليم الأطفال العلوم الشرعية، وبعض أساسيات العلوم الأخرى، وذلك لمساعدة الأطفال الذين لا يلتحقون بمدارس حكومية.

وخلال الدرس، حرص الشيخ على شرح معانى الآيات للأطفال بشكل مبسط، وقال لهم إن «القرآن رسالة سماوية تساعد الإنسان على العيش بشكل أفضل دون إيذاء الغير».

فى هذه الأثناء، كانت الأمهات يقفن خارج المسجد لانتظار الأطفال فى الخارج، حيث التقينا سناء أحمد، والدة الطفلة منة الله نبيل، التى تبلغ من العمر ٧ سنوات، والتى قالت: «أرى أن هذه المدارس ملاذ آمن لطفلتى، لأنها تعلمها أحكام الدين وتجعلها على دراية بأمور دنياها».

وأضافت: «أحرص على اصطحاب ابنتى منة إلى المدرسة بشكل يومى، حتى تنشأ على تعاليم الدين الإسلامى الصحيحة، إلى جانب الدروس الأخرى التى توفرها المدرسة للأطفال، والحمد لله، هى وبقية أشقائها حفظوا القرآن كاملًا وانعكس ذلك على أخلاقياتهم وسلوكياتهم».

ورأت أن «المدارس القرآنية» تُبعد الأطفال عن الألعاب الإلكترونية ومواقع الإنترنت التى تهدر أوقاتهم وتبعدهم عن الدين، معتبرة أن ذلك هو سبب انتشار «الموبقات» فى المجتمع، وفق تعبيرها. 

وبمجرد انتهاء اليوم الدراسى، خرج الأطفال بصحبة الشيخ وودعوه على أمل اللقاء فى اليوم التالى، وكان كل منهم يحمل هدية تشجيعية منه.



«المدينة المنورة» بالمعادى فصل الذكور عن الإناث.. والأهالى: «آمنة»

فى مدرسة مسجد «المدينة المنورة» بحى المعادى فى القاهرة يبدأ اليوم الدراسى فى تمام التاسعة صباحًا، مع ملاحظة زيادة أعداد الأطفال الملتحقين بهذه المدرسة عن سابقتها.

ويختلف نظام المدرسة عن مدرسة «الشريف»، من حيث الفصل بين الذكور والإناث، ويتولى تعليم الأطفال الذكور ٣ محفظين، بينما تتولى محفظتان مهمة تعليم الفتيات.

وقالت مى أحمد، محفظة قرآن فى المدرسة، إن الدراسة تقتصر حاليًا على تحفيظ القرآن وتعليم أحكامه وتجويده، مع اعتزامهم البدء فى تعليم الأطفال مزيدًا من العلوم فى مجالات أخرى، خلال الفترة المقبلة.

ورغم اختلاف نظام المدرسة بعض الشىء عن بقية مدارس الوزارة، لكنها أيضًا مثلها تعمل لمدة ٣ أيام أسبوعيًا خلال إجازة نهاية العام الدراسى، ويوم واحد أسبوعيًا فى بقية العام، ويتردد عليها عدد من الأطفال غير الملتحقين بالمدارس الحكومية العادية، وفق «مى».

وأوضحت: «نقبل جميع الأطفال دون النظر إلى مستواهم التعليمى، ولا نشترط حفظ آيات من القرآن للالتحاق بالمدرسة، فهناك من يلتحق بنا وهو لا يحفظ سوى سورة الفاتحة، وهناك من يحفظ بعض أجزاء القرآن، وجميعهم مرحب بهم ويتلقون العلوم الشرعية بانتظام حتى يحفظوا القرآن كاملًا، وبعد ذلك نجرى اختبارات لقياس مدى استيعاب الأطفال ما تعلموه وحفظوه».

استمر اليوم الدراسى لمدة ٣ ساعات، وبعد ذلك ساعدت خادمة المسجد الأطفال فى الوصول إلى أمهاتهم بالخارج، حيث تقف سناء سعيد، ٦٠ عامًا، جدة طفلة ملتحقة بالمدرسة جاءت لتصطحبها بعد انتهاء اليوم الدراسى.

وقالت الجدة: «نحرص على تعليم حفيدتى القرآن الكريم، وألحقناها من قبل بالكثير من مراكز تحفيظ القرآن الكريم الخارجية، لكن مدارس وزارة الأوقاف تختلف بالتأكيد، لذا بمجرد علمى بافتتاح مدارس قرآنية تابعة لوزارة الأوقاف ذهبت إليها رفقة حفيدتى، لأننى أعتبر هذه المدارس آمنة وتحافظ على الأطفال من الأفكار المتطرفة التى قد تُبث فى مراكز تحفيظ القرآن الأخرى».

«منى»، ٢٥ عامًا، كانت تنتظر شقيقتيها فى الخارج، قالت: «حرصت على إلحاق شقيقتىّ بالمدرسة القرآنية، لأننى أرى أن مدارس وزارة الأوقاف أكثر أمنًا من أى مكان آخر قد يعلم الأطفال أفكارًا متطرفة».

وأضافت: «علمنا أن وزارة الأوقاف تتابع تلك المدارس بشكل دورى، وتجرى اختبارات دقيقة لاختيار المحفظين والمحفظات، ثم تراقب بعد ذلك مدى التزامهم بتعليم الأطفال صحيح الدين».




«الرواس» فى السيدة زينب استقبال كبار السن.. وحضور أولياء الأمور الدروس

اتجهت «الدستور» بعد ذلك إلى «المدرسة القرآنية» فى مسجد «الرواس» بمنطقة السيدة زينب بالقاهرة، التى تستقبل الأطفال لمدة يوم واحد أسبوعيًا خلال أيام الدراسة، ولمدة ٣ أيام أسبوعيًا خلال الإجازات السنوية، مثلها مثل كل مدارس الوزارة، لكن المختلف هو تخصيصها مواعيد أخرى خلال الأسبوع لتحفيظ القرآن الكريم لكبار السن.

وقال الشيخ «خالد»، إمام المسجد مسئول المدرسة، إنه يبدأ تعليم الكبار أو الصغار بـ«جزء عمّ»، الجزء الثلاثين والأخير من القرآن، مع الفصل بشكل تام بين الذكور والإناث، وتخصيص محفظات لتعليم الفتيات والسيدات. وأضاف الشيخ: «نسمح للآباء والأمهات بمشاركة أطفالهم فى الدرس، فنحن نؤمن بأن رسالتنا يجب أن تصل للكبار والصغار، ونهتم بشكل خاص بالأطفال الذين لم يلتحقوا بمدارس حكومية، ونحرص على تعليمهم أساسيات بعض العلوم الأخرى». وقال عبدالرحيم حسن، ٦ سنوات، أحد الأطفال الملتحقين بالمدرسة، إنه يتمنى إتمام حفظ «جزء عمّ» كاملًا، خاصة أنه يحب قراءة القرآن وحفظه.




مسجد السيدة زينب:منهج لـ«الحساب والطبيعة».. وخطة عمل لـ«محو الأمية»

المدرسة القرآنية الأخرى التى زرناها فى منطقة السيدة زينب توجد فى مسجد ومقام السيدة زينب نفسه، وتسمى «مدرسة السيدة القرآنية»، ويتولى مسئوليتها الشيخ «أحمد»، الذى قال: «المدرسة تقسم أيام عملها الثلاثة أسبوعيًا، خلال الإجازة، فيتم تخصيص اليوم الأول لتحفيظ القرآن، والثانى للدروس الدينية، والثالث لأساسيات بعض العلوم مثل الحساب والطبيعة»، مشيرًا إلى أنها تقبل جميع الأعمار، من سن ٤ سنوات إلى آخر العمر.

وأضاف: «خلال فترات عمل المدارس الحكومية، نقسم اليوم الذى نعمل خلاله أسبوعيًا إلى ٣ فترات نعلم خلالها الأطفال مختلف العلوم».

وكشف عن تقديم المدرسة خدمات محو الأمية أيضًا، قائلًا: «نحرص على تعليم كبار السن الذين لم يستطيعوا الالتحاق بالمدارس خلال حياتهم، ونعلمهم أساسيات القراءة والكتابة، إلى جانب أحكام التجويد».



الشبان وسط القاهرة..امتحانات وشهادات للخريجين.. ومحفظون: ملتزمون بالوسطية

الأوضاع فى مدرسة «الشبان» القرآنية بمنطقة وسط القاهرة لم تختلف كثيرًا، خاصة فيما يتعلق بتخصيص مواعيد ثابتة أسبوعيًا لمحو أمية الكبار، وسط تأكيدات من محفظين عاملين فى المدرسة بأن «الوزارة كلفتنا بالالتزام بالمنهج الدينى الوسطى دون أى تشدد، وبتعليم الأطفال والكبار صحيح الدين لمواجهة الأفكار المتطرفة».

وقال محمد عبدالخالق، المسئول عن المدرسة: «فى نهاية كل دورة دراسية نختبر التلاميذ والكبار لتحديد مستواهم فى حفظ القرآن، وامتحاناتنا تشبه امتحانات المدارس الحكومية، كما نعطى المتخرجين شهادة تُثبت حفظهم القرآن كنوع من التشجيع، وشهادات محو أمية للكبار أيضًا».

خارج المدرسة، التقينا السيدة «نور»، ٢٦ عامًا، التى قالت إنها ألحقت ابنتها بالمدرسة بعد أن عجزت عن دفع مصروفات المدارس الحكومية، موضحة: «أخرجت ابنتى من المدرسة الابتدائية بعد وفاة والدها، ووجدت أن المدرسة القرآنية بديل مناسب ومجانى».

وأضافت: «ألحقت والدتى، التى تخطت سنها ٥٠ عامًا بفصول محو الأمية فى المدرسة ذاتها، حيث تتعلم أساسيات القراءة والكتابة مجانًا».