محمد الباز يكتب: تعالوا أعلمكم كيف تدافعون عن أحمد خالد توفيق
لو لم يكن أحمد خالد توفيق كاتبًا مؤثرًا ما طرقت بابه. لو لم يكن له عشاق ومريدون ودراويش ما فكرت فى العبور من أمام بيته. لو لم يجتمع حوله مهاويس ومجانين ما فكرت فى فك ألغاز ظاهرته.
لا أخفيكم سرًا أننى ما زلت أشفق على الكاتب الراحل.
كان يستحق من يدافع عنه بحب ووعى ورقى.
كان يجب أن يكون هناك من بين من ينتسبون إليه من يضعونه فى المكانة التى يستحقها.
كان لا بد أن يكون فى طابور عشاقه من يعيدون تقديمه للناس بعد أن فرغ من الطريق وتخفف من أحماله ونفض تراب الحياة عن قدميه وأصبح مِلكًا للتاريخ، لا يستطيع أن يضيف لما قدمه أو يحذف منه سطرًا واحدًا.
أعرف أن هناك من بين من رباهم على يديه من يستطيع تشريح ظاهرته وتفكيكها وإعادة ترتيبها من جديد، حتى يعرفه هؤلاء الذين فوجئوا بحجم تواجده فى الحياة دون أن يقرأوا له شيئًا ودون أن يعرفوا حتى إنه كان موجودًا من الأساس، لكن هؤلاء اختاروا الصمت، ربما خوفًا من أن يطالهم غبار الجدل حوله، وربما هم يعرفون نواقص كاتبهم كما يعرفون ما يميزه، ولا يريدون إخضاعه لمناقشة جادة تضعه فى حجمه بما له وما عليه، فيفقدون من يعتبرونه صنمًا يتقربون إليه ليس بالنوافل فقط، ولكن بالفروض والسنن أيضًا، وهؤلاء كثيرون جدًا يسيرون فى قافلته، وبعضهم فى الغالب لم يقرأ له كثيرًا أو قليلًا.
بعد وفاة أحمد خالد توفيق فى أبريل ٢٠١٨، كتب زميل صحفى على صفحته بـ«فيسبوك» يرثيه رثاء محب عارف وصادق، فوجئ بمن يتواصل معه على الخاص، يسأله عن هذا الكاتب الذى مات وتحول الفيسبوك لسرادق عزاء كبير من أجله، فحدّثه عن أعماله وكتاباته وأثره البالغ فى أجيال عديدة من الشباب.
بعد دقائق كانت المفاجأة، الذى كان يسأل يكتب على صفحته، متأثرًا، أنه فقد كاتبه المفضل الذى كان له أثر كبير فى ثقافته ومعرفته وتكوين شخصيته، هكذا مرة واحدة، وقبل أن تقول إن هذا مجرد نموذج لا يمكن القياس عليه، سأقول لك: فى الغالب فعل غيره كثيرون ذلك، رأوا أن من يتحدث عن أحمد خالد توفيق أو يدعى قربًا منه يراه الناس مثقفًا، فادعوا جميعهم وصلًا به، رغم أنه فعليًا لا يقر لهم بذلك.
يمكنك أن تلمح من بين جمهور أحمد خالد توفيق كذلك هؤلاء الذين لم يقرأوا له سلسلة أو رواية أو مقالًا، اكتفوا منه بقراءة تغريدات أو بوستات عبر شبكات التواصل الاجتماعى، فاعتقدوا أنهم بذلك ملكوه، وأنه أصبح سهلًا طيعًا بين أيديهم، وكم سيكون قاسيًا عليهم عندما يعرفون أن كثيرًا مما نُسب إليه لم يكتبه، بل تأذى كثيرًا ممن وضعوا اسمه عليه.
حتمًا تعرض أحمد خالد توفيق لخيانات كثيرة فى حياته، يعرفها وحده، لكن خياناته من قرائه بعد موته لا تُعد ولا تُحصى، مرة لأنهم لا يعرفونه فنسبوا إليه ما لم يكتبه، ومرة لأنهم يعرفونه ولم يقدموا للناس منجزه الحقيقى.
لم يكن أحمد خالد توفيق كاتبًا مغرورًا يعتقد أنه أتى بما لم يأت به الأوائل، استوقفه شاب فى معرض الكتاب وطلب منه أن يمنحه شرف التصوير معه، فسأله: ما الذى قدمته لك كى تطلب التصوير معى؟
تواضع الكاتب قابله غرور القراء الذين انصرفوا عن الدفاع عن الصورة التى كوّنوها لأنفسهم معه، وتركوا منجزه هو فى العراء، دون أن يقولوا كلمة حق فيه.
ما رأيته فى أحمد خالد توفيق ما زلت أراه، لكن ما رأيكم يا من تدعون أنه عرابكم أن أعلمكم كيف تدافعون عنه؟
دعوا عنكم حالة العصبية التى تنتابكم كلما جئنا على سيرته، فهى لن تنفعكم، وبالطبع لن تنفعه، ودعوا عنكم حذركم من التورط فى حديث عنه حتى لا يصيبكم رذاذ من يهاجمون من يقترب منه بلا عقل ولا عفة، وتعالوا ندخل إليه مدخلًا جديدًا، عل ذلك يساعدكم على أن تمنحوه حقه عليكم، بدلًا من أن تجلبوا له اللعنة.
وتعالوا نبدأ بسؤال أعتقد أنه مهم جدًا وهو: لماذا نجح أحمد خالد توفيق؟
لم ينجح أحمد لأنه كان قارئًا نهمًا ومشاهدًا دءوبًا وصاحب تجارب حياتية حصدها من وجوه الناس والشوارع فقط، ولكن لأن الظروف الموضوعية التى ظهر فيها أعانته على ذلك، لاحظوا أن الأقدار وضعت فى طريقه الدكتور نبيل فاروق الذى حصد نجاحًا وشهرة لدى أجيال سابقة أضعاف ما حصل عليه أحمد، لكنها شهرة لم تترجم على أرض الواقع لأنه تألق قبل عصر السوشيال ميديا الذى يمنح أولياءه بتوحش وبدون حساب.
كان نبيل فاروق هو تأشيرة مرور أحمد خالد توفيق للنشر عبر المؤسسة المصرية الحديثة، تقدم أحمد بقصة من قصص ما وراء الطبيعة للمؤسسة، رفضتها لجنة التقييم لأن عدد صفحاتها قليل، لكن نبيل أجازها وشهد لكاتبها بالموهبة والتفرد.
لم يكن نبيل فاروق يعرف أنه بتقديمه أحمد خالد توفيق يكتب بداية عهد جديد يسحب البساط من تحت قدمى عهده هو، فقد كانت كتاباته تقترب من مرحلة شيخوختها، وكانت السوق تحتاج دمًا جديدًا وروحًا جديدة وشخصية جديدة أيضًا، وكان طبيعيًا أن يزيح «رفعت إسماعيل» «أدهم صبرى».
بدأ خالد توفيق نشر سلسلة ما وراء الطبيعة فى العام ١٩٩٣، التحولات السياسية والاجتماعية فى العالم العربى وتحديدًا بعد الخروج من مهزلة احتلال دولة عربية لدولة عربية أخرى، جعلت الشباب لا يقبلون على شخصية مثل «أدهم صبرى» بمعاركه التى لا يخسرها أبدًا، كانوا بحاجة إلى تفسيرات لواقع خرافى لا تقل عنه خرافية، ولذلك كان طبيعيًا أن يظهر «رفعت إسماعيل» الطبيب الذى جعله خالد توفيق يؤدى المهمة التى يحتاجها الشباب الذى بدأ وعيه يتشكل على حافة الخطر.
رفعت بطل سلسلة ما وراء الطبيعة طبيب أمراض دم متقاعد، تعرض فى حياته لحوادث خارقة للطبيعة، يرويها ببساطة تجعل قراءها يعيشون فيها ويشعرون بها، وقبل أن تسأل: لماذا نجح رفعت إسماعيل؟ سأقول لك: لقد نجح لأن كل من قرأ حكاياته تمنى أن يكون مكانه.
فى العام ١٩٩٥، وبعد عامين فقط من ظهور ما وراء الطبيعة، بدأ أحمد خالد توفيق فى كتابة ونشر سلسلة «فانتازيا»، وهى السلسلة التى استطاع من خلال بطلتها عبير عبدالرحمن أن يقدم للشباب خلاصات أفكار وكتب وقصص وروايات ومسرحيات يصعب أن يلم بها شخص واحد.
هل نكشف هنا سرًا عن عالم خالد توفيق؟
لقد أدرك بسبب قربه من الشباب، العمل الجامعى يجعلك شابًا مهما تقدم بك العمر، أنهم لا يقرأون بما يكفى وحتى لو قرأوا بما يكفى فإن زحام الحياة لن يمكنهم من قراءة كل ما يجب عليهم أن يقرأوه، فتطوع وهو القارئ المتوحش والمشاهد الأسطورى للتراث السينمائى العالمى وقدّم ما لديه للشباب عبر شخصية روائية، فأضاف إلى أعمارهم أعمارًا طويلة، وراكم على أكتافهم تجارب عديدة، كل ذلك وهم لم يغادروا حجراتهم الضيقة.
بعد عام واحد على ظهور «فانتازيا» وفى العام ١٩٩٦ دفع أحمد خالد توفيق فى طريق قرائه ببطل آخر وهو الدكتور علاء عبدالعظيم بطل سلسلة «سفارى» الذى يحكى مذكراته عن حياته فى أدغال الكاميرون، حيث البيئة الغريبة والأمراض الأغرب والأخطار التى بلا نهاية.
صنع أحمد خالد توفيق لبطل «سفارى» عالمًا خاصًا، قابل فيه سحرة ومجانين، طارده أكلة لحوم بشر، وقطع طريقه مرتزقة لا يمزحون، وتعامل مع سارقى أعضاء بشرية، وأجلسه مع عقلاء ومخابيل، وهو عالم تحيط به الإثارة ويلفه التشويق، ويأتى إليه الشباب حالمين بمثله حتى ولو على الورق.
لم ينجح أحمد خالد توفيق لأنه ظهر فى وقته المناسب فقط، هذا شرط مهم جدًا من شروط النجاح بالمناسبة، ولكنه حقق ما حققه لأنه كان يبذل مجهودًا جبارًا فى كتابة ثلاث سلاسل فى وقت واحد دون أن يخل بمواعيد النشر الصارمة التى كانت تلتزم بها المؤسسة المصرية الحديثة، وهذا درس من دروس أحمد فى الحياة، أعتقد أن كثيرين لم يلتفتوا إليه، فقد كان قاسيًا على نفسه يأخذها بالشدة، ولم يكن غريبًا أن يموت مبكرًا، فمثله من المحترقين يتوهجون بشدة، لكنهم ينطفئون مرة واحدة.
فى هذه السلاسل لم يكن أحمد خالد توفيق كاتبًا بقدر ما كان معلمًا، وقد لعب ببراعة دور المعلم الصديق لطلابه، لم يخدش حياءهم بلفظ ولم يُسرّب إلى قصصه مشهدًا جنسيًا، ولم يقدّم شخصيات مشوهة إلا ودل قراءه عليها، ولذلك أحبوه كأخ وصديق، ولم يبالغ أحمد نفسه عندما قال إنه كان بالنسبة لمن يقرأون هذه السلاسل «عمو أحمد».
المدخل الثانى الذى يمكن أن نطرق باب أحمد خالد توفيق من خلاله غير باب النجاح الخارق هو باب الإخلاص الشديد لقرائه الذين رباهم حتى وهو يتحول بعيدًا عنهم فى مسيرته الإبداعية.
فى العام ٢٠٠٥ قرر أحمد خالد توفيق أن يفطم قراءه الصغار عنه، أو بالأدق أن يفطم نفسه هو عنهم، فترجم رواية «نادى القتال» أولى روايات الأديب الأمريكى تشاك بولانيك.
نشر توفيق ترجمته للرواية بعيدًا عن المؤسسة التى تنشر سلاسله، لكن قراءه ذهبوا خلفه، ليقابلوا صدمة عمرهم، ففى الرواية جنس وعنف وشتائم بلا حدود، هاجموه واتهموه بخيانتهم، لكنه خرج من الأزمة بمنطق أنه يقدم ترجمة فلا بد أن يكون أمينًا معهم، فليس هو الكاتب الذى يشوه عملًا أدبيًا لكاتب آخر حتى يرضى عنه قراؤه.
بحث أحمد عن قارئ جديد، بعيدًا عمن تربوا مع أبطاله الثلاثة رفعت إسماعيل وعلاء عبدالعظيم وعبير عبدالرحمن، وليس ذنبه أن قراءه يقتفون أثره، لكن لا بد أن نثبت هنا حسن حظه، فقراؤه الذين بدأوا معه وهم صغار يتتبعون أثر سلاسله، كانوا هم قراءه عندما بدأ يكتب مقالات فى الشأن العام وروايات عامة، وأعتقد أن هؤلاء القراء نضجوا بدرجة كبيرة جعلتهم يستوعبون كم الجنس والعنف والقسوة الإنسانية التى ضمنها روايته «يوتوبيا» التى يعتبرها البعض أهم ما كتب.
ستقول لى إننى اتهمت أحمد خالد توفيق بأنه يكتب على هوى قرائه، حتى يرضيهم، لن أنكر، أنا أرى ذلك فعلًا، لكن ما رأيك أن تثبت أنت أننى اعتقدت ذلك لأنه قارئ موسوعى بالفعل، لم يترك مجالًا إلا وقرأ فيه وبعمق، وكان طبيعيًا أن تتنوع كتاباته، وهو ما جعلنى أعتقد أنه يرضى القراء، بينما هو يراعى اهتماماتهم، وهو أمر يضاف إلى رصيده ولا يخصم منه.
موسوعية أحمد خالد توفيق جعلته يرد على اتهامه بأنه اقتبس موضوعات سلاسله وبعض رواياته وقصصه من أعمال عالمية بغرور شديد عن أنه، ولكثرة قراءاته ومشاهداته، يمكن أن يقتبس دون أن يلحظ أحد ذلك، لكنه لا يفعل أبدًا.
يمكنك وأنت تدافع عنه أن تقول عن هذا الغرور إنه ثقة شديدة بالنفس، ولن أعترض طريقك فهذا من حقك تمامًا.
وإذا وجدتنى أقول لك إن موسوعية أحمد خالد، اسمه كان يروق له هكذا بالمناسبة، لا تمثل حالة إبداعية ولا يمكن اعتبارها ميزة خاصة، قل لى: موسوعيته كانت نتيجة دأبه وهو ما يفتقده كثير من كتّابنا، وهى الموسوعية نفسها التى جعلته الأكثر وعيًا بما يحتاجه قراؤه وحتى بالشكل الذى يريدونه، وهو ما ساعده فى الوصول إليهم.
عندما تطلع على حياة أحمد خالد توفيق ستكتشف أنه لم يتفرغ للكتابة أبدًا، فحتى اليوم الأخير فى حياته كان لا يزال يواصل عمله فى كلية الطب جامعة طنطا، لكن الفارق أنه كان يكتب بمزاج كاتب متفرغ، وإخلاص راهب فى صومعة منعزلة عن الناس حتى لا يعكر صفوه أحد، وهو ما جعله كاتب تفاصيل بامتياز، يجمع منمنمات الحياة التى تسقط من الناس فى زحام يومهم ويعيد إنتاجها مرة أخرى، وعندما تصبح مادة لمقالاته يقف أمامها جمهوره بدهشة، فهو يكتب عنهم لا يفارقهم.
يمكنك أن تضيف هذه السمة الإبداعية لأحمد خالد توفيق وأنت تدافع عنه، أولًا لأن هذا من حقه، وثانيًا لأنه يحتاج لمن يدرس ظاهرته وأعماله والبحث عن سماته ككاتب، أكثر مما يحتاج إلى تصفيق هنا أو مجاملة هناك، هذا ما سيبقيه، فحتمًا سيأتى جيل لا يكون ذوقه هو ذوق من أحبوه، وساعتها سيكون مجرد تاريخ، وأعتقد أن من حقه على جمهوره أن يخرج منهم من يتعامل معه كأديب ومبدع له مشروع، وليس كاتبًا مسليًا لطيفًا.
يمكنك أن تعيب أنت على أحمد أنه كان مجاملًا بأكثر مما ينبغى، وهو ما أوقعه فى عثرات كثيرة، منها مدحه لرواية رديئة كتبها علاء الأسوانى، لا لشىء إلا لأنه كان يحبه ومعجبًا به، للدرجة التى جعلته يخالف قناعاته فيما يخص توظيف الجنس فى الأعمال الأدبية، فمن بين ما كان يراه أن الأدب دون جنس أو عنف يكون أدبًا ناقصًا، لكن السؤال هو: كيف نوظفهما دون أن نفقد الأدب رقيه ودوره فى تحضر من يقرأون؟.
تستطيع أن تقول الآن إن دفاع توفيق عن إباحية الأسوانى المفرطة وسوقيته فى التعبير عن أفكاره الانتقامية كانت نوعًا من الضعف الإنسانى تجاه صديق، قد أرفضه أنا، لكن من حق كاتبه عليك أن تثبته، لأنه فى النهاية حر فى اختياراته، مهما كانت مخالفة ومناقضة لاختيارات الآخرين، فنحن بالاختلاف نعيش.
لقد كان أحمد خالد متجددًا، يحترف الكتابة بالمعنى الذى أعرفه عن المحترفين الكبار، لم يتردد عن التجريب فى أشكالها، ومن بين ما يحسب له تطويره شكل المقال الصحفى الرقمى، وهو ما سار عليه آخرون دون أن يشيروا إليه، وأعتقد أنه من الإنصاف أن يتم تدريس تجربته فى نسج المقال الرقمى لطلاب أكاديميات الإعلام فى مصر، فهذا سيكون أجدى من الركام الزائف الذى يدرسونه الآن.. هل لحظ أحدكم ما أتحدث عنه؟ أرجو أن تنتبهوا إلى ذلك.
هناك ميزة أخرى تفرد بها أحمد خالد توفيق، وهى ميزة تستحق دراسة منفصلة وجادة، فرغم معرفته بوجوه الأدب الرفيع واستغراقه فى قراءته، ورغم مشاهداته التى بلا حصر للتراث السينمائى العالمى، إلا أن ذلك لم يفقده روحه المصرية الساخرة التى اكتسبها من التجول فى شوارع طنطا وحواريها والاختلاط مع ناسها، وهو ما يبدو واضحًا فى صياغاته وتعبيراته وتراكيبه اللغوية والتقاطه النماذج التى كتب عنها، وإذا كان هناك من هو جاد فى الدفاع عن أحمد ولديه رغبة فى تخليده الحقيقى فعليه أن يتصدى لهذه الدراسة.
بقى أن أقول لكم إن كل تفسيراتكم للكتابة عنه، تلك التى اعتبرتموها هجومًا، كانت مراهقة جدًا، ولن أقول ساذجة، فلا أحد يريد هدمه أو الإساءة إليه بدعوى أنه تضخم خارج المؤسسة الرسمية، لأن المؤسسة الرسمية نفسها أنتجت كتابًا كبارًا وشعراءً لهم أسماؤهم وأدباء لهم إسهاماتهم، فوجوده خارجها ليس حجة عليها، ثم إنه لم يكن يمثل خطرًا من أى نوع وهو على قيد الحياة حتى يمثل خطرًا بعد وفاته.
قبل أن أغادر ساحة أحمد خالد توفيق، وهى مغادرة أعتقد أنها ليست نهائية بالطبع، أحب أن أقول لكم إن قمة الإساءة إليه هو الحديث عن رفض انتقاده، لأنه مات ولا يستطيع أن يرد على منتقديه، أنتم بذلك تنتقصون من قدره، فالكتّاب الكبار لم يمنع موتهم أحدًا من الكتابة عنهم وانتقادهم وكشف أسرارهم، وأنا أعتبره كاتبًا كبيرًا، فهل لا تعتبرونه أنتم كذلك؟
أعرف من بين جمهور أحمد خالد توفيق من يستحقون التقدير والاحترام، تحدث إلىّ بعض منهم وتحدثت معهم، لكن هؤلاء الذين من فضلة قلوبهم تحدثت ألسنتهم.. فحتمًا يستحق أحمد قراءً أفضل منهم.