رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الرواية القبطية


أول مرة أسمع هذا التعبير كان من الكاتب المعروف رءوف مسعد، والواقع أن رءوف مسعد مسرحى وصحفى وروائى، مصرى متحقق، ولد فى السودان لوالدين قبطيين من مصر، انتقل إلى مصر فى سن المراهقة، وعاش فى بلدان مختلفة، قرر أن يعيش خارج مصر بعد أن ذاق مرارة السجن بها، ومعه القاص عبدالحكيم قاسم، والروائى صنع الله إبراهيم. نشأ فى جيل الستينيات مواكبًا لجمال الغيطانى وصنع الله إبراهيم، وكتب روائع من عيون الأدب الروائى المصرى المتميز: بيضة النعامة، وزهرة الصمت، ومزاج التماسيح، وغواية الوصال، وإن كانت أفضل أعماله مزاج التماسيح وبيضة النعامة.

من مميزات كتابات رءوف مسعد أنه كاتب مصرى يجيد التعبير عن مصريته، تشعر وأنت تقرأ له أنك تتجول فى قرى وحارات مصرية، وكنائس، وتعيش مع شخصيات مألوفة لديك، مثله مثل صنع الله إبراهيم، وكما سيطرت فكرة السجن على صنع الله إبراهيم، وكما هيمنت العمارة العربية والتراث الفاطمى والمملوكى على جمال الغيطانى سيطر هاجس الديانة القبطية والحياة بعيدًا عن مصر على تفكير وخيال رءوف مسعد، ما دعانى للكتابة هو ما نشره على صفحته منذ فترة فقد ألمح إلى فكرة الروائية الطائفية فى صفحته على الفيسبوك، وقال: سأكتب عن الرواية الطائفية، أى عن زمنها الخاص بها؛ لكنى سأركز للأسف على الروائيين المسيحيين الذين قرأت لهم أعمالهم القليلة التى وقعت فى يدى، مع أننى حريص على المتابعة؛ فعذرًا لمن لن أذكر أسماءهم أو أعمالهم. وما سأكتبه أرجو أن يكون متناغمًا مع فكرة «الزمن الروائى» الذى أريد «تثبيته» فى مرحلة زمنية معينة، كان هذا عنوانًا مقتضبًا لما يريد الكاتب أن يتوسع فيه مستقبلًا.

نعرف أن هناك كتابًا مسلمين كتبوا عن الأقباط، فكتبت سلوى بكر عن شخصية القبطى البشمورى، وثورته على الحكم الإسلامى، وتعمقت وبحثت وكتبت عملًا أدبيًا رائعًا لا يمكن أن يكتبه قبطى، كما كتب نعيم صبرى رواية «شبرا»، وكتب إدوار الخراط، «ترابها زعفران»، ولم يميزه أحد بأنه قبطى، كما كتب يوسف القعيد روايتى قسمة الغرماء وقطار الصعيد.

وكتب إبراهيم عبدالمجيد فى رائعته «لا أحد ينام فى الإسكندرية» عن العلاقة بين المقدس دميان، والشيخ مجدالدين.

كما كتب الروائى الكبير صنع الله إبراهيم عن بعض الشخصيات القبطية فى روايته شرف مثل شخصية الصيدلى رمزى بطرس، المتورط فى الفساد، لأنه يرفض الانصياع لقوانينه ويتمرد على مساراته، يجمع بين الروح اليسارية التقدمية والانتماء الرأسمالى.

كتب الروائى يوسف وهيب رواية «تغريبة القبطى الأخير»، وحاول فيها الكتابة عن المسكوت عنه من الأسرار القبطية التى يتداولونها فيما بينهم، والتى لا يتناولها أحد علنًا.

وكتب عثمان مكاوى رواية «عقاب الرب»، تناول فيها استهداف الأقباط من قبل الجماعات الإسلامية فى الصعيد، كما كتب عن العلاقات بين الأقباط فى محيط الأسرة الواحدة، وعلاقتهم بأهالى البلد الذى يعيشون فيه.

صحيح أن بعض الكتاب المسلمين تجاوزوا فى تلك الناحية، كما كتب يوسف زيدان فى روايته «عزازيل»، التى أثارت ردود فعل عنيفة، لأنها تخدش الصورة المثالية التى يسعى الأقباط لتكريسها. ولكن النقاد أنصفوا الأقباط، بل وقال بعضهم إن الرواية استمدت شهرتها من مهاجمتها التقاليد القبطية، وتحريض البطريرك على قتل هيباتيا، بل وقال البعض إنها منقولة. بعض الكتاب، سواء كانوا مسلمين أو أقباطًا، يضعون أمام أعينهم فكرة الترجمة، أو السعى لجائزة عربية قد تستهويهم الكتابة عن الأقليات، كما فازت «عزازيل» بجائزة البوكر وترجمت إلى لغات أخرى.. فى كل تلك الأعمال لا يمكن تمييز ديانة الكاتب، إلا من خلال اسمه فقط، بينما لم يفصح أى عمل روائى حتى عن ديانة صاحبه، مهما بلغت دقته وحرصه.