رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

منذ الملكية..قصة 60 أسرة مسيحية استقرت في رأس البر

جريدة الدستور

ينتظر المصريون من العام للعام مجيء فصل الصيف ليتجهوا إلى إحدى المدن الساحلية لقضاء أجازة ممتعة وسط جمال الطبيعة ومشاهدها الفريدة، من أهم تلك المدن وأكثرها شهرة مدينة رأس البر، حيث يصب فرع دمياط لنهر النيل في البحر المتوسط. وبجانب المصيفين الذين يزرون المدينة من مختلف المحافظات، يقطن في رأس البر ما يصل إلى 25 ألف نسمة، من بينهم نحو ٦٠ أسرة مسيحية فقط.

ومنذ اكتشاف مشايخ الطرق الصوفية بدمياط تلك البقعة الساحرة الواقعة بين النهر والبحر، فى عشرينيات القرن التاسع عشر، وحتى منتصف القرن العشرين، لم تكن هناك كنائس بمدينة رأس البر.
«الدستور» ذهبت للمدينة، وقابلت راعى الكنيسة الأرثوذكسية هناك، الكاهن البتولي "غير المتزوج" القس بنيامين جرجس، الذى تمت سيامته خصيصًا لخدمة أقباط رأس البر، حيث روى لـ"لدستور"، أن القصة بدأت فى عام 1951 حين صدر قرارًا ملكيًا، لإقامة كنيسة السيدة العذراء مريم، التى تقع فى شارع المديرية.


تاريخ عريق
وكانت مقامة كمثل كافة مساكن المدينة على هيئة "عشة" مبنية من الخشب والكيب، وفى عام 1957، قرر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إنشاء مبنى للكنيسة على طراز معمارى فريد، وقد رسم الأيقونات القبطية بالكنيسة وجدارياتها فنان المنصورة المسلم السيد الحناوى، الذى رسم سقف أشهر مساجد المنصورة.
وأضاف القس بنيامين: كان هناك مجموعة من أثرياء أقباط المنصورة يمتلكون عششًا "مساكنًا" فى شارع 89، الذى يبعد نحو 3 كيلو مترات عن كنيسة السيدة العذراء مريم، أي نحو نصف ساعة سيرًا على الأقدام، الذين رأوا أنهم فى احتياج لكنيسة أخرى بالقرب منهم، وفى عام 1959، تبرع احدهم واسمه، "كامل فرج" بعشته لتكون بيتًا للصلاة، إلى أن قرر الرئيس الراحل محمد أنور السادات، إنشاء كنيسة القديس مارجرجس، فى عام 1971، والتى ظلت بلا سور حتى اليوم، وجاري مؤخرًا الحصول على الموافقات الإدارية والأمنية المطلوبة لبناءه.
كهنة عظماء
وأشار القس بنيامين، إلى أن رأس البر قد شهدت عدة كهنة عظماء قاموا بخدمة شعبها، وجميعهم كانوا رعاة لكنائس فى دمياط، حيث كانوا يأتون لمدينة رأس البر فقط فى شهور الصيف.
أول هؤلاء القمص ميخائيل ساداروس، الذى تمت سيامته فى عام 1925، وهو من أشرف على بناء كنيسة القديسة السيدة العذراء مريم، وعُرف عنه اهتمامه الشديد بخدمة الفقراء الذى أطلق عليها خدمة المحبة، وأنه كان يعلم بنفسه الأطفال فى مدارس الأحد "خدمة التربية الكنسية"، وهو الأمر غير المعتاد فى الكهنوت، بالإضافة إلى خدمة الشباب، حتى خرج من أولئك خدامًا يخدمون معه فى الكنيسة.
واستكمل: حينما اتسعت الخدمة، تمت سيامة القمص بيشوى عبد المسيح فى عام 1966، الذى اكتشف جسد القديس سيدهم بيشاى وجسد القديس مارجرجس المزاحم، ثم عقب ذلك تمت سيامة القمص بولس ابراهيم الحديدى فى عام 1971، والقمص صرابامون مترى فى عام 1975.
إقامة القداسات
واستكمل: "فى عام 2015 تم للمرة الأولى إقامة قداسات على مدار العام، ما عدا عيد الميلاد وعيد القيامة وفترة الصوم الكبير، حيث كانوا أقباط المدينة يذهبون إلى دمياط خصيصًا لحضور تلك القداسات، وحين طالب أقباط المدينة بسيامة كاهنًا مقيمًا بشكل دائم لخدمتهم، تم ترشيحى للكهنوت، وبالفعل قام الأنبا بيشوى مطران دمياط وكفر الشيخ ورئيس دير القديسة دميانة بالبرارى الراحل، بسيامتى فى مارس عام 2016."
والجدير بالذكر أن القس بنيامين تمت سيامته، وهو غير متزوج الأمر غير المعتاد فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
وسألت "الدستور" القس بنيامين عن قصة الـ60 أسرة مسيحية الذين يسكنون مدينة رأس البر، فروى: أن 44 من الـ60 أسرة ينتمون إلى عائلة واحدة ترجع جذورها إلى طما، بمحافظة سوهاج وهم أقرباء الأنبا فيلبس مطران الدقهلية ورئيس دير القديس مارجرجس بميت دمسيس وبلاد الشرقية، الذى رحل عن العالم فى عام 2001، والذى تحتضن جسده كاتدرائية السيدة العذراء مريم والملاك ميخائيل فى المنصورة.
وأوضح أن تلك الاسر جاءت بحثًا عن الرزق واستقرت واحدة تلو الاخرى فى مدينة رأس البر، وأن نأبهم (لقبهم) جميعهم "الحرفوش"، وأن خلال فترة خدمته بالمدينة شهد عمق المحبة والجدعنة بين الـ60 أسرة فإذا حدث شئ ما لأيٍ منهم يركض الباقون لتقديم المساعدة لبعضهم البعض.
ارتباط دائم بالكنيسة
والتقت الدستور عم أبو رياض "ناجح وديع رياض "الشهير بـ"ممدوح"، أحد كبار عائلة الحرافيش القبطية، بالمدينة، الذى قال: "جئت إلى رأس البر فى عام 1990، عقب تجوالى منذ كنت طالبًا فى المدرسة، بحثًا عن الرزق أثناء أجازة الصيف، وقومت بالعمل فى القاهرة والإسكندرية لفترة، وحين كبرت سافرت إلى العراق لمدة 3 أعوام، حتى وجدتُ فرصة للعمل فى تجارة الملابس على شواطئ مصيف، رأس البر، ومن هنا قررت أن أعيش بها صيفًا وشتاءً، وعلى مدار الأعوام انتقلت بقية الأسر من طما إلى هنا فى مدينة رأس البر، حتى بلغ عددنا 44 أسرة".
واستكمل كبير الحرافيش: "نتمتع جميعًا نحن الـ60 أسرة بجملتنا بمحبة كبيرة جميعنا لبعضنا البعض، وارتباط دائم بالكنيسة، وهذا بفضل تشجيع أبونا بنيامين راعى كنيستنا، حتى أنه خصص لنا قداسًا، يوم الإثنين من كل أسبوع، من الخامسة للسابعة صباحًا فى كنيسة السيدة العذراء، نظرًا لظروف عملنا الذى ينتهى فجر كل يوم."
وعن خدمات وانشطة الكنيسة، قال القس بنيامين تقيم كنيسة مارجرجس خدمات مدارس الأحد لأطفال إبتدائى، وفتيان وفتيات اعدادى وثانوى، والشباب الجامعى، بالإضافة إلى اجتماع خاص بالسيدات فى الصيف وآخر للرجال فى الشتاء.
وأضاف: "وقد أشترينا مؤخرًا ميكروباصًا لنقل الأسر القبطية أسبوعيًا من منازلهم إلى الكنيسة لحضور القداس، بجانب اقامة رحلات أسبوعية إلى دير القديسة دميانة للراهبات بالبرارى، وغيره من الأماكن المقدسة".
وتابع: "أما عن الأنشطة فقمنا بتوفير مساحة أعلى سطح كنيسة مارجرجس، لاكتشاف مواهب الاطفال وتنميتها، مثل الرسم والخط والكمبيوتر، ونبحث حاليًا عمن يعلمهم الموسيقى".
ندوات توعوية
واستطرد: "قمنا أيضًا بتنظيم ندوات توعوية عامة فى موضوعات حيوية، كضرورة ترشيد استهلاك المياه وأهمية المشاركة فى فعاليات الانتخابات والاستفتاءات، وتعتمد الكنيسة على تبرعات المقيمين برأس البر، وأيضًا المصيفيين الذين يزورون المدينة، من عام لآخر".
كما أشاد القس بنيامين بالافتقاد الرعوى، للأنبا ماركوس، للكنيسة وشعبها، الذى تم تجليسه أسقفًا منذ شهور لدمياط وكفر الشيخ والبرارى ورئيس دير القديسة دميانة، عقب رحيل الأنبا بيشوى.
وعن علاقة الكنيسة الارثوذكسية فى المدينة بالطوائف الأخرى والمسلمين، أوضح القس بنيامين أن المدينة تحتوي على كنيستين أرثوذكسيتين وهما "العذراء ومارجرجس" وبيت القديس منصور للأقباط الكاثوليك.
وأشار إلى عدم وجود أى طوائف أخرى بالمدينة، من بين الأقباط المقيمين بها، وأشاد بالعلاقة بين المسلمين والمسيحيين بالمدينة، لافتا أنه عندما يأتى وفود بأعداد كبيرة لزيارة الكنيسة ولا تسمح المساحة لاستضافتهم، يفتح الجيران المسلمون أبواب بيوتهم، لاستضافتهم، وأيضًا هناك تنسيق مع بيت القديس منصور الكاثوليكى لاستضافة الوفود التى تحتاج للمبيت لعدة أيام بالمدينة.