رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اللدغة القاتلة.. اختفاء أمصال الثعابين والعقارب يهدد أهالي القرى الجبلية

جريدة الدستور

خرج "أحمد" صاحب الخمس سنوات يلعب مع أصدقائه، بقرية عرب الأطاولة مركز الفتح بمحافظة أسيوط، لكن فجأة شعر بوخز في قدمه ولم يستطع الحراك بعدها، فانطلقوا مهرولين إلى الوحدة الصحية ليكتشفوا ما ألمّ به، ليكتشفوا أنها لدغة عقرب، لكن لسوء حظ الطفل فإن الوحدة لا يتوفر بها أي أمصال واقية لنجدة الطفل، ما نتج عنه وفاة الطفل.

النتيجة أن الأهالي تجمهروا أمام الوحدة الصحية وأشعلوا النيران فيها، ومنعوا موظفيها من الدخول لممارسة عملهم، وتم القبض على الأهالي لإثارتهم الشغب، لكنهم حصلوا على البراءة بعدما أصدرت محكمة جنايات أسيوط الدائرة 13 في القضية رقم 33722012 حكمها ببراءة 16 متهمًا، لصعوبة تحديد الفاعل دور كل متهم منهم.

حكاية "أحمد" هي واحدة من بين آلاف القصص التي تمتلئ بها القرى والمراكز التي تقترب من الجبال، خاصة محافظات الصعيد، وذلك في غياب رقابة وزارة الصحة، حيث تختفي الأمصال المضادة للعقارب والثعابين من الوحدات الصحية، وتتوفر فقط في المستشفيات العامة والمركزية، والتي يكون بعضها بعيدة عن قرية المصاب، فينتهي الأمر بانتقال روحه إلى بارئها.

رحلتنا التالية كانت إلى محافظة سوهاج، حيث قرية مشطا مركز طما، لنتقابل مع علاء حسن، الذي فارق طفله الحياة بسبب لدغة عقرب، وبعيون تملؤها الدموع؛ يتذكر معنا تفاصيل الواقعة التي بدأت بإصابة نجله صاحب الست سنوات بلدغة عقرب، فما كان منهم إلا أن هرولوا إلى مستشفى مشطا، والتي نقلته بدورها إلى مستشفى طما المركزي، ولم تتوافر بهما الأمصال المضادة اللازمة، فانتقلوا به إلى مستشفى أسيوط، وفوجئوا بغياب المصل عنها أيضًا، إلى أنه رزقهم الله بطبيب وجههم إلى العيادة الشاملة بأسيوط، وفيها تنفسوا الصعداء لأنهم وجدوا المصل، إلا أن الآوان قد فات لتأخرهم في الوقت، فتوفي الطفل بعد هبوط حاد في الدورة الدموية.

الدكتور ناجح محمود، أخصائي السموم، يوضح لـ"الدستور" أن لدغة العقرب تحتاج إلى إعطائه كمية مساوية للسم الذي اخترق جسد المصاب، وإلا يتعرض لهبوط حاد في الرئتين وعدم انتظام في ضربات القلب، لينتهي الأمر بالوفاة.

"كمال" كان قصتنا التالية في محافظة المنيا، قرية بني عبيد مركز أبو قرقاص، صاحب العشر سنوات، يساعد والده في أرضه الزراعية ليحمل عنه مشقاتها، وبسبب إجهاد اليوم الطويل لجأ إلى شجرة ليأخذ قيلولة صغيرة، لكن لم يمر سوى خمس دقائق حتى تحرك أسفله ثعبان ولدغه ليستيقظ صارخًا منها.

أسرع والده لينقله إلى الوحدة الصحية لتلقي المصل المضاد، إلا أنه فوجئ بعدم وجوده ونصحه الأطباء بنقله إلى المستشفى المركزي، فانطلق به الأب في سباق مع الزمن لكن لدغة الثعبان كانت أقوى وأسرع، حيث سرى السمّ في جسد الصغير حتى فارق الحياة.

ويعلق الدكتور كرم حامد، أخصائي سموم، أن الانتظار على لدغات الثعابين تؤدي إلى عدد من الأعراض منها شلل عضلات التنفس وثقل اللسان وصعوبة البلع، مؤكدًا أن تأثير لدغات الثعابين تكون تبعًا لحجم الثعبان نفسه ومدى سُميته.

وبسبب خطورة هذا الوضع، تقدم النائب ياسر سلومة، عضو مجلس النواب عن دائرة مركز إطسا بالفيوم، بطلب إحاطة بشأن عدم وجود مصل الثعبان والعقرب في الوحدات الصحية، باعتبار الفيوم واحدة من المحافظات القريبة من الجبال، وعدم وجود تلك الأمصال يعرض المواطنين للوفاة، في حين كان الرد من قبل ممثلو وزارة الصحة أن مصل الثعبان والعقرب متوفر في المستشفى المركزي ولا يتم توفيره في الوحدات الصحية.

وعبر الموقع الرسمي لها، وضعت منظمة الصحة العالمية الإجراءات التي تتخذها، في محاولة نشر لآلية والرقابة التنظيمية لمضادات السموم وسياسات توزيعها، فأطلقت أداتين للمساعدة على توجيه استحداث مضادات السموم المناسبة؛ الأولى هي دلائل إرشادية لإنتاج مضادات السموم وتنظيمها ومراقبتها، والثانية هي قاعدة بيانات إلكترونية تبيّن توزيع أنواع الثعابين السامة ذات الأهمية السريرية ومضادات السموم القائمة التي تمكّن من التصدي للدغاتها.