رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

موت بطيء.. مرضى "الوهن العضلي" يصارعون من أجل البقاء في ظل أزمة نقص الدواء

جريدة الدستور


* «محمد» توفي بعد شهر من اختفاء «الميستينون».. و«ميرفت» عانت من «نفقة الدولة».. و«عصمت» و«سارة» يحصلان عليه من دول عربية

* حسب الإحصائيات يوجد 8000 مريض بالوهن العضلي في مصر.. و2 مليون مريض عالميًا.. يصيب من 200 إلى 400 حالة لكل مليون مواطن.. والنساء الأقل من 40 عامًا أكثر عرضة للمرض

* جولة في السوق السوداء.. سعر العلبة 400 جنيه.. و«مصر للطيران» الوسيط بين مصر وأوروبا وأمريكا

* أستاذ مخ وأعصاب: المرض لا شفاء منه
َ
* الصيادلة: المرضى يسددون فاتورة تعويم الجنيه

* في الشركات.. «ميدا»: لا تعليق.. و«مالتي فارم»: لدينا فائض منه في مخازننا.. و«المصرية»: متوفر بـ369 جنيه للعلبة

* "الحق في الدواء" يتلقى شكاوى ووفيات من المرضى.. و"فاكسيرا" المسئول الجديد عن التوزيع

* السويد تستبدل الجهاز المناعي المتضرر بآخر سليم.. و"روسيا" تبتكر عقار يسري مفعوله 72 ساعة بلا آثار جانبية.. وفي الجزائر وتونس والعراق العلاج على نفقة الدولة

في إحدى غرف مستشفى قصر العيني الحكومي، ترقد سارة موسى، 25 عامًا، تصارع الموت من أجل البقاء، بعدما داهمها مرض نادر يُسمى بـ"الوهن العضلي" في منتصف عام 2013، مخمدًا كل عضلاتها وتحركاتها، فظلت على حالها منتظرة قرصًا واحدًا من دواء «الميستينون» - منشط للعضلات - الذي أصبح الحصول عليه في مصر دربًا من الخيال.

«سارة» ليست سوى ضحية ضمن آلالاف من المرضى، الذين سقطوا بين فكي الرحى، مرض فتاك يُخمد عضلات الجسد تباعًا، وأزمة دواء حادة ضربت القطاع الطبي في مصر خلال منتصف عام 2016؛ أدت إلى اختفاء كل الأدوية التي تنشط عضلات الجسد لمرضى «الوهن العضلي» المهددون بالموت بسبب اختفاء الدواء؛ وسط تجاهل تام من وزارة الصحة رغم وفاة 4 حالات إلى الآن، وفقًا للمركز المصري للحق في الدواء.

ومن «سارة» انتقلت «الدستور» لترصد معاناة 6 من مرضى الوهن العضلي بسبب نقص الأدوية المعالجة لهم في الصيدليات، والذين لا يستطيعون التحرك خطوة واحدة بدون الأقراص كل 4 ساعات، ولا يوجد بديلًا للدواء، وبيعه في السوق السوداء بأسعار مضاعفة، وذلك وسط إنكار من الجهات الطبية المتخصصة بوجود أي نقص في هذا الصنف الدوائي.

«محمد» توفي بعد شهر من اختفاء «المستينون»

لم يستطع محمد سعيد، 30 عامًا، الصمود أمام أزمة الدواء الحالية، إذ قضت عليه رغم تعايشه لأكثر من 10 أعوام مع المرض، وقتما كان "الميستينون" متوفرًا، إلا أن شُح الدواء خلال الفترة الأخيرة أدى إلى حدوث شلل تام في جميع عضلاته وعدم القدرة على الحركة حتى شُلّ تمامًا وأصابه العمى ثم انتقل إلى بارئه.

يحكي منصور حمدي، أحد أقاربه لـ«الدستور»: «المرض بدأ معاه من 10 سنين، وقتها كان الدواء متوفر، بمجرد ما بياخده عضلاته بترجع تتحرك تاني، بدأ الدواء ينقص وكنا بنلف عليه ونجيبه، لكن أصابته نكسة كبيرة مع أزمة الأدوية واختفاء الميستينون اللي يعتبر زي الميه والهواء للمريض".

يقول «منصور» إن صديقه كان يستعيض بدواء "البيستينون" المصري الذي كان ثمنه 9 جنيهات، عن «الميستينون» المستورد الذي يتعدى ثمنه الـ400 جنيهًا إلا أن شركة الأدوية المصرية توقفت عن إنتاجه لصالح المستورد، الذي لم يكن موجودًا بالأسواق من ارتفاع سعره.

ما هو الوهن العضلي؟

وفقًا لتعريف الجمعية الأمريكية للوهن العضلي، هو مرض عصبي نادر يصيب الجهاز المناعي والتنفسي والعضلات، فيُحدث لهم نوعًا من التذبذب والضعف بعد انتشار بكتيريا وأجسام مضادة تسمى "TrophyremaWhipplei" تهاجم الجسم وتسبب له ضعف ووهن شديدان.

وتقول منظمة الصحة العالمية، إن الوهن العضلي هو المرض الوحيد الذي تختلف أعراضه من شخص لآخر، فيحدث المرض بأشكال عدة، منها تدلي الجفون وتراخي عضلات العين، وضعف عضلات الجهاز التنفسي والمناعي والكثير من عضلات الجسد ككل، خاصة في منطقة الوجه والفم والبلعوم، وقد يتدهور الحال إلى أن يصاب الجسد بالتوقف الكامل، والمرض نادر الحدوث، ويتم علاجه بالمضادات الحيوية طويلة المدى أو المفعول وبعض العلاجات المنزلية، وقد يتم حجز الحالة في المستشفى وفقًا لخطورتها ودرجة تدهورها.

«ميرفت»: لم استطع الحصول على الدواء على نفقة الدولة لارتفاع سعره

في إحدى ليالي صيف 2015، أصيبت «ميرفت»، 23 عامًا، بالمرض، ومع اختفاء الدواء لجأت لعملية جراحية تسمى "فصل بلازما" تبلغ تكلفة الجلسة الواحدة نحو 6 آلاف جنيهًا، فاضطرت لإجرائها داخل مستشفى قصر العيني على نفقة الدولة، لتصاب بميكروب في الدم بسبب الإهمال الحاد، وعقب إجراء العملية بأسبوع واحد عادت نفس أعراض «الوهن» وكأنها لم تخضع للعملية.

هنا، علمت الفتاة أن المرض لا شفاء منه، فخضعت لأدوية الوهن العضلي التي تتكلف 50 ألف جنيه شهريًا، ولم تستطع الحصول عليها من نفقة الدولة لارتفاع سعرها، أو مستشفى القصر العيني لاختفاء الدواء في مصر، فباتت تنتظر منح الدواء التي تستعيرها هي وأصدقائها من دول العالم.

المرض المُتفشي في جسد "ميرفت" الضئيل، دفعها إلى ترك عملها كمُدرسة، لعدم قدرتها على بذل مجهود كبير أو الحديث لفترة طويلة، فحاولت الحصول على وظيفة حكومية غير مُجهدة من خلال شهادة الـ 5% التي توفرها الحكومة لأصحاب الأمراض المزمنة، لكنها وجدت باب وزارة التضامن موصدًا كالصحة، بعدما وعدها مكتب التأهيل المهني بالحصول على وظيفة منذ شهر يناير عام 2016 وإلى الآن لم تنالها.

8 آلاف مريض في مصر

في 2016، صدرت إحصائية عن جميعة «نزف الدم المصرية» أن مرضى الوهن العضلي في مصر يقدرون بحوالي 8 آلاف مريض، وحول العالم يوجد حوالي مليوني مريض وهن عضلي، إذ يصيب 200 حالة ضمن مليون فرد في العالم، وينتشر في الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية تحديدًا، وبشكل عام يصيب المرض من 200 إلى 400 حالة لكل مليون مواطن.


ياسمين: صيدلية وحيدة في المحافظة تبيعه بثمن السوق السوداء

ياسمين يحيي، 40 عامًا، إحدى قاطنات محافظة بورسعيد، أم لطفلين، أصيبت بمرض الوهن العضلي بشكل مفاجئ، فتقول: «ظهر بدون أسباب واضحة وللأسف أعراضه صعبة الاكتشاف والتشخيص، ففي البداية قد تصاب في عينيك وحين تذهب لطبيب العيون لا يستطيع التشخيص بأنه وهن عضلي ثم ينتشر في أجزاء أخرى من الجسم، لذا نعاني لفترة طويلة إلى حين الوصول إلى تشخيص هذا المرض وفترة أطول في العلاج».

تؤكد «ياسمين» أن العلاج غير متوفر في أغلب الأوقات، وفقط موجود بين الحين والآخر لفترة قصيرة، لذا تضطر لإحضاره من الإمارات من خلال أخيها الذي يرسله لها، ورغم أن سعر العلبة أغلى من تلك الموجودة في مصر، لكنها مجبرة على ذلك لأنها في حالة عدم تناوله «تموت»، حسبما أوضحت لـ«الدستور»، مشيرة إلى أن سعر العلبة في مصر لا يتخطى 120 جنيه بالنسبة للمستورد حسب آخر مرة قامت بشرائه من مصر.

وأكدت «ياسمين» أن قديمًا كان هناك المنتج المصري والمسمى «بينستون» لكن مفعوله غير مؤثر بدرجة كبيرة كما أنه لم يعد موجودًا وسعر علبته 375 جنيه، أما الذي أحضره من الإمارات فالعلبة منه تحتوي على 20 قرصًا وسعرها حوالي 750 جنيه، لافتة إلى وجود صيدليات تستغل أزمة نقص هذا الدواء فتوفره بكميات قليلة وبسعر مضاعف.

سارة: سعر السوق السوداء وصل 2000 جنيه للعلبة

سارة جادالله، 22 عامًا، إحدى قاطنات منطقة «المنيب» بالجيزة، بدأ معها المرض منذ سنتين بعد أن اكتشفت التشخيص الصحيح له بعد الوصول إلى حالة متأخرة، بعدها وصف لها الطبيب المعالج دواء «ميستنون» ليعينها على الحركة، وحدد لها جرعات 4 أقراص في حالة عدم تحركها من المنزل و6 أقراص إذا أرادت الخروج، وإذا لم تتناوله تظهر مشكلة في الكلام وفي حركة عضلات الوجه كالابتسامة وعدم القدرة على إغلاق العينين، كذلك في أصابع اليدين والقدم، ويصيبها ألم لا يحتمل، واصفة الدواء كـ«البنزين» الذي تتحرك به، ورغم نصيحة طبيبها بإجراء عملية جراحية إلا أنها رفضت لأن محصلتها ستكون صفر.

«سارة» تروي لـ «الدستور» أنها لم تجد الدواء سوى أول علبة اشترتها بـ 200 جنيه، بعدها واجه نقصًا شديدًا في الأسواق، ولم يتبق سوى أن أعتمد على والدي ليرسل لي الدواء من السعودية، وعبارة عن 150 قرص يكفيني لشهر أو شهر ونصف على أقصى تقدير، فالدواء إذا توفر في مصر سيكون فقط 20 قرصًا، مشيرة إلى أنه متواجد فقط في السوق السوداء التي وصلت الأسعار فيها حسبما حاولت إحضاره منذ فترة قريبة إلى 2000 جنيه.

بعد جولة لـ «الدستور» في السوق السوداء.. سعر العلبة 400 جنيه و«مصر للطيران» الوسيط بين مصر وأوروبا وأمريكا

في منشية البكري بمصر الجديدة، دخلت محررة «الدستور» صيدلية «م» للسؤال عن دواء الوهن العضلي، فأخبرها الصيدلي: «هذه الأقراص لا تتوافر لدي في الوقت الحالي، لكن انتظري قليلًا ريثما أُجري اتصالًا هاتفيًا مع أحد الموردين لنا»، وبالفعل لم تمر سوى ثوانٍ معدودة حتى عاد ليخبرنا أنه سيوفر في اليوم التالي الكمية التي تطلبها، وسيكون سعر العلبة 400 جنيه، وبسؤاله عن كيفية إحضاره لنا رغم أنه يواجه نقصًا في السوق، أخبرنا أن هناك طيار بمصر للطيران يتعاون مع أسماء معينة من الصيدليات التي لها فروع في كثير من المحافظات ويحضر لنا هذا الدواء من أمريكا أو أوروبا، فمن أمريكا يحاسبنا على ثمنه بالدولار، أما من أوروبا يحاسبنا بسعر اليورو، وفقط ما عليك سوى ترك عربون من المبلغ ثم يحضره في اليوم التالي.


"عصمت" يحصل على "الميستيتون" من سوريا والعراق

الغريب في الأمر، أن دول النزاع التي تعيش تحت وطأة الحروب مثل سوريا والعراق، أنقذت الكثير من مرضى الوهن العضلي في مصر، وفقًا لـ"عصمت عامر"، 36 عامًا، أحد أصحاب ذلك المرض النادر، الذي أصابه عام 2010، وكلفه آلالاف الجنيهات للعلاج، بعدما حاول إجراء عملية جراحية في مستشفى القصر العيني، إلا أن أطبائه حذروه من إهمال المستشفى الذي قد يسبب له نوعًا من التلوث يقضي عليه.

5 جلسات فصل «بلازما» خضع لها «عصمت» على نفقته الخاصة كلفته أكثر من 50 ألف جنيه، سار من بعدها على دواء «الميستيتون» الذي لا يفارقه، ويرسله له بعض أصدقاؤه بالخارج منذ تعويم الجنيه، وتصيبه كل فترة هجمات تعوقه عن الحركة والتنفس والبلع.

عصمت أكد لـ«الدستور» أن أزمة الأدوية التي ضربت مصر، دفعته للحصول على الدواء من بعض أصدقائه في سوريا والعراق، نظرًا لأن «الميستيون» متوفر في دول الحروب عن مصر، بل ويتم صرفه مجانًا على نفقة الدولة.

أستاذ مخ وأعصاب: المرض لا شفاء منه

يقول الدكتور حمدي النبوي، أستاذ المخ والأعصاب بجامعة القاهرة، إن العلم لم يتوصل إلى دواء يُشفي تمامًا من المرض، مشيرًا إلى أن قرص "الميستينون" لا يقوم إلا بتنشيط العضلات فقط وإعطائها دفعة للحركة، موضحًا أن المرض يبدأ من خلال بكتيريا تصيب العضلات بالتهاب وتضعف الجهاز المناعي، تؤدي إلى صعوبة في الحركة وعدم القدرة على القيام بأي مهام، ويحتاج إلى دواء مرتفع السعر، وجلسات فصل بلازما للدم تحتاج إلى وقت طويل لصدور القرار الخاص بها.

وحدثنا الدكتور أحمد زاهر، أستاذ جراحات المخ والأعصاب بجامعة المنصورة، أن الوهن العضلي، هو مجموعة من الأمراض الموروثة التي تؤثر على العضلات تدريجيًا، ويوجد أكثر من 50 نوعًا، حسب البروتين أو الإنزيم المتضرر الذي يفتقر إليه الجسم.

ويبين "زاهر"، في تصريحاته لـ"الدستور"، أن السبب فيه هو وجود خلل كبير في أحد الجينات المسئول عن البروتينات التي تعمل على تقوية العضلات، إذ يظهر هذ الخلل في سن مبكر أو في مرحلة متأخرة من العمر حسب حجم النقص في هذا البروتين ووظيفته في العضلة.

ويوضح أستاذ جراحات المخ، أن ذلك المرض يعمل على تضرر قدرة العضلات على الاستجابة للإشارات التي تصل إليها من أطراف الخلايا العصبية، مشيرًا إلى أنه مرض نادر الحدوث، لا يصيب إلا نسبة ضئيلة جدًا من الناس، وقد تحدث الإصابة به في أية مرحلة من العمر، إلا أنه ينتشر كثيرًا بين النساء في الأجيال ما بين 20 و40 عامًا، ولدى الرجال فوق سن الـ50.

ويعرفه بأنه مرض مناعة ذاتية، يقوم الجهاز المناعي في الجسم، بمهاجمة نفسه في مثل هذه الحالات، يحدد الجهاز المناعي بعض خلايا الجسم على أنها عناصر غريبة خارجية وينتج أجسام مضادة لها.

ويؤكد أنه خلال ساعات النهار تبدأ أعراض الوهن العضلي بالتفاقم والاشتداد، نتيجة للاستخدام الكثير للعضلات خلال النهار، بل أن الكثيرين من المرضى سرعان ما يشعرون بالتعب المتراكم والآلام الحادة مع اقتراب انتهاء النهار في بعض الحالات الشاذة والحادة، من الممكن أن يؤثر المرض على العضلات المسؤولة عن التنفس، مما يستدعي الحاجة إلى الاستعانة بآلات طبية للمساعدة في عملية التنفس.

الصيادلة: الصحة جزء من المنظومة المتسببة في الأزمة

«المتهم الرئيسي في الأمر برمته هي وزارة الصحة، التي غلَّبَت الصالح الاقتصادي عن الاجتماعي»، وفقًا للدكتور صبري الطويلة، رئيس لجنة صناعة الدواء بنقابة الصيادلة، الذي أكد في تصريحات خاصة لـ«الدستور»، أن معظم المرضى الذين يحتاجون لأصناف دوائية حيوية هم من دفعوا ثمن تعويم الجنيه ورفع سعر الدواء مرتين في أقل من 6 أشهر.

وأوضح «الطويلة» أن تلك الأدوية يتم استيرادها من الخارج، وعمليتا الاستيراد والتصدير أصابهما الركود منذ قرار التعويم الأخير، في الوقت الذي لا تمتلك فيه وزارة الصحة صناعات خاصة وحقيقية للأدوية الحساسة والطارئة، تستطيع توفيرها في الأسواق وقت الأزمات مثل دواء «الميستينون» لمرضى الوهن العضلي.

وأكد أن هناك قرارات ووعود عدة أطلقتها الوزارة ولم تنفذ، ما يعد نوعًا من اللعب بمصائر المرضى، لافتًا إلى أن الوزارة جزء من المنظومة المتسببة في الأزمة، والتي يشارك فيها الوكلاء لأنهم المسؤولين عن الاستيراد ومن ثَمّ التوزيع العادل.


شبعة الأدوية: خلافات بين الشركات ضحيتها المريض

أكد علي عوف، رئيس شعبة الأدوية بالغرفة التجارية، أن تلك الأزمة بدأت ولازالت مستمرة منذ أكثر من ثلاثة أشهر، موضحًا أن المستينون المستورد هو الدواء الأصلي وبداية الأزمة كانت منه.

وأوضح "عوف"، في تصريحاته لـ"الدستور"، أن العبوة التي كانت تأتي إلى مصر مستوردة كان سعرها في البداية 190 جنيهًا لـ60 كبسولة، ثم زاد وأصبح 369 جنيهًا، ووصل حجم الاستهلاك الشهري منه نحو 8 آلاف جنيهًا؛ لكون مريض الوهن العضلي لا يتسغنى عنه ولا يستطيع الحركة بدونه.


أكد "عوف" أن تأخر الشركة المصدرة إلى مصر في توريد الشحنة، بسبب سوء التخطيط وزيادة معدل السحب، هو سبب الأزمة الرئيسي، وأن البديل المصري منه تنتجه شركة الأسكندرية التابعة للشركة القابضة، لكنه يعاني نقص أيضًا بسبب نقص المادة الخامة وعدم وجود أموال أو ميزانية لشرائها بسبب الأزمات المالية التي تعاني منها الشركة القابضة.

وبحسب رئيس شعبة الأدوية، فإن "الميستينون" موجود في مكتب الشكاوى الخاصة بالشركة المصرية لتجارة الأدوية، وصيدليات الإسعاف بسعر 36 جنيهًا للعلبة الواحدة، واعدًا بإن المريض الذي لا يجد الدواء يتصل به ليوفره له.

وأوضح أن الشركة الأجنبية التي يتم استيراد الدواء منها عن طريق وكيل مصري كان الشركة المصرية لتجارة الأدوية، إلا أن الشركة الأجنبية نقلت إلى وكيل مصري أخرى، والذي أخذ شحنة الدواء إلا أنه لم يقم بتوزيعه على صيدليات الشركة المصرية، مبينًا أن وزارة الصحة ألزمت الوكيل الجديد بالتوزيع على الصيدليات المصرية لحل الأزمة في القريب العاجل.

واختتم حديثه معنا بمطالبة أي مريض يواجه مشكلة في الوصول إلى الدواء بالتواصل معه شخصيًا في أي وقت من خلال رقم هاتفه المتاح لدى "الدستور".

الحق في الدواء يتلقى شكاوى ووفيات من المرضى.. و"فاكسيرا" المسئول الجديد عن التوزيع

على النقيض، الدكتور محمد عز العرب، نائب رئيس مركز الحق في الدواء، أكد أن هناك بالفعل شكاوى تلقاها مركز الحق في الدواء، بخصوص نقص واختفاء دواء "الميستينون" المستورد والمصري في الصيدليات بمعظم المناطق.

وأشار "عز العرب"، في تصريحاته لـ "الدستور"، إلى أن معظم الحالات التي جاءت إلى المركز كانت شكاوى من النقص وليس وفيات، مبينًا أنه دواء مهم لكل مرضى الوهن العضلي ولا يستطيع أي مريض الحركة بدونه أو الاستغناء عنه، فضلًا عن عدم وجود بدائل له.

وأضاف، أن الأزمة إدارية في معظم الشركات المصدرة للدواء، مبينًا أنه ليس الدواء الوحيد الذي يعاني من النقص في السوق الدوائية، لكن كل فترة يحدث ذلك بناء على العرض والطلب واحتياجات السوق.

وشدد على أن الدواء له سعر رسمي مسجل به، وأي صيدلية ترفع سعره تُسأل عن ذلك، لكنه كغيره من الأدوية تتعرض لأزمات، ويبدأ البعض بيعها في أماكن مختلفة وبأسعار تختلف عن السعر الرسمي المسجل.

مواجهة مع الشركات المصنعة والموردة..

«ميدا»: لا تعليق.. و«مالتي فارم»: لدينا فائض منه في مخازننا.. و«المصرية»: متوفر بـ 369 جنيه للعلبة

بعد دورة بحثية، وجدنا أن الشركة المصنعة لهذا الدواء تسمى «ميدا» المقر الأم لها في المملكة العربية السعودية أما الفرع الآخر منها في مصر، حاولنا التواصل معها من خلال الإيميل الرسمي لها الذي وضعته على الموقع الرسمي لها للتواصل أو الاستفسارات، لمعرفة سبب نقص هذا الدواء بين الحين والآخر، لكن حتى الدقائق الأخيرة لنشر التحقيق لم نتلقَ أي رد منها.

أما الشركات المسئولة عنه في مصر، فهما شركتي «مالتي فارم» والشركة المصرية لتجارة الأدوية، وحاولنا التواصل أيضًا مع كل منها، فأما «مالتي فارم»، فتواصل معنا الدكتور أسامة طه، مدير قسم الاستيراد بالشركة، فأكد أنه لا يوجد نقص في دواء "ميستينون" المستورد، أما الدواء المحلي المسمى "البيستينون" فربما يكون غير متوافر، مشيرًا إلى أن الدواء المستورد تم منح 2000 علبة منه للشركة المصرية للأدوية منذ 3 أسابيع، وبيع منها حوالي 1600 علبة، ولدينا فائض في مخازننا منه بالتالي لا أزمة في تواجده بالأسواق.


وأوضح "طه" أن المشكلة في المريض نفسه، لأنه حين يجده متوفرًا فإنه يشتري بكميات لتخزينه، بالتالي يصبح هناك تكدس دوائي لديه، الأمر الذي يخلق الأزمة.

أما الشركة المصرية، فلم نجد تواصلًا سوى من خلال خدمة العملاء التي أكدت أن الدواء متوفر في منطقتي وسط البلد - في صيدلية الإسعاف وباب اللوق وطلعت حرب - وشبرا في صيدلية الشكاوي، وسعره 369 جنيه بالكمية التي يريدها المريض، وهو ما تأكدت منه محررتا "الدستور" خلال زيارة لهما إلى صيدلية الإسعاف.

طلبات إحاطة ضد الصحة: "فين الدواء؟"

سبق وأن طالب النائب مصطفى الجندي، عضو مجلس النواب، الدكتورة هالة زايد، وزير الصحة والسكان، بالاهتمام بمرضى ضمور العضلات وحل أزمة الدواء، مؤكدًا أن هؤلاء المرضى يعانون أشد المعاناة بسبب الإهمال الحكومي لهم وعدم تنفيذ وتجاهل الوعود التي حصلوا عليها في السابق والمتمثلة في إنشاء مركز لهم على أرض معهد شلل الأطفال.

وقال "الجندي" إن وعود الحكومة لهم بتوفير العلاج لم تتحقق، كما أنه لا يوجد أى نوع من الأدوية المعالجة لهذا المرض داخل مصر، فهم يتناولون الفيتامينات لبناء العضلات فقط، وهي أيضًا لم تعد موجودة بسبب أزمة الدواء وغلاء أسعاره.

وحذر الحكومة من استمرار تجاهلها لهؤلاء المواطنين المصابين بهذا المرض والذين يتعرضون للموت المبكر ببلوغ سن الثلاثين، مشيرًا إلى أن عدد مرضى ضمور العضلات في مصر حوالي 950 ألف مصاب، بحسب نسبة منظمة الصحة العالمية.

وقال: "الحكومة لا تعترف بهم كأشخاص أصحاء ولا من ذوي الاحتياجات الخاصة ولا كمرضى، وكانت النتيجة رفض علاجهم على نفقة الدولة، الأمر الذي يستلزم توفير مركز لهم في جميع محافظات الجمهورية، وأن يضم كل مستشفى قسمًا خاصًا بهذا النوع من المرض".

الصحة تعلن إتفاقيات مع الشركات الموردة لحل لأزمة

وتحدثت الدكتورة هالة زايد، وزير الصحة والسكان، في تصريح سابق لها لـ"الدستور"، عن تلك الأزمة مبينة أن الوزارة وقعت اتفاقية مع الشركة الموردة لعلاج مرضى ضمور العضلات، للسماح لها بدخول السوق المصري مقابل تحمل تكلفة علاج 50% من المرضى المصريين.

وأوضحت الوزيرة أن عدد مرضى ضمور العضلات لا يزيد عن 1500 مريض، لكن علاجه باهظ الثمن، وتبلغ ثمن الحقنة الواحدة 750 ألف يورو، مبينة أن إدارة الصيدلة بوزارة الصحة بدأت التفاوض مع الشركة المنتجة للعلاج، بعد أن حصلت على موافقة هيئة الغذاء والدواء الأمريكية ‪FDA‬ للسماح لها بالترخيص السريع للدواء في مصر مقابل تحمل 50% من قيمة علاج مرضى الضمور في مصر.

طُرق العلاج حول العالم..

بعيدًا عن مصر، فمرض الوهن العضلي يلقى اهتمامًا في دول العالم، ففي السويد استطاع فريق من العلماء في إحدى المستشفيات الحكومية بمدينة "أوبسالا"، إنتاج طريقة جديدة لعلاج مرض الوهن العضلي عام 2014، من خلال استبدال الجهاز المناعي المتضرر بآخر سليم عن طريق زرع خلايا جذعية للمريض، إذ يوجد نحو 2000 مريض بالوهن في السويد.

وفي روسيا، ابتكر علماء الأحياء من جامعة "قازان" دواءً جديدًا قادرًا على وقف الوهن العضلي دون أن يكون له آثار جانبية قوية كالأدوية المستخدمة حاليًا، حيث ابتكروا جزيئًا جديدًا "C-547"، يمكنه كبح نشاط إنزيم "AChE"، ويتعامل هذا الجزيء مع ذاك الأنزيم فقط، ولا يعرقل عمل الإنزيمات الأخرى التي تتحكم بعمل الأمعاء والمثانة، وتم اختبار هذا الدواء على فئران التجارب وكانت نتائجه إيجابية، ويستمر مفعوله لأكثر من 72 ساعة.

وفي الجزائر، هناك جمعية تسمى «تحد وأمل» مهتمة بمرضى الوهن العضلي، وتقدم لهم العلاج اللازم والدعم النفسي والمعنوي، وهناك جمعية أخرى في ليبيا تسمى «مرضى الوهن العضلي»، و‎هي مؤسسة مدنية تختص بجميع المشكلات التي يعاني منها أصحاب هذا المرض، أما في الجزائر وتونس والعراق، فيتم علاج مريض الوهن العضلي على نفقة الدولة، التي تتكفل بتوفير الدواء اللازم له.

النشرة الداخلية للدواء

واطلعت محررة "الدستور" على النشرة الداخلية للدواء، فوجدت أنه من موانع استخدامه إذا كان لدى المريض حساسية من مادة "البيريدوستيغمين" يجب إبلاغ الطبيب حول إصابات الطفح الجلدي أو الحكة الجلدية وضيق الصدر السعال وتورم اللسان والوجه والشفتين، كذلك إذا كان المريض يعاني من الانسداد المعوي أو انسداد المسالك البولية، أيضًا إذا ظهرت على المريض أعراض مثل: ضعف العضلات والتقلصات الشديدة، بطء في معدل ضربات القلب، الصداع الشديد والدوار.