رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الصديقان.. سعيد شيمي يخص الدستور بأسرار كتابه الجديد عن عاطف الطيب

جريدة الدستور

كان يصور 18 ساعة فى اليوم وطلبت منه الراحة بسبب مرضه فقال: «العمر قصير»
بكى بسبب نقد فيلمه الأول «الغيرة القاتلة» وصعب على بشير الديك فكتب له «سواق الأتوبيس»


مثل كاميراه الشهيرة التى تملك ذاكرة تختزن صورًا للأماكن والأشخاص والمشاعر، يملك المصور سعيد شيمى ذاكرة ثرية التقطت على مدى سنوات طويلة صورًا لمشاهد الفرح والحزن لرفاق الدرب، وبينهم كبار المخرجين الراحلين الذى أثروا السينما المصرية بعدد من أعظم الأعمال، ما جعله يبدأ مشروع الكتابة عنهم، وتأريخ جزء مجهول فى حياتهم. فعلى غرار كتابيه، اللذين صدرا العامين الماضيين عن صديقه المخرج الكبير محمد خان، يصدر «شيمى»، خلال شهر من الآن كتابًا جديدًا، يكشف فيه فصولًا من حياة المخرج عاطف الطيب، الذى بدأت علاقته به فى فترة الدراسة، وامتدت إلى أن عملا معًا فى ٨ أفلام مختلفة. فى السطور التالية يختص المصور السينمائى الكبير «الدستور» بالحديث عن الكتاب واسترجاع بعض من ذكرياته الكثيرة مع «الطيب».


■ كيف جاءت فكرة كتابك عن عاطف الطيب؟
- كنت أحضر ندوة مع بعض الأصدقاء عن «حرافيش» نجيب محفوظ فى دار نشر وليدة اسمها «الهالة»، حيث أعجبنى الجو، وتعرفت على صاحبتها هالة البشبيشى، والتى دعتنى لمناقشة كتابى «رسائل محمد خان». وفى سياق الحديث أخبرتها عن رغبتى فى إقامة معرض صور عنه، فطلبت منى تنظيمه فى مقر الدار، ففعلت ونجح المعرض.
وقتها كنت أفكر فى نشر كتاب جديد حول المخرج عاطف الطيب، فعرضت عليها الفكرة فرحبت، لذا عملت على الكتاب الذى سيطرح فى الأسواق خلال شهر، وأعتقد أنه سيحقق رد فعل جيدًا، لأن السوق المصرية تحتاج لمثل هذه الكتب.
■ كيف بدأت علاقتك بالمخرج عاطف الطيب؟
- تعرفت على عاطف الطيب عندما كان زميلًا لى فى معهد السينما، والحقيقة أن أحدًا لم يتنبأ وقتها أنه سيكون بهذه العبقرية فى الإخراج، ولم يكن هناك ما يبشر بذلك. وبعد تخرجه دخل «الطيب» الجيش فى فترة التجنيد، وهناك أخرج فيلمًا اسمه «جريدة الصباح»، وكان يدور حول التناقض بين القوات المتواجدة على الجبهة أثناء حرب الاستنزاف، وتصرف بعض سكان القاهرة الذين يعيشون حياة اللهو والرقص.
بعد ذلك أخرج فيلمًا آخر مع شادى عبدالسلام الذى كان وقتها يشغل منصب مدير مركز الأفلام التجريبية بوزارة الثقافة، ويهتم بمنح الفرصة لبعض الشباب الموهوبين لتنفيذ ما يريدونه، وهو فيلم «مقايضة» الذى يدور حول مزارع من الأقصر ينزل إلى السوق ليشترى راديو «ترانزستور»، ويرصد التغيرات التى تطرأ على حياته بعد الحصول على هذا الراديو.
■ ماذا عن اللقاء الأول بينكما فى العمل؟
- بعد الجيش، عمل «الطيب» مساعد مخرج مع يوسف شاهين، والتقينا وقتها وكنت أصور أحد الأفلام فى الإسكندرية، وطلب منى العمل معه لتنفيذ سيناريو بعنوان «الغيرة القاتلة»، كان مأخوذًا عن مسرحية «عطيل» لشكسبير.
لكن السيناريو لم يعجبنى فأخبرته بذلك، وقلت له إن السيناريو ضعيف جدًا، فقال لى: «الفيلم من إنتاجى ونور الشريف ونورا ويحيى الفخرانى موافقون عليه، وأنا من خلال الفيلم عايز أقول إنى مخرج حقيقى». وبالفعل عملنا معًا فى الفيلم، وفى اليوم الثالث للتصوير أدركت أننى أمام مخرج كبير جدًا، فقد كانت له شخصية مختلفة فى الإدارة، وكان توجيهه ممتازًا لكل فريق العمل. وفى ذلك الوقت، كانت لدىّ «شلة» من الأصدقاء أطلق عليهم اسم «العصابة»، وتضم كلًا من محمد خان وبشير الديك ونادية شكرى وآخرين، فلما حكيت لهم عن «الطيب» وإخراجه طلبوا رؤيته، ومن بعدها أصبح واحدًا من «الشلة».
■ هل نجح فيلمكما الأول؟
- لا، بل فشل بشكل ذريع، وكان الناقد سمير فريد قاسيًا جدًا عليه، وكتب فيه مقالًا بشعًا للدرجة التى أبكت عاطف الطيب فعلًا، وكنت وقتها فى كندا لتصوير فيلم «المجهول» مع المخرج أشرف فهمى، ولما عدت وجدت مفاجأة غريبة.
فبسبب ما حدث، قرر السيناريست بشير الديك والمخرج محمد خان كتابة سيناريو خاص لعاطف الطيب حتى يخرجه، لأنه «صعب عليهم»، وكان اسمه «حطّامة القيود»، والذى تطور بعد ذلك إلى فيلم «سواق الأتوبيس»، وشهد تألق «الطيب» أو بمعنى أدق ولادته من جديد، وبعد عرضه أشاد سمير فريد بـ«الطيب» وقال عنه إنه واحد من المخرجين العظام وهو ما ظل عليه حتى وفاته.
■ كنت قريبًا من «الطيب» فى مرضه.. فهل تتذكر هذه اللحظات؟
- عملت مع عاطف الطيب فى ٨ أفلام، وكان مفترضًا أن تكون ١٠، وحين كنا نصور فيلم «الحب فوق هضبة الهرم» بموقع تصوير فى إحدى العمارات بميدان الجيزة، شرح لى «عاطف» أحد المشاهد ثم قال لى: «هات لى كرسى»، فنظرت إليه ووجدت لونه أصفر، وقبل أن آتيه بالكرسى وقع مغشيًا عليه.
ومن حسن الحظ أن العمارة كانت مليئة بالأطباء، فحملناه للطبيب الذى قال له: «إنت عندك لغط فى القلب»، وهى مشكلة تأتى من الإجهاد والإهمال فى العلاج، وبعدها قرر «الطيب» أن يكمل التصوير، كما طلب منى عدم التحدث فى مسألة مرضه حتى لا يرفض المنتجون التعامل معه. وبالفعل أكملنا التصوير وراح يعمل بكثافة أكثر عن ذى قبل، حتى وصل الأمر أحيانًا للعمل لمدة ١٨ ساعة يوميًا، وحين تكلمت معه فى ذلك قال لى: «العمر قصير».
وأذكر أننا كنا نصور أحد مشاهد فيلم «كتيبة الإعدام»، وانتهينا فى الثالثة صباحًا، فطلب منا أن نعود لموقع التصوير فى الثامنة صباحًا، فقلت له: «إن كنت عاوز تموت فإحنا مش عاوزين نموت»، وحين لاحظ لهجتى وحدّتى قال لى: «خلاص خليها الساعة ١٠ الصبح».
■ هل كان يتعامل بمثل هذه الحدة مع الممثلين؟
- لا، فطوال رحلتى مع عاطف الطيب لم أشاهده يختلف مع أى من الممثلين، بل كانت له نظرة فى التعامل معهم، وأذكر أننا كنا نصور فيلم «ضد الحكومة» فقال لى: «أنا هاجيب لبلبة تلعب الدور»، فقلت له: «لبلبة خفيفة»، فقال لى: «هاتشوفها بشكل تانى خالص» وهو ما حدث بالفعل، وتكرر أيضًا فى فيلم «ليلة ساخنة».
■ تعاملت مع عدد كبير من المخرجين.. فما أهم الفوارق بينهم؟
- عملت مع نحو ٤٠ مخرجًا وصورت نحو ١٠٨ أفلام، وكان كل ما يشغلنى فى التعامل معهم، فهم هدفهم وثقافتهم واتجاهاتهم حتى أتواءم معهم كمصور، من أجل نقل المكتوب على الورق إلى الشاشة.
ووفقًا لخبرتى يمكن تصنيفهم إلى ٣ أنواع: مخرجين جيدين ومتوسطين وأشخاص لا يصح أن يكونوا مخرجين من الأساس، والمخرج الجيد هو من يطوع إمكانياته السينمائية لخدمة الدراما، والمتوسط من يفعل هذا ولكن ليس بقوة، أما النوع الثالث فهو الذى يتعامل مع الكاميرا مثل خشبة المسرح، أى أنها تنقل فقط، وعلى العموم أعتبر نفسى محظوظًا لأنى عملت مع مخرجين عظماء يحبون السينما.
■ فى أى شىء يختلف المخرج الكبير عن غيره؟
- المخرج هو سيد الموقف، وحين يتخلى عن ذلك لا يكون مخرجًا، فالمخرج الكبير مثل عاطف الطيب أو على عبدالخالق أو محمد خان يرى كل شىء، ويمنع الممثل من فرض رأيه أو لى ذراعه، وهو ما يحدث مع المخرجين الضعفاء.
فمثلًا فى فيلم «فتاة المصنع»، كان «خان» متفقًا مع الفنانة روبى للقيام بالبطولة لا ياسمين رئيس، وبدأت معه البروفات بالفعل، لكنها اتفقت على بطولة فيلم آخر وقالت له إنها ستنسق فى الأوقات بين تصوير الفيلمين وهو ما رفضه «خان»، فما كان منه إلا أن قال لها: «إما معى أو لا»، وبعدها جاء بـ«ياسمين» لتنفذ الدور فى أول بطولة لها ونجح بالفعل.
■ وفقًا لخبرتك.. إلى أى مدى يلعب المصور دورًا فى صياغة مشاهد الفيلم؟
- العلاقة تكاملية بين رؤية المصور والمخرج والسيناريو، فعند القراءة يتكون لدى المخرج أو المصور نوع من الخيال حول الرؤية البصرية للفيلم، والتى تختلف باختلاف طبيعته. فالأكشن يختلف عن الكوميدى ويختلف عن الفانتازيا.
وعلى العموم من يعمل بالتصوير يجب أن يتعلم ٥ أشياء أساسية هى: التقنية والضوء والعدسات والتكوين والألوان والحركة، فهذه عناصر الحرفة التى يمكنها أن تصنع الإحساس بالكآبة أو البهجة، ولا يمكن إهمال أى منها.
وبعدها يجلس المصور مع المخرج للاتفاق حول الرؤية المبدئية، وهو أمر قد ننحرف عنه قليلًا أثناء التصوير، وإذا حدث خلاف بين مدير التصوير والمخرج، فالكلمة تكون للمخرج طبعًا، لأنه المسئول الوحيد عن الرؤية الكاملة.
■ فى النهاية.. ما الجديد الذى تعمل عليه حاليًا؟
- أعمل على كتابة الجزء الثالث من خطابات محمد خان، الذى يحمل عنوان «مصرى للنخاع»، لأكمل فيه مسيرته وسيرته كما كان يتمنى قبل موته، وأتحدث عن فترة مجيئه إلى مصر وحتى وفاته فيها، كما أرصد أيضًا تجربتى معه فى بعض الأفلام، وأشرح لماذا لم نعمل معًا بعد فيلم «الحريف».
وأروى فى هذا الجزء بعض المواقف الخاصة به، منها ما حدث فى فيلم «الحريف» الذى كان مقررًا أن يلعب بطولته الفنان أحمد زكى، وحينها طلب منه «خان» أن يقص شعره بطريقة معينة كى تناسب الشخصية، لكنه وجده فى اليوم التالى كما هو فقال له: «إنت كده مش عايز تعمل الفيلم»، وبعدها كلم عادل إمام وأسند إليه البطولة. كما أروى أيضًا قصة فيلم «موعد على العشاء» الذى قام ببطولته أحمد زكى وحسين فهمى وسعاد حسنى، والذى بدأ بالصدفة بعدما وجد «خان» خبرًا فى إحدى الجرائد يتحدث عن امرأة سممت طعام زوجها وماتا معًا، وهو ما حملته قصة الفيلم.
■ كنت أول مصور مصرى يعمل تحت الماء.. ما الذى دفعك لذلك؟
- كنت فى سيناء أصور فيلم «إعدام ميت» مع المخرج الكبير على عبدالخالق، وهناك رأيت الغواصين تحت الماء، وغصت بنفسى وشاهدت بعض المناظر العظيمة للشعاب المرجانية، وتذكرت مشاهد لأحد المخرجين الأمريكان، وكان يعمل بهذه التقنية، فبدأت فى تعلمها وتعلمت الغوص. وبعدها صورت فيلم «الطريق إلى إيلات» الذى كان يهمنى فيه أن أظهر بطولة أبطال الضفادع البشرية، لأنى أحب الأفلام التى تخلد مثل هذه البطولات عن حرب أكتوبر والاستنزاف وغيرهما.