رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نوبة صحيان



المتتبع للأحداث العالمية، يكتشف وبسهولة، الهزات العنيفة التى تؤدى إلى جرائم جماعية مثل: الهجوم الدامى على المصلين فى المساجد أو الكنائس، وكأن دور العبادة المسبب الرئيسى للأزمات المجتمعية والتدهور الثقافى والتعليمى، وفى المقدمة الجانب الروحى، وكأن دور العبادة هى التى اغتصبت فرص العمل، وأهملت تنقية المناهج التعليمية، وبالتالى تدهورت دور العلاج والاستشفاء.
لقد كتب الدكتور عيسى بن حمد مدير وحدة الأمن المجتمعى بالمملكة العربية السعودية: «الأمن لا يزال محورًا أساسيًا فى حياة الإنسان وفى تفكيره سواء كان ذلك على مستوى الفرد أو الجماعة أو الدولة، كما يعتبر الأمن هو المسئولية الأولى فى حياة أى مجتمع، والمؤثر الأساسى فى ترسيخ وتوطيد دعائم استمرار المجتمع وتطوره وازدهاره، وبدون تحقيق هذه البديهيات لا يعتبر مسلك الإنسان سويًا.. وإن أمن الأوطان لهو من أعظم النعم التى تفضل الله بها على الإنسان، وبدونها لا يعتبر سلوك الإنسان سويًا».
ما سبق يجعلنا نوضح أنه لكى تتحقق الغاية من وجود الإنسان كعضو فى جماعة أكبر، أى شريك فى صياغة وصيانة المجتمع الذى ينتمى إليه، فلا بد من المحافظة على توازن المنافع واقتسامها بين سائر المواطنين، بل وأيضًا غير المواطنين «فمنهم من وفد للتعلم أو تعليم الصغار والكبار»، وهذه وغيرها الكثير من الفرص التى يستفيد منها الجميع فى تبادل المنافع، فهكذا سارت الإنسانية وتقدمت حيث الكل منتفع، سواء من يقدم الخدمة أو من يتلقاها، وهكذا سارت وتسير الأمم كما نقول فى تعبيراتنا «كل شىء أخذ وعطاء».
ويتفق العديد من الخبراء مثل «عيسى» بأن المجتمعات المعاصرة يحيط بها الخوف وعدم الأمان من كل جانب، فعلى الرغم مما حققته البشرية من تقدم فى مجال الأمن، فإنه أصبح عامل الأمن يمثل هاجسًا مقلقًا.. وقد تابع جميعنا تلك التغيرات الهائلة التى حدثت على مدى الجيلين الماضيين فيما يتعلق بمفهوم الأمن والاستقرار والترابط المجتمعى.. ورغم كل ذلك، فإن ظاهرة الفردية والانعزالية أصبحت الطابع الأكثر شيوعًا، بدلًا من التضامن الاجتماعى والترابط المجتمعى.
وحتى تتضح الحقائق أكثر فأكثر.. فلا بد من الاعتراف بأن الفردية والانعزالية حلتا بدلًا من التضامن والتآخى.. وقد أدى ذلك إلى التفكك الأسرى، وهذا ما جعلنا نكابد الآن تفككًا اجتماعيًا أكبر وأعمق عن ذى قبل، وهذا الأمر ترتب عليه أن بدأت تدب خلافات أعمق فى العلاقات الإنسانية التى لم تكن تتسبب من قبل فى مثل هذه الانشقاقات المجتمعية، لذا فإننا أصبحنا نلاحظ بين المؤمنين تنوعات وتوجهات كبيرة جدًا، فالديانات الإبراهيمية التى يظن غير الدارسين أنها الديانات السماوية الوحيدة «فهذا طابع أهلها»، لكن الواقع يقول إنها مجتمعةً لا يصل تعداد تابعيها إلى نصف البشرية الكائنة على سطح الأرض، ولأن الشىء بالشىء يذكر.. فإننا لا نعرف القليل عن الكواكب الأخرى، فعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد سمعنا ممن نزلوا على سطح القمر، أنهم عثروا على مصادر مائية، لكننا لا ندرى إذا ما وجد على هذه الأجرام السماوية كائنات حية، وعلى أى قوانين يسيرون.
وعودة إلى كوكبنا الأرضى، نجد أن الفردية تطغى على الأوضاع الجماعية، وبالتالى تسود الانعزالية والأنانية ويتوارى الترابط المجتمعى، ويرتفع معدل الجرائم التى لم تتوقف على المختلفين فكرًا أو عقيدةً، بل زحفت الجريمة إلى حجرات النوم واكتظت المحاكم بالقضايا الأسرية وأبناء العائلة الواحدة، ثم إلى القبلية، وتصاعدًا إلى المختلفين ديانة أو عقيدة، وكأن هذه التعددية ظهرت فجأة بين عشية وضحاها وليست قائمة لقرابة خمسة عشر قرنًا من الزمان، حتى اندمج المصريون ولم يذكروا أو يفكروا من منهم الأقدم، ومن منهم الجُدُد، لأن الوطن الواحد والنيل الواحد وحد الجميع فى كل شىء، من مسكن مشترك، ودور تعليم مشتركة، وكوب الماء من مصدر واحد، والملامح التى تكاد أن تكون واحدة، ولا مكان للتنابذ بالعرق أو اللون أو الدين أو العقيدة، فالكل يشرب من ماء واحد، ويتقاسم العيش من مصدر واحد، ولأسباب ليست خافية ينفرط العقد لتتساقط حباته، والخاسر الحقيقى هو الوطن الذى يضم الجميع.
نعم لقد كاد العقد أن ينفرط حتى فى داخل الأسرة الواحدة، بل البيت الواحد، واستمعت لأصدقاء يعربون عن أسفهم لأن الأبناء يكفرون الآباء، حتى امتلأت قاعات المحاكم بالقضايا الأسرية، وحتى شاع الإحساس العام بفقدان القيم المشتركة، وغياب الأمن الاجتماعى. فمعيار الأمن مرتبط بقدرة المؤسسات الحكومية والأهلية معًا فى الحد من الجرائم والتصدى لها، مدركين أن حماية الأفراد والمجتمعات مسئولية الدولة والشعب معًا. فالدولة تطبق القانون بواسطة الأجهزة القضائية والأجهزة التنفيذية ودور التعليم بمختلف مستويات التعليم، وكل هذا لتحقيق الأمن بهدف حماية النفس والممتلكات. كل هذا لا يمكن تحقيقه على أرض الواقع إلا بالعدل والمساواة، وهذا هو الدور الرئيسى لأجهزة الدولة القضائية والتنفيذية.
أما ما يهدد المساواة وجميع الحقوق الأخرى، فهو ترفّع فئة من البشر على الأخرى، وزعمهم أنهم الأفضل لا سيما باستخدام تعبيرات تستند إلى الدين، والدين منهم براء، ومن هذه الوقائع استخدام الشىء ونقيضه تارة بالإيجاب وتارة بالسلب، وعلى كل لون وفقًا للمناسبة أو الموقع أو الوسط الذى يشكل التغيير، ويكون على النقيض مما هو متفق عليه، وقد يظن أولئك أن العالم لا يدرك تغير التعبير من ظرف لآخر، غير مدركين أنه يحاسب المرء على ما يعبر به لسانه، وقديمًا كنّا نسمع عبارة، «لسانك حصانك إن صنته صانك وإن خنته خانك»، وقد ينجح اللسان فى خداع البعض، لكنه لن ينجح فى خداع الجميع.