رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قمة تونس.. الصغار يمتنعون


نتمنى أن تكون، بالفعل، «قمة توحيد الرؤية والكلمة»، كما قال عنوان الدورة رقم ٣٠ للقمة العربية، التى انعقدت، أمس الأحد، فى العاصمة التونسية. غير أن سوابق القمم العربية، تجعلنا نضع أيدينا على قلوبنا، داعين الله، ألا يكتفى القادة والزعماء بالتوقيع على ما تضمنه البيان الختامى، أو «إعلان تونس»، الذى رفعه إليهم وزراء الخارجية. وأن تكون تلك الثلاثون «نوبة إفاقة»، وصفحة جديدة، تطوى صفحات حزينة كثيرة خلفتها القمم الـ٢٩ السابقة.
جدول الأعمال تضمن ١٩ بندًا، تصدرها الاعتراف الأمريكى بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية المحتلة، واعترافها المماثل بشأن القدس المحتلة، ونقل سفارتها إليها. وطبيعى ألا تغيب الملفات العربية المزمنة، وما أضافه إليها ما يوصف بالربيع العربى من ملفات أخرى. وعليه، كان أبرز ما أثير بشأن الحاضرين والغائبين، يتعلق بالرئيس عبدالفتاح السيسى، بعد تداول شائعات لم تصدر عن القاهرة أى تصريح رسمى بشأنها، عن غيابه عن القمة، الذى نبالغ لو قلنا إن عدم حضوره كان سيضعف قدرة القمة على معالجة غالبية القضايا المهمة فى أجندتها، بدءًا من الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، مرورًا بأزمات ليبيا وسوريا واليمن والسودان. بالإضافة إلى تحديات العلاقات مع اللاعبين الإقليميين ومكافحة الإرهاب ودفع التنمية.
كثافة الاتصالات والنشاطات الدبلوماسية والسياسية التى أجرتها مصر، تحضيرًا للقمة يدفع لترجيح أنه لم تكن هناك نية لاعتذار الرئيس السيسى. خاصة بعد نحاج الدبلوماسية المصرية فى ترتيب الأوراق، وفى التوصل إلى توافقات، بطريقة تعيد الاعتبار لمفاهيم التضامن العربى والعمل العربى المشترك. ولعل ما يؤكد هذا الترجيح تأكيد الرئيس فى بداية كلمته، بالجلسة الافتتاحية، على أن القمة، تأتى فى منعطف خطير فى تاريخ أمتنا العربية، ازدادت فيه التحديات، وتعددت الأزمات، وتعقدت المهام المطلوبة لمواجهتها. كما لا يمكن، أيضًا، تفسير غياب محمد بن زايد، ولى عهد أبوظبى، عن القمة، بأنه يرجع إلى وجود عملية إعادة انتشار فى الصف العربى، أو بوادر تجاذبات جديدة فى المنطقة.
أكبر مفاجآت الحاضرين والغائبين، جاءت من الفتى تميم بن حمد، الذى حضر على رأس وفد دويلة قطر التى يحكمها بالوكالة. لكن يبدو أنه لم يحتمل الصمود بين الكبار، لعدة ساعات، وركب ناقته، وعاد إلى حضن عائلته الضالة، معطيًا ظهره للقمة بما فيها ومن فيها. وحسنًا فعل، لأن وجوده كان سيؤدى، على الأرجح، إلى تعكير أجواء القمة وتعقيد التوصل إلى توافقات ضرورية. فى حين أن غيابه لن يقدم أو يؤخر ولن يفرض أى تعديلات على مجريات ومآلات القمة، التى طالب فيها الرئيس عبدالفتاح السيسى المجتمع الدولى باتخاذ وقفة حازمة فى وجه قوى معروفة للجميع، تورطت ولا تزال فى تهريب السلاح والمقاتلين إلى الإرهابيين، ودعم المنظمات الإرهابية بدون أى رقابة أو محاسبة.
ربما كان الفتى تميم سويًا، وخاف أن يتألم أو يتحسس بطحته لدى سماعه أن «الدم العربى لا يزال يراق فى عدد من الأوطان العربية، بأيد عربية حينًا، وعلى يد إرهابيين أجانب وميليشيات عميلة لقوى إقليمية، تسعى للتدخل فى الشئون العربية لإعلاء مصالحها، أحيانًا أخرى». وما بين التنصيص من كلمة مصر التى ألقاها الرئيس فى الجلسة الافتتاحية، ولخصت، فى نحو ألف كلمة، أزمات المنطقة والتحديات التى تواجهها، سواء ما تراكم منها أو كان إرثًا من مرحلة التحرر الوطنى، ومرحلة تأسيس جامعة الدول العربية، أو تلك الأزمات والتحديات التى تفجرت منذ ثمانية أعوام فى أكثر من بلد عربى.
مع تأكيده، مجددًا، على أن «الأمة العربية مرت بمنعطفات خطيرة جراء الظروف والمتغيرات المتسارعة على الساحتين الإقليمية والدولية، وأدركت ما يحاك ضدها من مخططات تهدف إلى التدخل فى شئونها الداخلية وزعزعة أمنها، والتحكم فى مصيرها»، شدد البيان الختامى، على أهمية السلام الشامل والدائم فى الشرق الأوسط كخيار عربى استراتيجى تجسده مبادرة السلام العربية التى تبنتها قمة بيروت سنة ٢٠٠٢. و«أن أى صفقة أو مبادرة سلام لا تنسجم مع المرجعيات الدولية، مرفوضة، ولن يكتب لها النجاح». كما أكد البيان بطلان وعدم شرعية الاعتراف الأمريكى بالسيادة الإسرائيلية على القدس والجولان و.... و..... إلخ.
.. وأخيرًا، لعلك تعرف أن «إلخ» معناها «إلى آخره»، أى إلى آخر ما تضمنه البيان، أو إعلان تونس، الذى سيظل، مجرد حبر على ورق، ككل بيانات أو إعلانات القمم السابقة، لو لم يتم تشكيل «ترويكا» عربية تتوجه إلى المحافل الدولية، لمنع تدخل دول وأطراف خارجية فى شئون المنطقة، سواء منفردة، أو بمساعدة دول عربية وإقليمية. وإجهاض مساعيها لفرض أجندات تنشر الإرهاب والفوضى والجهل، وتجهز على ما تبقى من دول المنطقة.