رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دكتور إسماعيل راضي سعد يكتب: الحريف

إسماعيل راضي سعد
إسماعيل راضي سعد

بحب السينما (١)

فيلم "الحريف" (١٩٨٤)
البطولة: عادل امام- فردوس عبد الحميد- عبد الله فرغلي- زيزي مصطفى - نجاح الموجي

القصة والاخراج: محمد خان (العبقري)
السيناريو: بشير الديك

لماذا اخترت هذا الفيلم تحديدا لاتحدث عنه على الرغم من كونه من الافلام الاقل شهرة في فيلموجرافيا عادل امام والذي لا ترى عادل امام يتحدث عنه كما يتحدث عن"المشبوه" او "النمر والانثى" او اعماله مع وحيد حامد وشريف عرفة ( اللعب مع الكبار، الارهاب والكباب، المنسي)، وكأنه يبرأ منه، في الاغلب لأنه لم ينجح تجاريا كنوعية اخرى من افلامه مثل "سلام يا صاحبي" على سبيل المثال.

ساحاول ان اوضح...

انا من اشد المعجبين بعادل امام لأنه استطاع التربع على قمة السينما قرابة الثلاثين عام وهذا امر شديد الصعوبة، وتطرق في افلامه لقضايا سياسية واجتماعية كثيرة كان لها تأثير على المجتمع المصري، وكان ذلك من خلال قالب كوميدي صارخ او شكل سينيمائي جاد.

لكن في اغلب (ان لم يكن في كل) الاحيان كنت اشعر ان الفكرة او سيناريو الفيلم كتبت لخدمة لعادل امام اولا ثم تأتي بعدها فكرة الفيلم ولذلك تتشابه الشخصيات التي قدمها عادل امام في افلامه على الرغم من اختلاف فكرة الفيلم لأنه ببساطة كان لا يقدم الشخصية بل يقدم الشخصية باسلوب عادل امام وتكنيكه الخاص دون تقمص او انخراط في تفاصيل الشخصية، وهذا الامر ظلم عادل امام لأنه لم يبرز قدراته التمثيلية والفنية الا في احوال نادرة واهمها (في رأيي) فيلم "الحريف"

اشعر ان العملية الابداعية (the creative process) في فيلم الحريف بدأت بفكرة للمخرج العبقري الراحل محمد خان عن حياة المهمشين والمحبطين اقتصاديا واجتماعيا في القاهرة القاسية المزدحمة، وتبع ذلك اختيار للممثلين للقيام بالادوار (casting) فيقع اختيار صناع الفيلم على مجموعة الممثلين السابق ذكرهم وتأكيدًا على نظريتي لم يلتقي عادل امام وفردوس عبد الحميد قبل هذا الفيلم وبعده على الرغم من أن عادل امام يميل إلى "تثبيت" فريق الممثلين العاملين معه ولكن لأن العمل الفني هنا لمحمد خان فاختيار الفنانين كان لخدمة الفكرة وليس من اجل النجم.

نأتي للعمل نفسه وتفاصيله، هو ببساطة يحكي مقتطفات من حياة افراد ينتموا للطبقة البسيطة في القاهرة، عامل في مصنع صناعة احذية متمرد يهوى الكرة ويلعب مباريات من اجل المال فقط، عنيف ولا يحب العمل والكفاح، سيدة مطلقة ومقهورة من طليقها العنيف، سمسار لعيبة مباريات الشارع (ذو الساق الخشبية)، العاملة في مصنع الاحذية التي ترتبط في علاقة جسدية بحتة مع بطل الفيلم دون اي ندم على هذه العلاقة، شخص اخر متزوج ومفلس ومحبط وعاطل وهائم في شوارع القاهرة بلا هدف او امل ويعود لهمومه ليفرغ شحنة الغضب بعلقة ساخنة لزوجته واطفاله الجائعين في الغرفة التي يسكنوا فيها على سطوح عمارة في وسط البلد والتي تموت معها ادميتهم ببطء.

الفيلم لا يوجد له قصة او سيناريو واضحين، لأنه اقرب الى الافلام الوثائقية، حتى ان كثير من المشاهد لا تصاحبها موسيقى تصويرية لأن المشاهد لا تحتاج موسيقى للتأثير الدرامي، فواقعيته شديدة ومؤلمة وجريئة وخام (raw and gritty) دون اي محاولة لتجميل سينمائي، مجموعة من المشاهد المكتوبة بحرفية شديدة والحوار قليل جدا وتعتمد المشاهد على نظرات الممثلين واماكن المشاهد للحصول على التأثير الدرامي، هذا أيضا بالاضافة لتفاصيل عميقة جدا عن العلاقات الإنسانية، الفيلم لا يسعى لتمجيد البطل او لسرد قصة رومانسية افلاطونية، لكنه يرسم حالات انسانية ابعد ما تكون عن الكمال او الجمال او الجاذبية بل بالعكس كلها قبح وعدم وفقر واحيانا انحلال.

عادل امام ادى في هذا الفيلم كما لم يمثل من قبل او بعد، لم يعتمد على تكنيكه واسلوبه المعتاد وافيهاته المضحكة-لكن المكررة- بفضل عبقرية وحرفية محمد خان التي ساعدته ووجهته ليطلق العنان لوحش ممثل "الطريقة" (method actor) الكامن بداخله مثلما فعل مع احمد زكي في "زوجة رجل مهم".

ادعوكم لمشاهدة الفيلم والامعان والغوص في تفاصيله لأنها كثيرة وممتعة ولن استطيع ذكرها كلها هنا ومهما كتبت لن انصفها..

كنت اتمنى ان ارى أعمالا اخرى يتعاون فيها محمد خان مع عادل امام لكن محمد خان رحل عن عالمنا، واخيرا سيظل عادل امام هو الزعيم الذي امتعنا بأعمال كثيرة عظيمة ساحاول ان اكتب عنها....