محمد الباز لـ"خالد منتصر": كيف أصبحت "حوينى العلمانية" يا صديقى؟
أقدر فى صديقى العزيز الدكتور خالد منتصر انحيازه للعقل، ومحاربته لكل أشكال التضليل التى يحاصرنا بها أدعياء العلم وتجار الدين.
لا يفارق خالد فى كل ما يكتبه منذ سنوات طويلة منهجه ومشروعه العلمانى، الذى يقوم على أن «ما لله لله وما للبشر للبشر»، وأى تداخل بين الناسوتى واللاهوتى يفسدهما معًا.
آلاف المقالات ومئات الإطلالات التليفزيونية وعشرات الكتب، وما لا حصر له من التغريدات على تويتر، والبوستات على الفيسبوك، أعلى من خلالها خالد قيمة الإنسان بعيدًا عن أى دين، فالدين أمر خاص بين الإنسان وربه، ليس من حق أحد أن يتدخل فيه، أما الحياة فهى أمر خاص بين الناس وبعضهم البعض، يقدرون على صياغتها بما يتناسب مع مصالحهم ويحقق سعادتهم.
لست من متابعى خالد منتصر فقط، ولكنى كنت قريبًا من إنتاجه لأفكاره، فترة طويلة، عندما كان كاتبًا دائمًا على صفحات «صوت الأمة»، وكنت أتابع معه مقالاته وهى لا تزال فكرة تراوده، وربما لهذا أثق فيه تمامًا، ولا أميل إلى أنه يتعمد إثارة الصخب من حوله، ليحصد جماهيرية أو يأسر أضواءً.
خالد منتصر مخلص جدًا لما يعتقد أنه صحيح، لكننى أصبحت أشفق عليه، لأن أداءه المستمر، ربما من شهور مضت، يؤكد أنه وصل إلى حافة اليأس، يبدو لى مؤذنا فى مالطا، أو ضارب أجراس فى مكة، وبدلًا من أن يطور أداءه ويعيد صياغة أفكاره، مارس جنونًا كاملًا فى مواجهة المجتمع.
خالد الذى يبدأ حملات إلكترونية يتجاوب معها دراويشه- الذين يبدو لى أنه يمارس عليهم نوعًا من التضليل العلمانى- أصبح يستحق الشفقة بالفعل، فهو تقريبًا يقف عاريًا الآن حتى يصدقه الناس، يبدو متعنتًا ومتصلبًا ومتلككًا أيضًا.
يؤمن خالد بالحرية، أو هكذا المفروض أن يكون، فلا يستقيم لك أن تكون علمانيًا وأنت صاحب صدر ضيق لا يتحمل الآخرين، أو عدم تقبل أفكارهم مهما كنت رافضًا لها، فإذا كان من حقك أن تمارس حريتك فى حياتك، طبقًا لما تعتنقه من أفكار، فمن حق الآخرين أن يمارسوا حريتهم فى حياتهم طبقًا لما يؤمنوا به.
أحزننى ما فعله خالد مع حارس المنتخب محمد الشناوى الذى رفض زجاجة خمور من الشركة التى ترعى كأس العالم، الشناوى لم يرفض الجائزة رفض رمزيتها، فعل ذلك لأنه يرى أن الخمور حرام، على هذ تربى وعرف، فلا يمكن أن تجلده لأنه متسق مع نفسه، ثم إنه لم يكن وحده فيما فعل، فعلها قبله محمد صلاح وأحمد حجازى، قبلا درع الجائزة ورفضا الزجاجة.
العلمانية الحقيقية كانت تستدعى أن يدافع خالد منتصر عما فعله الشناوى، لأنه متسق مع نفسه، أن يدافع عمن تريد أن ترتدى الحجاب بنفس القدر الذى يدافع به عمن لا تريد أن ترتديه، أن يحترم أفكار الآخرين، وإذا أراد أن يكون مصلحًا فليس عليه إلا أن يقدم طرحًا راقيًا بعيدًا عن السخريات التى جعلت البعض يتعامل معه على أنه يعانى من عقدة نفسية تجاه كل ما هو دينى، رغم أننى أعرف أنه ليس كذلك.
لقد تحول خالد فجأة إلى شخص متعصب جدًا، متطرف جدًا، عصبى جدًا، للدرجة التى تخيلته فيها الشيخ الحوينى، رأس السلفية المتطرف والمتعجرف، لكن على الطريقة العلمانية، وهو ما لا أرضاه لكاتب ومفكر كان يمكن أن نستفيد منه كثيرًا لولا أنه وصل إلى مرحلة اليأس من الإصلاح، فتحول إلى مشكلة لا بد أن نبحث لها عن حل.
ويا صديقى العزيز عد إلى هدوئك.. فتطرفك الفكرى لن يفيدنا ولن يفيدك ولن يفيد قضيتنا التى نؤمن بها.