رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

طه حسين: شيوخ الدين لا يبذلون الجهد المناسب للإسلام


تفضل عدد من الأصدقاء الكتاب والفنانين بالتعليق على طرح فكرة مدارس الجمعة وأن يكون للمسجد مكان لتقديم أنشطة ثقافية وفنية، وأن يقوم بتنظيم رحلات تعليمية لمواقعنا الأثرية والحضارية.
كان معظم التعليقات يثنى على الفكرة، ولكنها كانت تستبعد أن يتحقق ذلك «لا تحلمى أن يحدث هذا»، «من المستحيل أن يقوم المسجد بدور بعيدًا عن الحلال والحرام».
وكان السبب الوحيد فى وجهة نظرهم جميعًا لاستحالة تحول مساجدنا إلى منابر للثقافة والفنون والعلوم والآداب هو الشيوخ أو رجال الدين: «لن يقبل المشايخ حتى المعتدلين منهم هذا الطرح». «صعب أن يقتنعوا بذلك»، «القائمون على المساجد لدينا ليس لديهم وعى».
والحقيقة إننى أتفهم تخوف أصدقائى من رد فعل أو رفض شيوخ الدين للفكرة، فعادة ما يكون رد فعل الشيوخ على أية فكرة جديدة هو الشجب، الاستنكار، التجاهل.
وهذا الموقف ليس له تفسير لدى سوى الكسل العقلى والروحى وعدم الرغبة فى بذل جهد حقيقى لخدمة المسلمين والإسلام.
وقد نبهنى الصديق الفنان التشكيلى «مصطفى رحمة» إلى أن عميد الأدب العربى: الدكتور طه حسين، سبق وأن أشار فى كتابه: «من بعيد» إلى هذه القضية حيث لا يهتم رجال الدين بتقديم ما يفيد الناس وما يدفعهم للأمام، لكنهم يتكاسلون ويكتفون باستخراج الفتاوى من الكتب القديمة دون تفكير أو اجتهاد. وقد سجل العميد هذا الكلام عام ١٩٢٣.
يقول الدكتور طه حسين:
«أما الخميس فقد كان لذيذًا لأننا قضينا شطرًا منه نستمتع بلذة الموسيقى، فى كنيسة أثرية كبرى فى بروكسل هى كنيسة (سانت جودول)، وكنا قد دعينا إلى هذا الاجتماع لا للصلاة ولا التقديس، ولكن للدرس والتاريخ فى لذة ومنفعة، هنا خطبنا القسيس فلم يتحدث إلينا فى دين المسيح، ولم يفسر لنا إصحاحًا من الإنجيل أو آية من التوراة، وإنما تحدث إلينا فى الفن، وتحدث إلينا فى الآثار، ودعيت لمحاضرة لقسيسين وقد اختص أحدهما بفن العمارة، واختص الآخر بعلم من علوم التاريخ، وكثير منهم يستطيع أن يناهض العلماء والفنيين الذين اختصوا بالعلم والفن فينهضهم ويتفوق عليهم.
ألا يجب على علماء الدين فى مصر أن يبذلوا ما يملكون من جهد وقوة ليكونوا كغيرهم من رجال الدين؟ ليكون منهم المؤرخ والجغرافى وعالم الكيمياء وعالم الطبيعة والفلكى والموسيقى، كذلك من يحدثنا عن جامع بن قلاوون وجامع برقوق من الوجهة الفنية.
لو يعلم رجال الدين عندنا ماذا يصنع رجال الدين فى أوروبا لدهشوا دهشًا عظيمًا، ولعلموا أنهم بعيدون كل البعد عن أداء واجبهم الدينى، فرجال الدين الغربيون يبذلون من الجهد ليكون حظهم من العلم والفن كحظ غيرهم من رجال العلم والفن».
هذه الشهادة سجلها عميد الأدب العربى عام ١٩٢٣ أى منذ حوالى مائة عام. لكن لا أحد يقرأ ولا أحد يجيب.