رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نظافة الشارع ونظافة الضمير ‏




هل نحن شعب غير نظيف؟، هل نحن شعب يستحسن القبح؟. ‏
إذا كنت منصفًا وأردت وصف الشارع المصرى فهو شارع مزدحم، شارع غير منضبط، شارع قذر. ‏
أينما تسر فى القاهرة أو فى الأقاليم فلا بد أن تجد بؤرة كومة لتجمع قمامة.. فى منطقتى المنيل، أذهلتنى رؤية كومة كبيرة من القمامة من مخلفات الوجبات الرمضانية أمام مسجد «صلاح الدين»، ولم ‏يلتفت أحد ممن حضروا إلى المسجد لصلاة العشاء والتراويح أو من خرجوا بعد أداء الصلاة لهذه القمامة المتكومة على الرصيف المجاور للمسجد. ‏
كيف يستقيم أن يتوجّه المسلم للصلاة وقد حرص على نظافة بدنه وملابسه ولا ينقض طهارته تجمع القمامة أمام المسجد؟!.. كيف لم تلفت هذه البقايا، التى جمعها العمال من داخل المسجد ليلقوا بها فى ‏جواره، انتباه إمام المسجد.. فيخصص درسًا للحديث عن النظافة بمعناها الظاهر والباطن؟!. ‏
لماذا نتعامل بهذا الاستهتار مع نظافة الأماكن التى نمر بها؟!، المستشفيات، الجامعات.. المصالح الحكومية.. المتاحف، حتى الكبارى فى القاهرة لا تسلم من أكياس الشيبسى والمولتو، وبقايا اللب والمناديل ‏المكورة، الحدائق العامة بمجرد مرور ساعات قليلة من النهار تتحول إلى خريطة لبؤر من القمامة بجوار كل عائلة كومتها، قد يتحجج البعض بأنه لا يوجد صندوق قمامة، وهى حجة واهية لأن صناديق ‏القمامة منتشرة فى الشوارع وفى الأماكن العامة، هى فقط تحتاج أن تخطو بضع خطوات لتصل إليها، فكما سرت مسافة تحمل مأكولاتك ومشروباتك فى يدك فلن يضيرك أن تسير بضعة أمتار حاملًا ‏الفوارغ لتضعها فى أقرب صندوق قمامة.. إن إلقاء القمامة فى الأماكن التى نعبرها أو نقضى بها بعض الوقت دليل على فساد الضمير وعدم الإحساس بالمسئولية، فكل شخص يهتم بنظافة بيته ومكتبه ‏وسيارته لأنه سيتهم بعدم النظافة إذا رمى بها مخلفاته، لكن الفضاء العام ملك للجميع، ولن تشير أصابع الاتهام لشخص بعينه، بل إذا حاولت أن تنصح أحدهم بألا يُلقى بمخلفاته على الأرض، سيردد العبارة ‏الكلاسيكية «يعنى هى جت عليا؟». ‏
عمال النظافة الذين يكنسون الشوارع الرئيسية هم نموذج أيضًا لفساد الضمير المصرى، فهم لا يبدأون عملهم قبل الثامنة صباحًا، وهذا أمر غير منطقى، أن تترك الشوارع بمخلفات أمس حتى هذا الوقت. ‏لماذا لا يبدأون عملهم فى السادسة؟. وعندما تستيقظ المدينة يكونون قد انتهوا من عملهم، ويبدو أنه لا أحد يشرف عليهم، أو أن المشرفين عليهم يجلسون فى مكاتبهم ويشرفون عليهم بالتخاطر عن بُعد.‏
نظافة الشارع المصرى ليست مسئولية الحكومة وحدها، لكنها مسئولية الجميع.. وإن كنت أقترح، بما أن الضمير المصرى فى إجازة، أن تعيّن الحكومة شرطيًا أو أكثر فى كل شارع أو كوبرى كى ‏يحرر مخالفة لمن يرمى بمخلفاته فى الشارع.‏
إن الشعب الذى لا تؤذى بصره أو روحه هذه البثور أو البؤر الصديدية فى وجه الشارع المصرى، هو شعب لا يعول عليه ما لم يستيقظ ضميره، وتُربى لديه ملكة النفور من القبح. ‏
بلاغ لوزراء الداخلية والسياحة والآثار والحكم المحلى..‏
منذ بدأ شهر رمضان الكريم، والمسئولون عن نقطة السياحة، التى تشغل جزءًا من متحف محمد على بالمنيل، يلقون علب «فويل» الإفطار والسحور بعد تناول الطعام على الرصيف الملاصق لسور ‏المتحف وبجوار مدخل النقطة، وهذه الكومة تزداد يومًا بعد يوم، والغريب أن الكناسين الذين ينظفون الشارع لا يقتربون من هذه الكومة؛ أظن خوفًا من التعامل مع المخلفات الميرى.. إذا كان هؤلاء جزءًا ‏من صميم الشعب فليكن، وليلقوا بالقمامة كما يريدون، وكل ما أطمع فيه أن يرفعوا الحرج عن الكناسين كى ينظفوا قمامتهم التى تؤذينى بصريًا ونفسيًا كلما نظرت من نافذتى