رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بشير الديك: أرفض المصالحة مع «الإخوان».. وتجديد الخطاب الدينى مش بالكلام

بشير الديك
بشير الديك

- اعتبر ما يحدث فى سوريا لمصلحة إسرائيل.. وقال إن «الربيع العربى كان هيضيعنا»
- انتشار جماعات الإسلام السياسى يخدم الصهيونية ويعطيها مبررًا لقيام «دولة دينية»
- جهة سيادية رفضت معالجتى السينمائية لـ«30 يونيو».. وتقديمها فى عمل فنى ليس الآن



بمجرد ذكر اسمه، يخطر على بالك قائمة طويلة من «دُرر» السينما المصرية، طوال تاريخها العريق، الممتد لأكثر من ١٠٠ سنة، وستجد نفسك تسترجع قصة «حسن» وورشته فى «سواق الأتوبيس»، وستبحث عن القاتل فى «ضربة معلم»، وتقف مترافعًا بجوار أحمد زكى فى «ضد الحكومة»، وستبهرك مهارات «فارس» فى «الحريف»، وستنطق بلغة عربية مكسرة «بهبك يا مهمد» فى «النمر الأسود».
هو الكاتب الكبير بشير الديك، مؤلف وكاتب السيناريو والحوار، لمجموعة من أهم أفلام السينما المصرية، بدءًا من «ناجى العلى» و«ليلة ساخنة» و«موعد على العشاء»، وصولًا إلى «أيام الغضب» و«زيارة السيد الرئيس» و«الكبار»، وغيرها من الأعمال.
«الدستور» التقت الكاتب الكبير فى حوار تحدث فيه عن رؤيته للأوضاع السياسية فى مصر والوطن العربى، واسترجع ذكرياته مع ثورتى ٢٥ يناير و٣٠ يونيو، وتطرق لعدد من الملفات الفنية والثقافية.


■ بداية.. ما موقفك من الهجوم الثلاثى على سوريا؟
- لعنة الله على أمريكا وفرنسا وبريطانيا، دمرت البلد بذريعة «استخدام الكيماوى»، مثلما دمرت العراق فى السابق بذريعة «أسلحة الدمار الشامل»، وأرى أن ما يحدث فى «دمشق» يصب فى صالح إسرائيل.
■ كيف ترى ثورات الربيع العربى؟
- مصر كادت تضيع بسبب «ثورات الربيع العربى»، ورغم أنى شاركت فى بداية ثورة ٢٥ يناير، وكنت مؤمنًا تمامًا بها، وكل شىء كان على ما يرام خلال فترة الـ١٨ يومًا، إلا أنه بحدوث «موقعة الجمل»، بدأ الإخوان «يركبون على الثورة»، واحتلوا البرلمان بالأغلبية الكاسحة.
قبل ظهور «الإخوان» كانت هناك ثورة بالفعل، لكنهم أفسدوها بظهورهم، ووجهت اللوم للجميع، بسبب صمتنا بعد ذلك على ما ارتكبته الجماعة أمام أعيننا، لأننا لم نكن منظمين.
■ بعد فوز السيسى فى الانتخابات.. ماذا تريد منه فى الولاية الثانية؟
- أطالبه بتوسيع هامش الحرية، وتشجيع المجتمع المدنى والأحزاب السياسية على أداء دورها، وما حدث فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة يعكس أن الشعب المصرى شارك من أجل انتخاب نفسه وليس السيسى.
■ لماذا النساء أكثر تأييدًا للسيسى؟
- ما حدث من إنجازات فى ملف المرأة والأقباط فى الولاية الأولى من حكم الرئيس السيسى، سبب كافٍ ليكون تأييد النساء أكثر من الرجال، وهذا هو النظام الصحيح الذى من المفترض أن نسير عليه دائمًا.
أما عن الأقباط، فكلمة قبطى تعنى «مصرى»، وفى عصور ما قبل التدوين والحضارة المصرية القديمة، كانت هناك كتابات قريبة جدًا من «قل هو الله أحد»، ومكتوب على التوابيت «الدين لله كله»، وهذا هو الدين «الإبراهيمى»، لذا فإن الإسلام ليس مرتبطًا بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فقط، ومن أسلم لله فهو مسلم، وهذا هو التوحيد، ما يعنى أن المسيحيين مسلمون.
■ كيف ترى اقتراحات تعديل الدستور؟
- من حق الجميع أن يعبر عن رأيه، المؤيد لتعديل الدستور له أن يقول «نعم»، ومن حقى أن أقول «لا»، ويجب أن يكون هناك تقديس للقانون حتى يعبر كل واحد عن رأيه بحرية، وأعتقد أن الرئيس نفسه لن يوافق على التعديل.
■ بعد مطالبة السيسى بتجديد الخطاب الدينى.. كيف ترى هذا الملف؟
- تطوير الخطاب الدينى لا يأتى بـ«الكلام»، بل بالسياسات، والأجيال الحالية لن تصدق وجود إصلاحات إلا بعدما تراها بأعينها على أرض الواقع، والشباب على مواقع التواصل الاجتماعى يرددون «مش حاسين بحاجة».
■ ما الرسالة التى توجهها لشيخ الأزهر؟
- أطلب من شيخ الأزهر أن يبقى سلطة روحية فقط.. والمفارقة التى لا يعلمها كثيرون أن الشيعة هم من أسسوا الأزهر، ومفاهيم التكفير السائدة بين السنة والشيعة تضر البشرية ولا تفيدها.
■ كيف ترى فكرة التصالح مع جماعة الإخوان؟
- أرفض التصالح مع جماعة الإخوان نهائيًا، تلك الجماعة التى تحتكر الدين، ويرى أعضاؤها أنهم وحدهم هم «المسلمون» دون سواهم، ويتخفون بطرق عديدة، لدرجة أنك لو سألت أيًا منهم عن انتمائه، وكنت متأكدًا من ذلك لرد قائلًا: «اثبت إن أنا إخوان». الرئيس الراحل أنور السادات، هو من أخرجهم من السجون، وسمح لهم بإصدار جريدتهم من جديد، وأرى أن انهيار مصر بدأ فى هذه الفترة، وصولًا إلى عهد «مبارك» الذى وصل فيه توغل «الإخوان» إلى حدود مرعبة.
وكيف نطلب التصالح مع جماعة الإخوان، فى ظل ما نراه حاليًا فى سوريا؟.. ما يحدث هناك من المفترض أن يكون درسًا لنا.
■ هل هناك أوجه تشابه بين «الإخوان» والكيان الصهيونى؟
- انتشار جماعات الإسلام السياسى، يخدم الكيان الصهيونى، لأنك عندما تقول دولة «إسلامية» وأخرى «غير إسلامية»، فإنك تعطى للإسرائيليين مبررًا لقيام دولة «يهودية»، بسبب سماحك من البداية بمبدأ الدولة «الدينية».
وأرى أن هذا مخطط جهنمى، ودليل ذلك أن مدينة «الموصل» سقطت بكل سهولة فى يد تنظيم «داعش» الإرهابى دون أى مقاومة تذكر، ليعلن بعدها «دولته المزعومة فى الشام والعراق». وأعتقد أن مصر كان مخططًا لها أيضًا قيام دولة «مسيحية»، فى إطار محاولات التقسيم.
■ لماذا لم تكتب مسلسلًا أو فيلمًا عن ثورة «٢٥ يناير»؟
- «هى فين الثورة دى بعد ما الإخوان ركبوا الليلة؟».. كما أن الأعمال الفنية لا تتم صناعتها، إلا بعد استقرار وتمام الحدث التاريخى، ونحن الآن فى مرحلة البناء واستكمال الاستقرار، التى لا تصلح معالجتها من خلال السينما العادية، وتكون التسجيلية هى الأنسب لها.
ومن أمثلة ذلك ثورة ٢٣ يوليو، التى لم يعالجها نجيب محفوظ أدبيًا، إلا بعدها بسنوات، فى روايتيه «ثرثرة فوق النيل» و«ميرامار»، كما أن قصة «ريا وسكينة»، تمت معالجتها سينمائيًا ودراميًا ومسرحيًا، بعد أحداثها بسنوات.
■ هل يمكن توثيق ثورة ٣٠ يونيو فى فيلم أو مسلسل؟
- انتهيت من معالجة لفيلم باسم «سفر الخروج»، تدور فكرته حول خروج المصريين فى ٣٠ يونيو للمطالبة بحقوقهم، وتبدأ أحداثه بمشاركة مجموعة من الشباب فى ٢٥ يناير، وتطور الأمور بهم حتى توقيعهم استمارات «تمرد» للمطالبة برحيل الرئيس الإخوانى محمد مرسى، لكن هذه المعالجة رفضت من قبل جهة سيادية.
وفى الحقيقة، أرى أننا ينبغى علينا الانتظار، ودراسة ما حدث بالتفصيل خلال هذه السنوات، والتعلم والاستفادة منه.
■ بحديثك عن شباب «٢٥ يناير» و«٣٠ يونيو».. ما رسالتك لهم؟
- نحن فى حالة حرب حقيقية، وعندما حدثت حرب مشابهة لما جرى فى سوريا أمس الأول خلال عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر «العدوان الثلاثى»، قال بنبرة صارمة: «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، ورفع الأسعار بما فيها السلع الأساسية، ولم يعترض أحد، لأن المصريين وقتها كانوا مدركين لما يحدث فى البلاد، وهو ما يعكس ضرورة رفع الوعى والفكر لدى أفراد الشعب.
■ ما رأيك فى محمد البرادعى؟
- لا أعرف عنه غير الذى يعرفه الآخرون، وكنت أدافع عنه عندما اتهموه بالتسبب فى الحرب على العراق، لكنى اندهشت من قرار تركه البلاد، ولو كان «رجل جدع حقيقى» لأكمل وما توقف، لكنه خدع كل محبيه فيه.
■ من تحب أكثر الزعيم جمال عبدالناصر أم الرئيس السادات؟
- دائمًا ما أنتقد «السادات»، وأرى أنه السبب فى «بلاوينا» كلها، وكان يوميًا يشرب نوعًا معينًا من «الكونياك» ويطلق على نفسه «الرئيس المؤمن».
■ هل تعرضت لأى مضايقات من الرقابة خلال مشوارك؟
- وفق تجربتى الخاصة، لم يمنع لى أى عمل سوى كتاب عن «السادات» لدواعى الأمن القومى، رغم أن كل ما فيه وقائع معلومة للجميع.
كما تم حذف جملة من مسلسل «ظل المحارب»، وسألنى أنس الفقى وزير الإعلام فى عهد «مبارك»: «قصدك إيه بـ(دولة كربستان) فى المسلسل؟.. هل تقصد بها مصر؟»، فقُلت له: «مش شرط»، فطلب منى حذفها، واستجبت.
وبصفة عامة، كانت علاقتى بالنظام خلال هذه الفترة جيدة، وكانت أعمالى تعجبهم، لأنى لم أضع فيها أى «استفزاز» أو «محاولات للفتنة».. كنت أقدم ما أريده دون استفزاز أحد.
■ عملت مخرجًا فى فيلمين ثم توقفت.. كيف كانت تجربتك الأولى خلف الكاميرا؟
- بطبعى، لا أستطيع العمل فى فيلم، إلا إذا ذهبت إلى المكان المفترض للتصوير، و«اللوكيشن» الأساسى لفيلمى الأول كمخرج «سكة سفر» كان فى دمياط، وذهبنا إلى القرية التى تصورت أن تدور فيها الأحداث ناحية «الملّاحات»، وفجأة وأنا أحضّر للفيلم لمعت فى ذهنى فكرة «الطوفان»، عندما حكى لى رجل قصة أم وأولاد ورثوا فدانين، أعجبنى الموضوع، وأثر فىّ موقف أن الأم، رفضت أن تحلف على المصحف، وعليه نفذت «الطوفان» أولًا ( ١٩٨٥) ثم «سكة سفر» (١٩٨٦).
كان إخراج «الطوفان» قرارًا صعبًا لكنى اتخذته، ولما انتهينا من تصويره طلبت منا دور العرض فرصة أسبوع لأنهم كانوا يتوقعون رد فعل غاضبًا من الجمهور، لذلك كنت أذهب كل يوم إلى سينما مختلفة.
وفى مرة خلال عرض مشهد قرار الأبناء بقتل أمهم، وقف واحد من الجمهور وصرخ غاضبًا «الله أكبر، هيموتوا أمهم!»، هدأته وقلت له: «لو مش عاجبك الفيلم امشى»، لكن عندما جاء مشهد دخول محمود الجندى على القاضى وقوله: «أنا بطلب تشريح جثة أمى»، ففوجئت برجل آخر يهتف «ينصر دينك».
■ كيف ترى تأثير جيل الثمانينيات فى السينما من كُتاب سيناريو ومخرجين مقارنة بأوضاع السينما حاليًا؟
- فى الثمانينيات كان لدينا «تيار سينمائى»، صنع مدرسة اسمها «الواقعية السحرية»، ورموز هذا الجيل لا يزيدون على عشرة، وهذا يشبه ما حدث فى أمريكا بعد فيلم «كليوباترا» للمخرج جوزيف مانكيفيتس (١٩٦٣)، عندما صعد جيل جديد أنتج نوعًا مختلفًا أحيا السينما مرة أخرى وأعادها للصدارة، وفى فرنسا أيضًا بعض المخرجين سلكوا درب «الواقعية الجديدة». وأنا أرى أنه لا يمكن لأى مخرج أن يقفز فوق هذا الجيل.
■ إنتاجيًا.. هل توافق على دخول الدولة المجال السينمائى؟
- أؤيد تدخلها بغرض التمويل أو التسهيل فقط، لكن فى الواقع هذا لن يستقيم، لأنى مثلا لو قررت تمويل فيلم ما «هختار على مزاجى إيه يتعمل وإيه ميتعملش». ببساطة من يمول يتحكم، وبالتالى «هنخش فى سكة مش صح».
■ هل ترضى أن ينتج لك «السبكى»؟
- محمد السبكى أنتج لى بالفعل فيلم «حلق حوش»، وأنا أرى أنه قدم أفلامًا كثيرة جيدة، مثل «المرأة التى هزت عرش مصر» و«ساعة ونص». بالطبع صنع أفلامًا تجارية ليست جيدة، لكن «اللى يقبل ده هو حر».
■ كيف تقيم وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبدالدايم؟
- اختيار غير تقليدى، كونها أول سيدة تتولى المنصب، لكن هى من داخل الوسط وفنانة ومثقفة مثل فاروق حسنى الذى كان وزير ثقافة رائعًا، وأنا متفائل بها، وأتمنى منها إحياء عصر وزير الثقافة الأسبق ثروت عكاشة، الذى أقام قصر ثقافة فى كل مدينة، وحلم بأوبرا فى كل قرية، والتى تعد من أقوى أسلحة محاربة «داعش».
■ هل تعارض دخول رجال الأعمال لساحة السياسة؟
- لا أعارض، لكن أرى ضرورة أن يحكمها القانون.. «عشان محدش يشطح»، وبصفة عامة مستقبل الديمقراطية والأحزاب فى مصر مرهون برغبة الرئاسة فى تحقيق ذلك.
■ كيف رأيت حالة الحزن التى انتابت الشباب على وفاة الكاتب أحمد خالد توفيق؟
- لم أقرأ للكاتب الراحل، وفوجئت بهذا الحب الغريب، وسفر الشباب من كل مكان إلى طنطا لتشييع جثمانه، وسألت: هل هذا عشق لمؤلفاته أم كاريزما للكاتب؟. وأرى أنها ظاهرة ينبغى دراستها وتوضيح أسبابها.

ما الرسالة التى تريد أن تبعث بها للجمهور من خلال أعماله؟
- أريد أن أقدم نفسى، ما أحبه، لأنى لست من أنصار «حبوا بعض وخلاص»، ولا أتقمص دور المسيح مثلا، لأن دور الفن الأساسى فى رأيى تقديم الواقع المعاش، وأن يكشف ما تحت السطح.
مثلًا، فى «سواق الأتوبيس»، قدمت واقع مصر وقتها، وذهبنا بالفيلم إلى الهند ونافس فى المهرجان الرسمى هناك، وعندما عرضناه فى السفارة، فوجئنا بسيدة مصرية «تصوّت»، وتقول «هو ممكن بابا يعملوا فيه كده؟»، وهذا معناه أن الفيلم لمسها.