رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

البِر يرفع شأن الأمة


كلمة البر مشتقة من حالة البراءة أو التبرير من خطيئة موجهة، أو ذنب ينسب لشخص أو أمة، فيقال للحاج بعد عودته «حج مبرور»، أى مقبول من الله عز وجل.. أو كمن يصف شخصًا بأنه بار بوالديه.. وقد ورد قول البر فى القرآن الكريم اثنتين وثلاثين مرة.. ومنها «وتعاونوا على البر والتقوى» سورة (المائدة الآية -٢).. وفى سورة (مريم الآية -١٤) عن سيدنا يحيى «وبرًا بوالديه».. كما ورد فى الكتاب المقدس «الإنجيل» عن أولويات الطلب فى طلباتنا من الله يقول «اطلبوا أولًا ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم». ويتكرر القول فى نبوة إشعياء «٣: ١٠» «قولوا للصديق (البار) خيرًا لأنهم يأكلون ثمر أعمالهم».

كما جاء البر بمعنى الخير، «إنما خير (بر) ورحمة يتبعاننى كل أيام حياتى» (مزمور ٢٣: ٦).. ونهى الكتاب المقدس عن التظاهر بالبر، أى أن يكون المظهر مخالفًا للحقيقة كمن يتظاهرون بالدِّين وهم لا يسلكون وفق تعاليمه، فيظهر غير ما يبطن، ويبرر أقواله أو أفعاله بقول الرب «أنتم الذين تبررون أنفسكم قدام الناس ولكن الله يعرف قلوبكم».. وقد عالج السيد المسيح ظاهرة تَصَنُّع البر قائلًا «سمعتم أنه قيل عين بعين وسن بسن وأما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر بل من لطمك على خَدَّك الأيمن فحول له الآخر أيضًا، ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضًا، ومن سخَّرَك ميلًا فاذهب معه اثنين، ومن سألك فأعطه ومن أراد أن يقترض منك فلا ترده»، مقطع من موعظة السيد المسيح على الجبل.

بل يمضى السيد المسيح لما هو أبعد من شريعة موسى التى تقول «تحب قريبك وتبغض عدوك»، أما السيد المسيح فيقول «أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم، لكى تكونوا أبناء أبيكم الذى فى السماوات، فإنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين ويمطر على الأبرار والظالمين، لأنه إن أحببتم الذين يحبونكم فأى أجر لكم أليس العشارون أيضا يفعلون ذلك؟ وإن سلمتم على إخوتكم فقط فأى فضل تصنعون أليس العشارون أيضًا- (العشارون هم جباة الضرائب ظلمًا) يفعلون هذا؟ فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذى فى السماء هو كامل».. ومتى صليت فلا تكن كالمرائين، فإنهم يحبون أن يصلوا قائمين فى المجامع (المجامع اليهودية)، وفى زوايا الشوارع لكى يظهروا للناس. الحق أقول لكم إنهم قد استوفوا أجرهم. أما أنت فمتى صليت فادخل إلى مخدعك وأغلق بابك وصل إلى أبيك الذى فى الخفاء. فأبوك الذى يرى فى الخفاء يجازيك علانية. وحينما تصلون لا تكرروا الكلام باطلًا كالأمم، فإنهم يظنون أنه بكثرة كلامهم يستجاب لهم. فلا تتشبهوا بهم، لأن أباكم يعلم ما تحتاجون إليه قبل أن تسألوه».

وعن الصوم علمهم السيد المسيح ألا يتشبهوا باليهود قائلا «ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين. فإنهم يغيرون وجوههم لكى يظهروا للناس صائمين. الحق أقول لكم إنهم قد استوفوا أجرهم. وأما أنت فمتى صمت فادهن رأسك واغسل وجهك لكى لا تظهر للناس صائمًا، بل لأبيك الذى فى الخفاء. فأبوك الذى يرى فى الخفاء يجازيك علانية».. وفى جزء من موعظته يتكلم عن العين البسيطة والعين الشريرة فيقول «سراج الجسد هو العين، فإن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيّرًا، وإن كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلمًا، فإن كان النور الذى فيك ظلامًا فالظلام كم يكون».

ثم يضع السيد المسيح قاعدة ذهبية حتى لا ندين الآخرين، فالديّان هو الله وصاحب السلطة الحاكمة كالقضاة الذين أقيموا ليحكموا بين الناس بالعدل. فيقول فى موعظته على الجبل: «لا تدينوا لكى لا تدانوا لأنكم بالدينونة التى بها تدينون، تدانون أيضًا وبالكيل الذى به تكيلون يُكال لكم».. «ولماذا تنظر القذى الذى فى عين أخيك وأما الخشبة التى فى عينك لا تفطن لها؟ أم كيف تقول لأخيك دعنى أخرج القذى من عينك وها هى الخشبة فى عينك؟ يا مراء أخرج أولًا الخشبة من عينك وحينئذ تبصر جيدًا أن تخرج القذى من عين أخيك».. هذه بعض من موعظة طويلة قدمها السيد المسيح وكان تركيزها على الأمة اليهودية. إنما هو صوت يذكرنا جميعًا بمواقفنا تجاه الآخر، لماذا ندين غيرنا فى حياته الشخصية طالما لم يسئ إلى غيره أو إلى قواعد القانون والآداب العامة، ونحاول الدخول إلى تفاصيل حياة أخى أو جارى دون مبرر؟ إنها صحوة للجميع.