محمد الباز يكتب: مغالطات فى الملاحظات على انتخابات الرئاسة
كان الاتجاه العام فى مجلس التحرير أن نمتنع عن نشر مقال الكاتب والسياسى أحمد بهاء الدين شعبان، الذى سجل فيه ملاحظاته على الانتخابات الرئاسية، ليس لأنه يحمل وجهة نظر مخالفة لما نعتقد أنه صحيح وندافع عنه، ولكن لأنه يحمل مغالطات، تؤكد أن كثيرين من سياسيينا ومثقفينا يخاصمون الواقع ولا يعرفون ما الذى يحدث على أرض الواقع، ولذلك تأتى رؤاهم ناقصة ومبتورة ومشوهة.
لكننى فى النهاية قررت نشر المقال، فالمجال لدينا يسمح ليس بأن نقرأ لمن يختلف معنا، ولكن ندافع عن حقه فى أن يقول رأيه، واحتفظت بحقى فى أن أسجل ما به من مغالطات أراها بوضوح.
أولًا: يرى بهاء أن الانتخابات تجرى فى ظل استقطابات سياسية واقتصادية حادة تعيشها مصر، لكنه يقع فى مغالطة أن هناك استقطابًا بسبب الصراع المحتدم فى مواجهة الإرهاب وجماعاته، إذن ما المقصود من ذلك؟، هل يرى بهاء ومَن يشايعونه وقوف الشعب المصرى خلف جيشه فى مواجة الإرهاب استقطابًا؟. مصر ليس فيها حزبان فيما يخص الإرهاب، هو حزب واحد فقط يدافع عن أرضه وحياته ومستقبله، أما الآخرون فهم خصوم وأعداء، وأخشى أن يكون بهاء يرى أنه يمكن أن تكون هناك وجهة نظر فيما يخص الإرهاب والحرب عليه.
ثانيًا: يرى بهاء بعقلية قديمة عفا عليها الزمن أن الإجراءات الاقتصادية الحادة التى شهدتها مصر جاءت بالتزام الحكم بتنفيذ مطالب صندوق النقد الدولى، ضاربًا عرض الحائط تمامًا بأن هذه الإجراءات كانت ضرورية، مهما كانت التضحيات، فكيف تطلب من شعب أن يعيش عالة على الآخرين طوال الوقت، دون أن يلعب دورًا فى إصلاح واقعه الاقتصادى. مشكلة بهاء أنه ينظر تحت قدميه، يردد كلامًا لا ينكره أحد عن تحمل محدودى الدخل لتبعات الإصلاح الاقتصادى، لكنه لم يلتفت أبدًا إلى إجراءات الحماية، التى تجتهد الدولة فى تطبيقها، لتخفيف الألم الذى لا بد أن نشعر به حتى نتعافى تمامًا.
ثالثًا: تمنى بهاء أن يكون المناخ الذى تجرى فيه الانتخابات الرئاسية غير ما يراه، كان يريد أن تجرى بشكل نزيه وشفاف، يتبدى فيه إصرار الجميع على ترسيخ قيم الديمقراطية الحقة والتنافسية الإيجابية، ورغم أن الكلام براق، لكنه ليس فى النهاية إلا مجرد كلام أجوف فارغ لا ظل له على الأرض، فما وصلنا إلى الوضع المتردى سياسيًا الذى نعيشه الآن إلا لأن القوى السياسية تخلت عن دورها، واستسلمت لدعاوى الاضطهاد والتهميش، وإلا فليدلنى بهاء على ما يدل على حيوية القوى السياسية التى انسحبت وتدعو إلى مقاطعة الانتخابات، وكأنه لا خطورة على الإطلاق تهدد حاضرنا ومستقبلنا.
رابعًا: تمنى بهاء أن يفتح المجال العام أمام الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية، فهل يتحدث عن مجال عام آخر لا نعرفه، وليحدثنى عن الذين انسحبوا.. هل أجبرهم أحد على ذلك؟، قدم لنا دليلًا ماديًا ملموسًا على أن هناك مَن أغلق الباب فى وجهه، بعيدًا عن الكلام النظرى الإنشائى، لقد عجزت المعارضة حتى عن التعبير عن نفسها، فاختارت تعليق فشلها على شماعة السلطة، وليتها قدمت على ادعاءاتها دليلًا يمكن أن نقتنع به.
خامسًا: يعيب بهاء توجهًا يرى أن أصحابه يهيلون التراب على الآخرين جميعًا دون تمييز بين عدو وصديق، ويدفع المجتمع إلى وضع بالغ الدقة أحال الانتخابات إلى استفتاء، وهو أمر يحتاج مواجهة وليس تفنيدًا فقط، فالنقد والنقاش ليس إهالة للتراب على أحد، وعندما ينتقد الإعلام مَن يتعرض للعمل العام لا يجب أن يعتبر البعض أن هذا توجه، فلو أن مَن أقدموا على ترشح أنفسهم للرئاسة تحملوا المسئولية بشكل كافٍ ما هربوا، ولما وجدنا أنفسنا أمام ما يدعيه بهاء من أنه استفتاء، ولو أراد الحق، فإن موسى مصطفى موسى أشجع كثيرًا من سياسيين كنا نراهم كبارًا، فإذا بهم يهربون ويختارون الكلام الإنشائى الأجوف الفارغ.
سادسًا: من طرف خفى يحاول بهاء إلصاق ما يتوقعه من عدم المشاركة فى الانتخابات الرئاسية بما جرى من أحداث يرى أنها كانت لإخلاء الساحة أمام مرشح واحد، وهو فى ذلك غير منصف تمامًا، لأننا نعيش معه على نفس الأرض، ونرى الأحداث دون فلسفتها أو إخراجها من سياقها، لقد أشار إلى ما جرى لهشام جنينة، دون الإشارة إلى التعامل الرسمى مع الحادثة بعد ذلك.
لقد خاصم بهاء العقل والمنطق فيما كتبه، وأرجوه أن يتقبل إهداءنا عيوب خطابه له، فقد تخلت القوى السياسية عن دورها، وجلست على قارعة الطريق كنائحة مستأجرة تستجدى أن نصدقها دون أن تقدم لنا شيئًا منطقيًا واحدًا يشفع لها فى ذلك.