رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تقارير استخباراتية إسرائيلية تكشف أسرار «صفقة القرن»

جريدة الدستور

رؤية نتنياهو: دولة فلسطينية عاصمتها «أبوديس» وبقاء المستوطنات
«يديعوت»: نتنياهو وترامب اتفقا على تقديم بنود غير مرضية للفلسطينيين
اقتراح فلسطينى بـ«مفاوضات دولية» على طريقة الاتفاق النووى مع إيران


تفرض إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب حالة تكتم شديدة على خطة السلام الأمريكية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، الجارى إعدادها وصياغتها من قبل فريق يترأسه جاريد كوشنر، صهر «ترامب»، وكبير مستشاريه ومبعوثه لدى الشرق الأوسط.
ورغم حالة «السرية» المحيطة بالخطة، المزمع الإعلان عنها قبل نهاية العام الجارى، حسب تصريحات مسئولين أمريكيين، فإنه يمكن التكهن بتفاصيلها وأسرارها من خلال التسريبات والتقارير التى تنشرها وسائل الإعلام الإسرائيلية.
وبحسب تلك التقارير، فإن خطة السلام تلك مرتبطة بقرار «ترامب» الخاص بمدينة القدس، واستراتيجية الأمن القومى الأمريكى الخاصة بالشرق الأوسط، والمنشورة قبل أسابيع قليلة، كما أنها تعتمد على «صيغة مفاوضات» جديدة تختلف عن المبادئ التقليدية، التى تبنتها الإدارات الأمريكية السابقة.
ويدرس رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو–وفق التقارير ذاتها- مجموعة من بنود الخطة، وفى مقدمتها نقل السيطرة على بعض الأحياء السكنية الفلسطينية فى «القدس الشرقية» للسلطة الفلسطينية، إلى جانب مجموعة أخرى من البنود نستعرضها خلال السطور التالية.

واشنطن ترفض المفاوضات متعددة المراحل وتسعى وراء تسوية نهائية
أظهرت تقارير ودراسات عبرية تفاصيل تتعلق بالاستراتيجية الأمريكية لتنفيذ ما يُعرف باسم «صفقة القرن»، معتمدة فى ذلك على معلومات وحقائق حصل عليها باحثون إسرائيليون من الإدارة الأمريكية ومن حكومة «تل أبيب».
ورأى «شمعون أراد»، عقيد احتياط وباحث متخصص فى شئون الأمن الإقليمى بمعهد أبحاث الأمن القومى، أن الولايات المتحدة لم تعد ترى فى النزاع الإسرائيلى الفلسطينى سببًا لمشاكل المنطقة، لكنها فى الوقت ذاته تعتبر السلام عاملًا مهمًا يسهم فى توثيق العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج، وهو ما يمكن استخدامه فى تحقيق ميزان قوى إقليمى إيجابى، يمكن من خلاله مواجهة التهديدات المشتركة، مثل إيران والإرهاب.
وأضاف،فى دراسته المنشورة بدورية «مباط عال»، «لتحقيق هذه الفكرة تعتمد الولايات المتحدة على الدول العربية السنية، لمحاولة إقناع الفلسطينيين بالعودة إلى طاولة المفاوضات، ومنح شرعية للتنازلات التى سيتطلب تقديمها خلال المباحثات، مع تذكيرهم بالمكاسب الاقتصادية والسياسية التى يمكن تحقيقها حال توقيع اتفاق سلام».
وبحسب «أراد» فإن إدارة «ترامب» ترفض فكرة المفاوضات متعددة المراحل للوصول إلى «تسوية نهائية»، وتعتمد فى خطتها للسلام على «إجراء مفاوضات لتحقيق تسوية نهائية وشاملة»، مرجعًا ذلك إلى أن «واشنطن تتفهم شكوك العرب والفلسطينيين حول المفاوضات المتعددة المراحل، واعتقادهم بأن إسرائيل تستغلها لتثبيت حقائق على الأرض فى الضفة الغربية وأهمها بناء المستوطنات».
وقال إن الإدارة الأمريكية تحاول اتباع نهج جديد لإتمام السلام، عن طريق الإشارة للقيادة الفلسطينية إلى أن استمرار «جمود» عملية السلام لا يعنى إلا مزيدًا من الخسائر للفلسطينيين، والمكاسب للإسرائيليين، ضاربة لهم المثل بأن «تأخر إقرار السلام أدى إلى الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل».
وأضاف: «الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل يجسد للفلسطينيين الخسارة التى لا يمكن إصلاحها إلا من خلال اتفاق نهائى مع إسرائيل حول المدينة، ويبعث لهم برسالة مفادها: (إذا لم تقبلوا بالخطة فإن واشنطن ستعمل على دعم سيادتكم الناقصة فيها)».
وأوضح أن واشنطن تشجع الإسرائيليين على المضى قدمًا فى المفاوضات بـ«مجموعة حوافز إيجابية»، بينما تحاول إقناع الفلسطينيين بالمشاركة من خلال الإشارة للخسائر الملموسة التى ستلحق بهم حال الرفض، وتأكيد أنه «لا مكاسب إلا بالمفاوضات».
فى السياق ذاته، كشف محلل الشئون العربية «جاكى خورى» فى مقاله بجريدة «هآرتس»، عن أن الحديث فى «تل أبيب» يدور حول دولة فلسطينية عاصمتها «أبوديس»، من دون إخلاء المستوطنات، فيما يظل «غور الأردن» تحت سيطرة إسرائيل.
و«أبوديس» بلدة فلسطينية تقع شرق القدس وملاصقة بها، تبتعد حدودها الغربية عن المسجد الأقصى نحو ٢ كم فقط، ويفصل جدار الفصل العنصرى بينها وبين مركز مدينة «القدس»، لذلك تقع فى نطاق الضفة الغربية رغم تبعيتها للمدينة المحتلة.
وقال «خورى»: «هذه الشروط أسهم فى وضعها نتنياهو، وحاول إقناع واشنطن بها، وهو ما وصل للرئيس أبومازن وسبب غضبه، إلى أن تدهورت الأمور عندما أطلق ترامب تصريحه بشأن القدس، فقال عباس لمعاونيه: إذا كان هذا هو سلام أمريكا.. فسنتدبر أمرنا من دونه.
أما الباحث «شالوم يروشالمى» فقال فى مقاله بصحيفة «يديعوت أحرونوت» إن «ترامب» و«نتنياهو» صاغا معًا تكتيكًا مشتركًا، يعتمد على دعوة الرئيس الأمريكى إلى المفاوضات، والإعلان خلال ٣ أشهر عن انعقاد مؤتمر للسلام، ويشكل طاقمًا رئاسيًا يضم جاريد كوشنر، وجايسون جرينبلات، والسفير ديفيد فريدمان، الذين يعدون من أشد المقربين للنظام اليمينى فى إسرائيل، ثم يعلن الطاقم عن صفقة لا تلقى قبول الفلسطينيين، فتخرج الإدارة الأمريكية وتتبنى الرواية الإسرائيلية حول «عدم قبول الطرف الثانى للمفاوضات».
وكشف «يروشالمى» عن أن وزراء مقربين من «نتنياهو» فوجئوا بالإعلان عن نقل السفارة خلال العام الجارى، لكن ذلك لا ينفى وجود تنسيق سياسى مسبق بين «نتنياهو» و«ترامب».
وتوقع الباحث الإسرائيلى بحسب ما يتردد فى إسرائيل- أن يتم وضع حجر أساس السفارة الأمريكية بـ«القدس» فى ١٤ مايو المقبل، الذى يوافق ذكرى مرور ٧٠ عامًا على «قيام إسرائيل»، مؤكدًا أن خطة السلام لا تتضمن عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم، لأن «نتنياهو لا يريد تقسيم إسرائيل خلال حكمه».
وأضاف: «كذلك أبومازن غير مستعد للقبول بحل يحوّله فى نظر شعبه إلى خائن».

الإدارة الأمريكية تضغط على أبومازن بتخفيض ميزانية «الأونروا» ومساعدات السلطة
كشف باحثون إسرائيليون، النقاب عن مجموعة من «الضغوط» التى ستفرضها «واشنطن» و«تل أبيب» على السلطة الفلسطينية، لمحاولة إقناعها بقبول «صفقة القرن»، وإجبارها على تغيير سياستها، وكانت معظم هذه الضغوط «اقتصادية».
وتطرق المحلل الإسرائيلى «يوسى كوبرفاسر» إلى هذه الفكرة، فى مقاله بصحيفة «إسرائيل اليوم»، وقال إن من بين هذه الضغوط تخفيض المساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية ولمنظمة الأمم المتحدة لتشغيل وغوث اللاجئين «الأونروا».
وقال الكاتب الإسرائيلى، إنه خلال الأيام القليلة المقبلة، سيتم تشريع قانونين يتصلان مع تلك الضغوط، أولهما «شتيرن» فى «الكنيست» و«تايلور فورس» فى «الكونجرس»، واللذان يشترطان لتحويل المساعدات للسلطة الفلسطينية، التزامها بوقف دفع الرواتب للسجناء وعائلاتهم، وإلغاء القانون الذى ينص على ذلك، واعتبار هؤلاء السجناء «خارجين على القانون».
وأشار إلى أن دوائر اليمين فى إسرائيل تضغط على واشنطن، لاستغلال ضعف السلطة الفلسطينية، من أجل الإسراع فى البناء الاستيطانى داخل «القدس»، مُعبرًا عن مخاوفه من أن يؤدى الضغط إلى نتيجة معاكسة، أهمها انهيار السلطة الفلسطينية، أو إقدام «أبو مازن» على وقف التنسيق الأمنى مع إسرائيل.
بدوره، رأى الكاتب الإسرائيلى «سيفر بلوتسكر» فى مقاله بصحيفة «يديعوت أحرونوت» أن تهديدات الولايات المتحدة للفلسطينيين بشأن هذه المساعدات «حقيقية جدًا»، وهو ما تتزايد أهميته إذا ما علمنا أن واشنطن هى الأكثر تقديمًا للمساعدات للشعب الفلسطينى، من خلال تحويلها بشكل مباشر وغير مباشر ما بين ٨٠٠ مليون إلى مليار دولار سنويًا.
واستشهد على «جدية» تلك التهديدات، بإعلان «واشنطن» مؤخرًا عن تجميد ١٢٥ مليون دولار من الميزانية المخصصة لـ«الأونروا»، التى تعد المورد الوحيد لجميع الخدمات فى مخيمات اللاجئين.
من ناحية أخرى، كشف الباحث الإسرائيلى «بن كسبيت» المقرب من الأجهزة الأمنية فى «تل أبيب» عن أن الفلسطينيين اقترحوا على واشنطن آلية جديدة فى المفاوضات، وهى أن تكون على غرار ما جرى فى المفاوضات على الاتفاق النووى مع إيران، الذى وضع الجمهورية الإسلامية فى جانب، وفريقًا مشتركًا من القوى العظمى (٥ + ١) فى جانب آخر، لافتًا إلى رغبة القيادة الفلسطينية فى انضمام الأسرة الدولية للمفاوضات.

السلطة الفلسطينية: لا تؤدى إلى إقامة دولة مستقلة ذات سيادة
وصف مراقبون إسرائيليون، ردود أفعال رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس «أبومازن»، الأخيرة، تجاه عملية السلام، بأنها عنيفة وعدائية تجاه واشنطن، خاصة خطابه الأخير، الذى اعتبر فيه «صفقة القرن» التى وعد بها الرئيس الأمريكى فى الشرق الأوسط بأنها «صفعة القرن»، وتهديده برد تلك «الصفعة». وقال الكاتب الإسرائيلى «دان مرغليت» فى مقاله بجريدة «إسرائيل اليوم» إنه حسب ما تردد فى الكواليس السياسية فى «تل أبيب»، فإن «أبومازن» حصل من السعودية على معلومات تفيد بأن الخطة الأمريكية «ظالمة للفلسطينيين».
وأضاف: «بدلًا من محاولة الحصول على مزايا أكبر، قرر أبومازن إلقاء زجاجة حارقة فى قلب الصراع من خلال تصريحاته الأخيرة، أما حكومة إسرائيل فقد سعدت لموقف أبومازن فهى تريد أن يبقى كل شىء متجمدًا فى مكانه وهو ما يرضى اليمين الإسرائيلى المسيطر على الحكومة».
فى السياق ذاته، أذاعت القناة الثانية الإسرائيلية خبرًا مفاده أن نائب وزير الدفاع الإسرائيلى «إيلى بن دهان» يعمل على تسوية وضع مستوطنات غير قانونية فى الضفة الغربية، كرد فعل على رفض الفلسطينيين للمفاوضات وتعثرهم فى طريق السلام.
أما الكاتب المقرب من دوائر صناع القرار فى تل أبيب «بن كسبيت» فأكد فى مقاله بجريدة «معاريف» أن المعلومات التى وصلت لـ«رام الله» عن خطة السلام تفيد بأنها لن تؤدى إلى إقامة دولة سيادية ومستقلة للفلسطينيين، وبدون العودة إلى حدود ١٩٦٧، كما أن مسألة اللاجئين لن تذكر على الإطلاق، وهى المعلومات التى سببت غضب «أبومازن»، فقرر قلب الطاولة مستغلًا بذلك «تصريح ترامب عن القدس» كذريعة لتعطيل عملية السلام، حسب قوله.
وزعم «بن كسبيت» أن مسئولين فلسطينيين قالوا له إن تصريح «ترامب» ليس مهمًا حقًا وليس له تأثير فيما يجرى على الأرض، لكن «رام الله» استخدمته كى توجه ضربة وقائية وتعطل المفاوضات قبل أن تكون واشنطن انتهت من إعداد خطة سلام، كى لا يضطروا إلى رفضها بعد ذلك بشكل علنى.
وأضاف: «الفلسطينيون قالوا فى الجلسات السرية: «لمن يلقى علينا أحد باللائمة لو أغلقنا عملية السلام فى أعقاب تصريح ترامب عن القدس»، حسب مزاعمه.