محمد الباز يكتب: لمصر لا لكرسى الرئاسة
يحلو للبعض أن يتحدث عمن سيتقدمون إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة، على أنهم مجرد مرشحين يخوضون منافسة للوصول إلى كرسى الرئاسة، وحتى لو كان هذا صحيحًا من الناحية القانونية، إلا أنه يفتقد أى لياقة سياسية.
فعليًا نحن لدينا رئيس أعلن أنه سيتقدم إلى السباق الانتخابى.. فى حين أن المرشحين الآخرين لم يستطيعوا أن يصمدوا، أحدهم وهو سامى عنان لم يكن محترفًا بما يكفى، فأوقع نفسه فى مخالفات قانونية، يمكن أن تنتهى به إلى السجن أو على الأقل ما تقره وتقرره جهات التحقيق التى يمثُل أمامها الآن، والثانى هو خالد على، الذى لم يستطع تجميع التوكيلات التى ستجعله مرشحًا محتملًا حتى الآن، ويقوم من يعملون معه بمهاترات كثيرة، تقول لنا ببساطة إننا أمام هواة لا محترفين.
ليس هذا هو الفارق الوحيد بين عبدالفتاح السيسى والآخرين.
هناك فارق أعتقد أنه يجب ألا نغفله، حتى لو جحده الآخرون.
فهناك من يعمل من أجل الحفاظ على أمن واستقرار وطن، وهناك من يتطلع لحصد مكاسب شخصية، حتى لو كانت صغيرة وحقيرة لا قيمة لها، هناك من ينظر إلى دولة مصر التى لا بد أن تكون قوية ومستقرة، وهناك من ينظر إلى كرسى الرئاسة على أنه مغنم، لا بد أن يحصل عليه بأى ثمن، حتى لو كان هذا الثمن ضد مصلحة الوطن.
من حقنا أن نخوض تجربة سياسية وديمقراطية ناضجة، لا يمكن لأحد أن يناقش فى ذلك على الإطلاق، لكن من حقنا ألا تجور هذه التجربة السياسية على واقع استثنائى نعيشه، ووضع على الأرض يفرض نفسه علينا.
لقد قرر البعض أن يدخل المنافسة الانتخابية، وكأن هذه أول انتخابات رئاسية فى مصر، أو كأنه لم يكن هناك رئيس عمل وأنجز خلال أربع سنوات، وكان ما فعله مؤيدًا من فئات عريضة من الشعب.
لا أطالب هنا بتعامل استثنائى مع الرئيس عبدالفتاح السيسى، رغم أنه يستحق ذلك تمامًا.
لكن على من يخوض السباق الرئاسى، أيًا كان اسمه، أن يقدم نفسه للناس من أرضية ما يستطيع أن يقدمه هو، دون المقارنة بما قام به السيسى، ليس لأن المقارنة ستكون ظالمة حتمًا، ولكن لأن الرئيس، فعليًا، قدم ما وعد به، ولديه ما سيقدمه خلال السنوات المقبلة، لكن أن تتحول المعركة إلى اتهامات فارغة وانتقادات بلا أساس، ومحاولة للنيل منه ومن دوره وما قدمه، فهذا هزل كامل، فليس مطلوبًا منّا فى كل انتخابات رئاسية أن نبدأ البناء من الصفر.
لا تثقوا كثيرًا فيمن يخوضون السباق، وعيونهم على كرسى الرئاسة، فهؤلاء لا خير فيهم ولا منهم، اجعلوا ثقتكم فيمن يعلى شأن الوطن على نفسه وعلى كل ما يملك، لا تركنوا لمن يبتزكم ويعدكم بما لا يملك، وضعوا كلمتكم فى صف من يصارحكم بما لديه، ويدلكم على الطريق، ولا يخدعكم فيما هو قادم من أيام.
لا نحتاج دليلًا على أن الوطن الذى يقوده رئيس يعرف قدره لا خوف عليه، لكن يبدو أن هناك من غامت الصورة أمامهم، ويحتاجون إلى أن نذكرهم ونشير لهم على طريق المستقبل، لأن من يريدون أن يظهروا فى الصورة يصرون على جرنا إلى الماضى.. وهذه هى حقيقة الصراع، فمصر فى معركة بين ماضٍ مريب وغامض وأسود، ومستقبل نصنعه بأيدينا.. ولذلك لن أقول لكم لا تخذلوا عبدالفتاح السيسى.. ولكن سأقول لكم بصراحة لا تخذلوا أنفسكم.