محمد الباز يكتب: كيف قام المسيح؟
لا يتردد أى مسلم فى الاحتفال بمولد المسيح، عليه السلام، لأنه لا خلاف بين الإسلام والمسيحية على مولده، فالمعجزة حاضرة، ويد الله تظلل الجميع، باسم الغلام الذى تحدث فى المهد، كى يكتب شهادة براءة السيدة الأعظم فى تاريخ الإنسانية، ليس لأنها تحملت أقدارها وحدها، وواجهت مجتمعها بطفل دون أب، ولكن لأن هذه الأقدار نفسها قسمت لها أن تتحمل عذابًا لا تطيقه أم، وهى ترى ولدها يذوق العذاب نيابة عن الجميع.
لكن فى عيد القيامة يأتى الخلاف.
فالإسلام يرى، بشكل قاطع، أن المسيح، عليه السلام، لم يصلب «وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم»، بل رفعه الله إليه، مخالفًا بذلك ما تقوم عليه الديانة المسيحية، لكنه يتفق مع كل ما تقوله الأناجيل عن حياته ومعجزاته وقربه من السماء، فهو كلمة الله وروح منه، لكنه لا يزال حيًا سينزل إلى الأرض آخر الزمان ليكون هاديًا ومهديًا، يقف فى وجه الفتن، ويحمى الناس من الشرور التى تتربص بهم.
على الأرض هو خلاف أورثنا كراهية وحروبًا ودماءً، الكل يقتل باسم الله، والله برىء من كل من يسفك الدماء باسمه، والكل يقدم نفسه على أنه وكيل الله فى الأرض، رغم أن الله لم يطلب من أحد أن يتحدث باسمه.
بتأمل بسيط لا يمكن لهذا الخلاف- الذى حاول البعض ظلمًا وزورًا وبهتانًا أن يجعله دمويًا- أن يؤسس شقاقًا أو عداءً أو خصامًا أو قتلاً أو سفكًا للدماء، هكذا أعتقد، لسبب بسيط أن الأديان فى النهاية ليست إلا تفسيرات لارتباط السماء بالأرض فى مراحل تاريخية بعينها، وعبر رسالات كانت متجاوبة مع احتياجات من نزلت فيهم وتعاملت معهم، وكلها بالمناسبة تفسيرات تعكس حقيقة واحدة، هى أن لهذا الكون إلهًا واحدًا نعبده جميعًا.
لقد أثبتت تجربة تعدد الديانات وتنوعها أنه ليس مهمًا ولا ضروريًا لهذا الإله الواحد ذاته أن نعبده بالطريقة نفسها، أو نصلى له فى نفس المكان ولا بنفس الطقوس، أو نتوحد فى مكان واحد نحج إليه فيه، فكل دين يأخذ المقتنعون به والراغبون فى التعبد إلى الله بطقوسه إلى حيث يريد، ولو أراد الله أن يجعلنا أهل قبلة واحدة لفعلها، لكنه اختار لعباده أن تتفرق بهم السبل، ولا يجمعهم إلا طريقه وحده.
ضعوا الخلاف جانبًا الآن، فلا الله يرضى عنه، ولا الحياة يمكنها أن تستقيم به.
تجردوا من مشاعر التربص.. تأملوا فقط فلسفة القيامة، ابحثوا خلف سطور هذا المعنى الكبير، ولن أذهب بكم بعيدًا، فهذه فقط قراءات لبعض ما كتبه وقاله بطاركة الكنيسة الثلاثة البابا كيرلس والبابا شنودة والبابا تواضروس.
أنصحك بأن تقرأ بقلبك.. وإذا أردت أن تقرأ بعقلك، فلا تتردد، لأنه فعليًا لا فرق.
يذكر العهد الجديد أن المسيح صُلب يوم الجمعة بيد الرومان، بعد أن قدمه رؤساء الكهنة اليهود للحاكم الرومانى بيلاطس ليقتله بتهمة تحريض الشعب على قيصر، وفى اليوم الثالث بعد صلبه قام من بين الأموات.
كان هذا موجز ما جرى، أما التفاصيل فتقول إنه فى اليوم الثالث- وحسب رواية إنجيل متى- وكان الرومان قد وضعوا حراسة مشددة على القبر الذى دفن فيه المسيح خوفا من أن يقوم تلاميذه بسرقة جثمانه، زارت بعض السيدات- شهدن صلبه وتعذيبه- القبر، لكنهن وجدن قبره فارغا، والجنود الذين كانوا يتولون الحراسة وكأنهم موتى.
طبقا للرواية فإن ملاكًا تجلى للسيدات- لم تكن من بينهن أمه السيدة مريم- وقبل أن يسألن عن جسد المسيح أين ذهب؟ قال لهم: المسيح حى، وقد قام من بين الأموات.
لا خلاف فى الأناجيل الأخرى على ما جرى، قد تقابلك بعض التفاصيل الجديدة، لكن صلب القصة واحد لا يتغير.
ففى إنجيل يوحنا، مثلا، لا حديث عن عدد من السيدات زرن القبر، فلا ذكر إلا لمريم المجدلية.
ذهبت المجدلية لتزور المسيح، ولما لم تجده فى قبره أخبرت بطرس ويوحنا بن زبدى، فأسرعا إلى القبر ليجدا الأكفان دون الجسد، لم يفعلا شيئا، فقط عادا إلى المدينة تاركين المجدلية وراءهما تبكى وتنتحب، فظهر لها ملاك أخبرها بقيامة المسيح، ثم ظهر لها المسيح نفسه، وكان هذا أول ظهور له بعد قيامته.
توالت بعد ذلك ظهورات المسيح فى الأيام التى أعقبت قيامته. فى اليوم الأول ظهر لتلميذين من تلاميذه على طريق قرية «عمواس» عرفاه عند كسر الخبر (وهذه رواية إنجيل لوقا).
فى مساء نفس اليوم ظهر المسيح لتلاميذه مجتمعين ولم يكن تلميذه توما من بينهم.
الظهور الثالث كان بعد ثمانية أيام على قيامته، وكان تلميذه توما بين التلاميذ، وهو وحده الذى لم يكن يؤمن بأن المسيح قام، قال لرفاقه: لن أؤمن ما لم أضع إصبعى مكان المسامير. (وهذه رواية إنجيل يوحنا).
ولما أصبح المسيح وتوما وجها لوجه، قال له: هات إصبعك إلى هنا وانظر يدى، وهات يدك وضعها فى جنبى، ولا تكن غير مؤمن بل كن مؤمنا، فرد توما عليه: ربى وإلهى. فقال له يسوع: ألأنك رأيتنى آمنت؟ طوبى لمن آمنوا ولم يروا. مرات عديدة ظهر فيها المسيح لتلاميذه، لكنها لم تدون، وطبقا لأعمال الرسل فإن يسوع أكد فى كل ظهوراته لتلاميذه أنه حى ببراهين كثيرة وقاطعة، بل حدثهم عن ملكوت الله الذى ينتظرهم.
بعد ذلك وطبقا لرواية إنجيلى متى ومرقس، فإن يسوع صعد إلى الجليل، وعلى جبل الزيتون كان ظهوره الأخير طبقا لأعمال الرسل، وهناك كانت آخر كلماته، قال لتلاميذه: ستنالون قوة من الأعالى متى حل الروح القدس عليكم، وتكونون لى شهودا فى أورشليم وفى كل اليهودية والسامرة وإلى أقاصى الأرض... ثم حجبته سحابة عن أنظارهم.