محمد الباز يكتب: خطأ أسامة كمال فى الاعتذار وليس فى الحوار
لم يكن الإعلامى أسامة كمال غافلاً عندما استضاف زوجة الإرهابى محمود مبارك، انتحارى الكنيسة المرقسية، بل كان يعى جيدًا أنه يقوم بعمل إعلامى احترافى، أعتقد أننا جميعًا كنا نتمناه، ويكذب أى إعلامى إذا قال إنه لا يسعى لمثل هذا الانفراد.
لم ألتفت لمن انتقدوا حوار أسامة وغيره مع أسرة الانتحارى، فقد تعودنا على بعض الأصوات، التى تحترف الانتقاد لأى وكل شىء، ولكنى ألتفت إلى الاعتذار الذى قدمه أسامة لمن هاجموه على حواره، رغم قناعته بأنه لم يخطئ، لكنه اعتذر عما سماه جرح مشاعر البعض.
ما كان لأسامة أن يعتذر، وهو الذى سبق أن برَّر حواره مع زوجة الإرهابى بأنه رسالة لكل الإرهابيين بأنهم يقتلون أهلهم قبل أن يقتلوا الآخرين، لأن الانكسار الذى يظهرون به كفيل بأن يسحقهم تمامًا، لكن الإعلامى المهذب اختار أن ينهى حالة الجدل حوله بكلمات رقيقة لا تتناسب مع صخب القضية التى وجد نفسه فى قلبها.
لن أتحدث فى السياسة، دعونا نتحدث فى الإعلام قليلًا، فظهور أسرة الانتحارى فى الإعلام بهذه الصورة، جزء مهم جدًا من الحرب النفسية على تنظيمات لا تتورع عن استخدام كل الأسلحة، لتكسيرنا وتهشيمنا وإخضاعنا.
وقبل أن تسأل عن مقصدى، سأقول لك، إن الإرهابى يحرص حرصًا كبيرًا على إخفاء أخباره عن أسرته، بل لا يعلن عن اسمه الحقيقى، ولذلك تكثر الأسماء الكودية التى تغلب عليها الصفة الإسلامية، لأنهم لا يريدون وضع أسرهم فى حرج أو يعرضونهم لأى أَذى، وهو ما يحرص قادتهم -الذين يسوقونهم إلى الجحيم- على تأكيد أن أهلهم فى أمان تام، ولن يصل إليهم أحد.
ظهور أسرة الإرهابى بهذا الشكل العلنى رسالة واضحة لكل الإرهابيين أن أهلكم ليسوا فى مأمن، وأنهم سيخضعون للاستجواب، ثم إنه - وهذا هو الأهم - فيه تكسير لعزيمة انتحاريين محتملين، يمكن أن يتراجعوا عما يخططون له، عندما يعرفون أن أسرهم ستكون الضحية الأولى لما يقدمون عليه.
ظهور أسرة الإرهابى كان رسالة مهمة لنا أيضًا، فقد استهنا بالخطر الذى يمثله الإرهابيون، والدور الذى تقوم به أسرهم، فهم يعرفون أنهم سافروا لما يعتقدون أنه جهاد، صحيح أنهم لا يعرفون على وجه التحديد أين هم، لكنهم يعرفون ماذا يفعلون، ولأن الأهل لن يكشفوا ستر أولادهم، فدورنا نحن أن نسارع بالإبلاغ عمن نعرفهم ممن سافروا ولم يعودوا، أو الذين تَركوا أسرهم ولا أحد يعرف عنهم شيئًا، فهؤلاء قتلة محتملون، ومن المهم أن تعرف الأجهزة الأمنية شيئًا عنهم، ودون مشاركة الجميع، فسيظل خطر هؤلاء الأشباح يُحلِّق حولنا.
كان هناك ما هو أهم، ففى حوادث سابقة، كانت قنوات الإخوان تستضيف أسر إرهابيين وانتحاريين، وتفتح لهم المجال للحديث وإلقاء الاتهامات بلا دليل، وتأليب الرأى العام العالمى علينا، فكان مهمًا أن يظهروا من خلال منصات إعلامية مصرية، فى رسالة واضحة بأننا لا نخشى شيئًا، وليس لدينا ما نخشاه.
هل بقى شىء؟
أعتقد أننا فى حاجة لأن نثُبت أكثر، وأن نثق فى قضيتنا أكثر، وأن نواجه أكثر، فليس معقولًا أن نخشى من ظهور أسر الإرهابيين، بل يجب ألا نخشى من ظهور الإرهابيين أنفسهم، فكل ما لديهم باطل، ونحن فى حاجة لأن يتأكد من يرقصون على السلالم أنهم على باطل.
أما الزميل العزيز أسامة كمال، فأقول له إن الحوار لم يكن خطأ.. الاعتذار فقط هو الخطأ.