محمد الباز يكتب.. تضليل شيخ الأزهر
لم أكن أتمنى أبدًا أن أقف من شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، هذا الموقف، لم أكن أرغب أبدًا فى أن أضع هذه الكلمة «تضليل» قبل اسمه، لكن ما قاله فى لقائه التليفزيونى على الفضائية المصرية أمس الأول، الخميس 6 أبريل، يدعونى لأن أتوقف أمام منطق الإمام الأكبر طويلًا، ليس بالإعجاب أو الثناء، ولكن بالتأمل والمناقشة والاعتراض أيضًا.
عاود «الطيب» بنفسه فتح ملف الطلاق الشفوى، معتقدًا أن ما يقوله سيكون مناسبًا بعد هدوء الزوبعات والتقولات - على حد قوله - وذلك حتى يعرف الناس بهدوء الموضوع من كل جوانبه.
تخيلت أن الدكتور الطيب سيقول كلامًا طيبًا، لكن لم أر بين سطوره إلا تضليلًا واضحًا، وهو ما سأوضحه فى نقاط محددة، حتى لا تضيع المعانى وتُبدد الأفكار.
أولًا: يقول الدكتور الطيب إن هيئة كبار العلماء انتهت إلى أن وقوع الطلاق الشفوى المستوفى أركانه وشروطه والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية، أى ليس واقعًا تحت ضغط نفسى أو غضب شديد، وبالألفاظ الدالة على الطلاق مثل «أنتِ طالق» - هو ما استقر عليه المسلمون منذ عهد النبى، حتى الآن، دون اشتراط إشهاد أو توثيق.
الكلام حتى الآن لا عيب فيه من الناحية الفقهية، لكن ما أضافه الطيب بعد ذلك يعتبر تضليلًا كاملًا، يقول: لم يثبت فى عصر النبى أن أحدًا من الصحابة حين كان يطلق زوجته يقال له وثق هذا الطلاق بالكتابة أو أشهد عليه، وحين يقال إن الطلاق دون إشهاد لا يقع فهذا حكم على أمة كاملة بتاريخ كامل بأن كل حالات الطلاق التى حدثت لا تقع، وهى بالملايين.
لو قرأت العبارة السابقة بعناية لن تحتاج منى إلى توضيح، لكنى مضطر إلى ذلك، فلم يطلب أحد فى عصر الرسول توثيق الطلاق الذى يتم دون شهود، لسبب بسيط أنه لم يكن هناك توثيق من الأساس، الزواج نفسه لم يكن موثقًا أيضًا، وبناء شيخ الأزهر على أن عدم توثيق المسلمين الأوائل للطلاق أمر ملزم لنا، يشير إلى أنه يضع الإسلام فى حجرة مظلمة لا تستجيب لتطورات العصر ولا ضروراته.
لم يكن الدكتور الطيب أمينًا معنا، وهو يرفع فى وجوهنا حجة عدم الإلزام بتوثيق الطلاق لأنه لم يثبت أن أحدًا من الصحابة حين كان يطلق زوجته يقال له وثق هذا الزواج بالكتابة أو أشهد عليه، الزمن تغير يا مولانا، وما كان يقال منذ أكثر من ألف و400 سنة، لا يجب أن يقال الآن، ولا يجب أن نقيس عليه أمور حياتنا.
وقبل أن يحتج شيخ الأزهر والذين معه، ويقولون إن التوثيق كان موجودًا «يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه».. سأقول إن هذا كان فى البيع والشراء وما فيهما من تعقيدات، وهى تعقيدات لم تكن موجودة فى أمور الزواج، الذى أصبح فى جوانب كثيرة منه الآن أقرب إلى عمليات البيع والشراء، وهذا للأسف الشديد.
ثانيًا: ذهب شيخ الأزهر إلى أن اللجنة التى نظرت أمر الطلاق الشفوى كانت تضم أحد القضاة المشتغلين بقضايا الزواج والطلاق والأحوال الشخصية، بصفته أقدر الناس على تقييم الواقع الأليم الذى تشهده محاكم الأسرة.
يريد منا شيخ الأزهر أن نصمت، فقد شارك فى صياغة رأى هيئة كبار العلماء متخصصون من خارجها، والسؤال: أين علماء النفس والاجتماع المهتمون بالقضية، أين من قاموا بأبحاث عديدة ويمكن أن يسهموا فى الرأى النهائى، ثم لماذا لم تقم الهيئة بجلسات استماع لأصحاب الأزمة، لتتعرف - عن قرب - على ما يجرى فى البيوت، لماذا لم تقم باستطلاع رأى للمضارين من الطلاق الشفوى، فربما أدركت أن الأوضاع على الأرض تستدعى الاجتهاد الذى نفتقده جميعًا؟
ثالثًا: دخل بنا شيخ الأزهر مساحة أعتقد أنه يضيق بها، قلنا إنه يتحدى الدولة، يسبح عكس التيار، وإذا به يقول إن هيئة كبار العلماء لم تركب رأسها، ولم تقف ضد الدولة، وهذا كلام لا يمكن أن نقر له به، فما حدث على الأرض يدل على عكس ذلك تماما، والمصيبة أنه تحدى الدولة بالمجان، فلم يطلب منه أحد أن يخالف الشرع، ولم يوجهه أحد ليخرج على الدين، كل ما طلب منه أن يبحث، فاعتقد أن الدولة تريد رأيًا معينًا، فأخذ ومازال يصر على ضده، ربما ليبعد عن المؤسسة الكبيرة شبح التبعية، الذى لا نرضاه لها بالمناسبة.
كان الأولى بشيخ الأزهر ألا يفتح هذه القضية من جديد، لأنه أضاف للجراح ألمًا جديدا، وما كنا لنتحدث لولا أنه تحدث.