الزراعة ضد الفلاح والتموين ضد المستهلك
فوجعنا جميعاً بتصريحات وزير الزراعة وهو يهدد ويتوعد الفلاح معلناً عدم تغيير السعر الذى وضعته الحكومة للقمح وأن تراجع المساحات المنزرعة بالقمح لا يؤثر فى صانع القرار وكأن زيادة وارداتنا لا تتطلب تدبير دولارات غير موجودة ولا تُذهب بأموال المصريين للفلاح الأجنبى، ويبدو أن الوزير ليس له خلفية بعمل بورصات الغذاء والحبوب العالمية ولا يدرى بالسلوك الاجتماعى للفلاح وعناده وإصراره. الحكاية تتعلق بوضع تسعيرة جديدة للقمح قدمها وزير التموين بعيداً عن الزراعة بعد فضيحة توريد القمح المستورد فى الموسم المنقضى على كونه قمحاً محلياً وبالتالى فالأمر واضح فيما يخص وزير التموين وتوجهاته، أما الأمر غير الواضح فهو قبول وزير الزراعة للأمر دون محاولة للدفاع عن الفلاح ودخله والذى سيتراجع بنحو ألفى جنيهللفدان بسبب زراعته للقمح عما تعود أن يبيعه طوال الأعوام الخمسة الماضية. فللأسف وبدل من أن تقوم الدولة بمعاقبة المتسببين فى مأساة توريد القمح وتربحهم 1.7 مليار جنيه بغير حق قامت بمعاقبة الفلاح بتخفيض سعر القمح المحلى إلى 310 جنيهات بدلاً من 420 للأردب فى الأعوام الماضية. الأمر ببساطة أن الفدان يدر محصولاً طبقاً للبيان الرسمى لوزارة الزراعة يصل إلى18 أردباً فى المتوسط والدولة وضعت للفدان دعماً حقلياً 1300 جنيه فقط أى بمعدل 72 جنيهاً للإردب على أن تشترى القمح منه بالسعر المعلن فى البورصة العالمية مقدراً بالسعر الرسمى للدولار فى البنك المركزى. ولما كان سعر طن القمح اليوم 200 دولار أى 1570 جنيهاً، فيكون سعر الأردب وزن 150 كجم 235 جنيهاً فقط، وبعد إضافة الدعم الحقلى للإردب البالغ 72 جنيهاً فيكون سعر استلام القمح المحلى من الفلاح هذا الموسم 307 جنيهات فقط مقارنة بسعر الأعوام الماضية 420 جنيهاً، بفارق 110 جنيهات فى الأردب وبالتالى تكون خسارة الفلاح فى محصول فدانه البالغ 18 أردباً ألفى جنيه، وهى كل ما يخرج به الفلاح من زراعته للقمح بعد صبر ستة أشهر. كنت أظن أن وزير الزراعة مهموم بهموم الفلاح مثلما وزير التموين مهموم بصالح التجار، وأنه سيوضح لمجلس الوزراء كيف أن تراجع مساحات القمح فى مصر تعنى ارتفاع أسعار القمح فى البورصة العالمية لأنها المستورد الأكبر فى العالم وأن الأمر سيتطلب تدبير عملة صعبة، والفلاح المصرى أولى بها لأن مايتسلمه من أموال سيدور فى فلك الاقتصاد المصرى ويدعم الجنيه المصرى ويساعد الفلاح وأسرته على المعيشة، كما أنه من الظلم حساب الفلاح على سعر البورصة العالمية فقط دون حساب تكاليف النقل البحرى للقمح المستورد ومعه تكاليف التفريغ فى الموانئ والنقل البرى الداخلى والتخزين وأعباء فتح الاعتمادات البنكية وتشهيلات الموانئ. للأسف ياوزير الزراعة ليتك ظللت حبيساً لمكتبك كما عودتنا طوال الأشهر الثلاثة الماضية.
فى جميع دول العالم تعنى عبارة مجمعات تعاونية أنها مؤسسات حكومية خالصة وغير مسموح باقتحام القطاع الخاص لها. وفى مصر وبلا شك تسبب وجود المجمعات التعاونية وهيئة السلع التموينية فى قلق بالغ للتجار والمستوردين لأنها أذرع الدولة فى ضبط أسعار السلع الغذائية عندما يشتد جشع التجار فى ظل حرية التسعير وعدم تدخل الدولة فى أسعار السلع فى أسواق التجزئة حتى لو وضع لها التاجر نسبة ربح 100%، وحتى لو انهارت الأسعار فى البورصات العالمية طوال عام ونصف العام بينما هى تشتعل فى مصر. ظل التجار يفكرون فى طريقة تسمح لهم باقتحام وتدمير دور المجمعات التعاونية واختراقها إلى أن تفتق ذهنهم من ابنهم البار بالسماح بالقطاع الخاص بافتتاح مجمعات تعاونية وتساعده الحكومة الناصحة ببضائع بمبلغ 100 ألف جنيه وهو مبلغ كفيل بأن تفتح به الدولة مجمعات بنفسها فى قرى الصعيد وبحرى المنخفضة الأسعار دون أن تستجيب وتسمح باختراق القطاع الخاص للحصن المنيع للفقراء، وبعدها يضيع دور المجمعات بعد أن يفسده تدخل القطاع الخاص بحجة تشغيل الشباب واستغلال عدم خبرتهم واندفاعهم وحرية التسعير وعدم الالتزام بأى أسعار تضعها الدولة خاصة ونحن نعلم أن الرقابة فى ظل وزارة التموين الحالية ستكون صورية. الأمر يمتد إلى السماح بختم لحوم العجول السودانى بالخاتم الأحمر والسماح للقطاع الخاص ببيعها ولا ندرى كيف سيميز المستهلك بين اللحوم البلدية بسعر 90 جنيهاً واللحوم السودانية المستوردة بسعر 50 جنيهاً وكليهما يحمل نفس لون الختم؟! فهل وزارة التموين منوط بها محاربة الفساد أم نشره؟! وهل لهذا مثيل فى العالم؟!
قامت حملة ضبط الأسواق بسبب جشع التجار ولا أدرى كيف نشكرهم الآن على تعاونهم؟!!