رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

150 عامًا.. عمر يخت "المحروسة".. السادات الأكثر تعلقًا به.. والسيسي يعيده لأمجاده

جريدة الدستور

عمره يزيد عن 150 عامًا.. افتتح قناة السويس وودع ثلاثة ملوك.. أقدم يخت في العالم.. وقع اختيار الرئيس عبد الفتاح السيسي عليه ليعلن فوق سطحه، افتتاح قناة السويس الجديدة، أغسطس المقبل، إنه اليخت الملكي "المحروسة".

"المحروسة" الملكي اليوم و"الحرية" سابقًا.. يعد من القصور العائمة؛ نظرًا لفخامته الشديدة، ويضم مجموعة من المقتنيات الذهبية الخالصة من «ملاعق وشوك وسكاكين ومقابض»، أبحر فيه كل رؤساء مصر وفي مقدمتهم جمال عبد الناصر، وأنور السادات، وحسني مبارك.
ويعتبر واحدًا من أكبر اليخوت في العالم بعد اليخت الخاص بالشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم إمارة دبي، والذي يبلغ طوله 525 قدمًا.

ويعد المحروسة أحد القصور الملكية العائمة، بما يحتويه من نقوش وزخارف ولوحات زيتية لأشهر الرسامين العالميين، سجلت فيه كل حضارات مصر عبر العصور المختلفة، سواء الفرعونية، واليونانية الرومانية، والعربية الإسلامية، كما يحتوي على مشغولات فضية وكريستالات وخزفيات وصيني وسجاد يرجع تاريخه إلى القرن الثامن عشر.

وقطع اليخت خلال تاريخه البحري مسافة تقارب نصف مليون ميل بحري أثناء رحلاته، وتوالي على قيادته حتى الآن 40 قائدًا بحريًا؛ أولهم الأميرالاي فردريك بك، وتلاه عدد من أمراء البحار، وآخرهم عقيد بحري أشرف سرور.

وقصة اليخت تبدأ في عام 1863 عندما أمر الخديوي إسماعيل، ببنائه وفي شهر أبريل عام 1865 اتمت بناؤه شركة سامودا في لندن، وأبحر اليخت لأول مرة في أغسطس 1865 من ميناء لندن على ضفاف نهر التايمز الإنجليزي إلى ميناء الإسكندرية المصري.

ووصل طول اليخت وقت بنائه 411 قدمًا وعرضه 42 قدمًا وحمولة 3417 طنًا، محرك بخاري يعمل بوقود فحم حجري يعمل بنظام الطارات الجانبية بسرعة حوالي 16 عقدة في الساعة، وكان يزينه مدخنتين، علاوة على ثمانية مدافع من طراز أرمسترونج؛ للحماية من أي إغارة بحرية.
وتم إدخال بعض التعديلات على تصميم وشكل اليخت، فتم زيادة طوله إلى 40 قدمًا عام 1982، وتغيير الغلايات الخاصة به عام 1894، وعدل الشكل الخارجي حيث تم نزع نظام الطارات الجانبية لتحل محلها نظام الرفاصات وزود بتوربينات بخارية حديثة عام 1905.

وفي عام 1912 زود بوسيلة اتصال وهي التلغراف، وفي 1919 غير نظام الوقود من وقود الفحم إلى وقود المازوت وعليه تم إطالة هيكل اليخت 27 قدمًا من جهة المؤخرة بميناء بورت ثموث الإنجليزي، وكذلك تطوير وتعديل اليخت بالترسانة البحرية (انسالدو) بميناء «لاسبيزا» الإيطالي عام 1949.

ومن أهم رحلات اليخت استخدامه في عام 1867 في نقل الحملة المرسلة لإخماد الثورة بكريت، وفي عام 1868 أبحر به الخديوي إسماعيل لحضور المعارض المقامة بباريس، كما أبحر به في عام 1869 لميناء مرسيليا الفرنسي؛ لدعوة ملوك وأمراء أوروبا لحضور الحفل العالمي لافتتاح قناة السويس.

وفي عام 1869 كان اليخت أول من عبر عند افتتاح قناة السويس وكان يقل لفيفًا من ملوك وأمراء أوروبا مثل أمير وأميرة هولندا، ولي عهد ألمانيا الأمير فريدريك، والإمبراطورة أوجيني، إمبراطورة فرنسا، وإمبراطور النمسا فرنسوا جوزيف.
وحينها أهدت الإمبراطورة أوجيني «بيانو» أثري للخديوي إسماعيل، كان قد صنع خصيصي للإمبراطورة في «شتوتغارت» بألمانيا عام 1867، وعزفت عليه بنفسها على ظهر اليخت، وما زال موجودًا حتى الآن بحالته الأصلية نفسها.

وفي عام 1879 أبحر به الخديوي إسماعيل بعد عزله عن حكم مصر بواسطة ابنه الخديوي توفيق باشا إلى ميناء نابولي في إيطاليا، وأبحر اليخت في عام 1899 من الإسكندرية إلى بور سعيد للاحتفال بإزاحة الستار عن تمثال ديليسبس.

وفي عام 1914 أبحر اليخت مقلا الخديوي عباس حلمي الثاني إلى منفاه بالآستانة بتركيا، كما جاء على متنه محمد رضا بهلوي، شاه إيران الراحل، وهو متوجهًا إلى مصر لعقد قرانه على الأميرة فوزية شقيقة جلالة الملك فاروق الأول، ملك مصر والسودان عام 1939.

وفي عام 1946 أبحر اليخت بأمر من الملك فاروق الأول، إلى ميناء جدة ليبحر على متنه الراحل الملك عبد العزيز آل سعود، ملك السعودية، إلى ميناء بور فؤاد المصري في زيارته لمصر بتاريخ 6-1-1946، حيث عاد به اليخت إلى ميناء جده في 25-1-1946 بعد انتهاء زيارة جلالته لمصر.

وفي 26 يوليو عام 1952، غادر به الملك فاروق الأول، إلى منفاه الاختياري في إيطاليا بعد تنازله عن عرش مصر والسودان بعد قيام ثورة 1952، وكان ينوي الاحتفاظ به معه إلا أن طلبه قوبل بالرفض من السلطات المصرية وقتها.

وعرض الملك فاروق مليون جنيه على الأميرالاي جلال علوبة، الذي اصطحبه من الإسكندرية إلى منفاه في إيطاليا، ولكن علوبة رفض.
وشارك اليخت في الافتتاح الثاني لقناة السويس في يونيو 1975م إبان حرب أكتوبر 1973، وعلى متنه الرئيس الراحل محمد أنور السادات.
في عام 1976 أبحر اليخت مسافة 12700 ميل بحري إلى الولايات المتحدة الأمريكية؛ للاحتفال بالعيد رقم 200 لاستقلال أمريكا.
ويتكون المحروسة من خمسة طوابق وهم :الطابق السفلي يضم الماكينات والغلايات وخزانات الوقود، الطابق الرئيسي غرف الجلوس، والمطابخ، والمخازن، والجناح الشتوي، والقاعة الفرعونية إضافة إلى جناح الأمراء والأميرات، فضلاً عن الطابق العلوي الأول يضم مقدمة اليخت، والمخطاف، والأوناش، وصالة الطعام، وصالة التدخين، والطابق العلوي الثاني سطح المدفعية، والحديقة الشتوية والصيفية، والجناح الصيفي والصالة الزرقاء، وكذلك الطابق العلوي الثالث الممشى والعائمات واحتوى اليخت على أربعة مصاعد منها المصعد الخاص بالجناح الخصوصي، وجراج خاص بسيارة جلاله الملك ذات اللون الأحمر الملكي.

واستخدم اليخت المحروسة في تدريب القوات البحرية المصرية بعد عام 1952، واستخدمه كل من الرئيس جمال عبد الناصر، ومحمد أنور السادات، ويرسو اليخت حاليًا قبالة شاطئ قصر رأس التين الملكي بمدينة الإسكندرية.

وشارك اليخت في عهد الراحل جمال عبد الناصر عام 1956 في العديد من الرحلات البحرية التاريخية، وسافر على ظهره الرؤساء خروشوف وتيتو، كما شارك في مؤتمرات باندونج وبريوني والدار البيضاء واللاذقية لدول عدم الانحياز.

وكان السادات الأكثر تعلقًا بالمحروسة، ومن أشهر الرحلات التي صاحبه فيها رحلته إلى يافا لتوقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل، كما شارك اليخت في المناورة البحرية عام 1974، وعلى متنه العاهل السعودي الراحل الملك فيصل، وصعد على متنه أيضًا الملك خالد والملك حسين والسلطان قابوس، وقد استخدم اليخت خلال الفترة من 1955 حتى 1973 لتدريب طلبة الكلية البحرية المصرية.

وتم تعديل اسم اليخت من قبل الحكومة المصرية بعد عام 1952 إلى اسم يخت "الحرية"، إلا أنه لا يزال يذكر من الناحية الواقعية والشعبية باسمه الملكي القديم وهو يخت "المحروسة"، وفي عام 2000 أمر الرئيس المعزول مبارك باسترجاع اليخت إلى اسمه الأصلي "محروسة".

وعلى الرغم من مرور 150 عامًا على تدشين "المحروسة"، ما زال شبابه متجددًا، وبحسب العديد من الخبراء فإنه يحتفظ بقدرته على الإبحار، بل نال جزءً من النجومية، جددت ذكرياته القديمة مع عرض مسلسل الملك فاروق الذي قام ببطولته الفنان تيم الحسن، وهو ما فتح فضول الجمهور لطلب زيارته فسمحت القوات البحرية المصرية بذلك بعد أخذ التصريحات اللازمة، فيستطيع الزائر الآن أن يتجول على متنه ويستمع لشرح كامل لتاريخه ويزور حجراته وصالوناته ليستعيد عبق تاريخ مصر.