رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا.. لست رئيساً لجميع المصريين


عندما أشاد الرئيس الدكتور محمد مرسى بدور الزعيم الراحل جمال عبدالناصر فى زيارته الأخيرة لإيران بعد أن كشف صراحة عن موقفه وآلامه منه فى ميدان التحرير وسط «الأحبة» وهو يقول «الستينيات وما أدراك ما الستينيات».. سعدنا وتوقعنا خيراً..

وظننا أن الرئيس سينسى هذه المواقف وتلك الآلام التى لم يرها شخصياً أو يعشها.. لأنه ببساطة كان فى هذه الفترة طفلاً صغيراً.. أو إن شئنا فلنقل «كان صبياً».. لكن من الواضح ــ الواضح جداً ــ أن هذا الرجل تشبع حتى النخاع بثقافة من ساندوه فى الوصول للحكم.. وهذا ما أبداه فى تكريمه للفريق سعد الدين الشاذلى ــ أحد أبطال قواتنا المسلحة العظام ــ والرئيس الراحل محمد أنور السادات ــ بطل الحرب المقدسة ــ وقبلهما مؤسس سلاح الصاعقة اللواء البطل جلال هريدى ونسى «جمال».

فهل يا دكتور مرسى عدم تكريمك لعبد الناصر.. مع أننى أقسم بالله لست ناصرياً.. أراحك وأرجع لك ثأراً قديماً مات وانتهى؟! أعتقد أن هذا الزعيم قدم لبلده ولشعبه الكثير.. وكان نموذجاً كريماً للحاكم الذى مثل جميع طوائف مصر.. وإن اختلف مع فصيل بعينه كالإخوان نتيجة أسباب معروفة سلفاً.

ولو كنت مكان «مرسى» لهرولت وكرمت «عبدالناصر».. لأنه ببساطة أستاذ هؤلاء جميعاً.. ليس فى العسكرية فقط بل فى الوطنية أيضاً.. وإذا أردت يا رئيس «مرسى» التأكد من ذلك.. فلن يكلفك الأمر سوى القليل من المعلومات من المخابرات العسكرية أو العامة.. وبهذا ستثبت للجميع أن فعلك ينطبق مع قولك أى رئيس لكل المصريين.. وأعتقد أن الوقت مازال مبكراً لتنفيذ هذه الخطوة.. فمن نصحك بتجاهل قائد بحجم وقامة «ناصر».. قد أضر بشخصك بل لا يحب لك الخير.. وإن كان ذلك الامتناع عن تكريم الرجل من نفسك «فجل من لا يسهو»!!

وللإخوان المسلمين أوضح بأن «جمال» قاد أكبر عملية تحول وطنى وصناعى واجتماعى فى العالم العربى.. وكان له الفضل فى الحفاظ على تراب هذا البلد من الضياع رغم هزيمة يونيو 67.. ويكفيه فخراً أنه قاد حرب الاستنزاف وسط مؤامرة صهيونية.. عالمية.. مهدت الطريق لنصر أكتوبر العظيم.. وهذا يجعلنى أنصحكم جميعاً قادة وعوام بأن تتجاوزوا هذه الخلافات «علشان خاطر ربنا.. وحفاظاً على هذا الشعب من التمزيق..وعلى مصر من الضياع.. خصوصاً فى ظل الظروف الراهنة».

وللرئيس «مرسى» أقول «لا يغرنك صمت الشعب وصبره على بلواه الذى ابتلى بها بعد أن قام بثورته، مطالباً بالتغيير والتطهير والحرية ومحاسبة الفاسدين واسترداد أمواله وتوزيع ثرواته بالتساوى على كل فرد علا منصبه أو قل.. فإن أخذت سيادة الرئيس بنصيحتى فعليك أن تفتح الآن وليس بعد ملفات الفساد على الملأ.. ولتحاسب اللصوص الذين سرقوا أموال الشعب وأمرضوه وأفقروه وأذلوه طوال هذه العقود افعلها يا دكتور «مرسى» حتى تكتب فى صحيفتك يوم لا ينفع مال ولا منصب ولا جماعة ولا بنون.. افعلها وكن سنداً للجميع.. لا لتيار دون غيره.. ولحظتها ستدخل قلوب المصريين قبل أن تدخل التاريخ.

يا دكتور «مرسى» لقد قلت من قبل «لا يغرنكم حلم الحليم».. فى إشارة واضحة منك بالتهديد لمواطنين بعينهم.. وأنا أكرر لك نصيحتى بألا يغرنك حلم الشعب وصبره على ما وصل إليه من انفلات أمنى وارتفاع فى الأسعار وزيادة فى البطالة وتهديد حدوده وضياع ثورته.

يا سيادة الرئيس لقد نصح الحجاج بن يوسف الثقفى من يحكم مصر قائلاً: «حذار من المصريين.. فإن قاموا على رجل ما تركوه إلا وقد قطعوا رأسه.. فاتق غضبهم ولا تشعل ناراً لا يطفئها إلا خالقهم.. وانتصر بهم.. فهم خير أجناد الأرض.. واتق فيهم ثلاثاً.. نساءهم فلا تقربهم بسوء وإلا أكلوك كما تأكل الأسود فرائسها.. وأرضهم وإلا حاربوتك صخورهم.. ودينهم وإلا أحرقوا عليك دنياك» واختتم الحجاج نصيحته قائلاً: «المصريون كصخرة فى جبل كبرياء الله.. تتحطم عليها أحلام أعدائهم وأعداء الله».

ما سبق ينسب للحجاج.. أما العبد الفقير إلى ربه.. يموت فى مصر عشقاً لا ينتمى إلا لتراب هذا الوطن ويعلم قدره جيداً.. فأضيف على ذلك وأحذر أياً ما كان من التعالى على هذا الشعب أو المكر له أو الضحك عليه أو الاستهتار والاستهانة به.. إذ كيف نطلب من جائع أو مريض أو عاطل أو مظلوم أو فقير سلبت أمواله أن يصبر على بلائه؟!.. هل نطلب من هؤلاء.. وهم السواد الأعظم من المصريين أن يصبروا مائة يوم أخرى على مصائبهم حتى يتحقق لهم مشروع «النهضة» الإخوانى؟!

وهل نطلب من المصريين نسيان هذا المشروع الذى رفعه الإخوان كبرنامج للدكتور «مرسى» فى الانتخابات الرئاسية؟!.. فإذا كان الأمر كذلك وهذا ما أكده المهندس خيرت الشاطر ــ نائب المرشد العام للإخوان المسلمين ــ فعلى أى أساس سيصبر المواطن وهو يرى حاضره ومستقبله مظلماً.. مظلماً.. مظلماً؟!

يا دكتور «مرسى».. صارح الشعب بحقيقة الأمور قبل أن تأتى فتنة تأكل الأخضر واليابس.. صارح الشعب بحقيقة اقتصاده وثرواته وديونه وتبعيته.. صارح الشعب بإمكاناتك حل مشاكله.. اكشف الحقائق وأمرك على الله.. قل للناس ما حجم قوتك فى محاسبة من يخون ويسرق بلده.. اكشف عن المخاطر التى تتعرض لها مصر حتى نقف جميعاً بجوارك.

تلخيصاً.. لقد انتابتنى الحيرة وأنا أنظر إلى تلك القلادات التى يصل وزن الواحدة منها إلى 250 جراماً من الذهب الخالص عندما يقرر شخص ــ مع كامل احترامى وتقديرى لمنصبه ولصلاحياته ــ أن يمنحها لمن يريد ويرضى عنه هو دون سواه!!.. وهنا أتساءل؟ هل يحق للرئيس لهذا أو ذاك دون أن يحاسبه جهة هنا أو هناك؟!.. أعتقد أن هذا العُرف.. أو «التقليقة» التى أحدثت شرخاً عميقاً فى نفوس شريحة كبيرة فى المجتمع، بسبب منحها لأفراد دون غيرهم ــ لابد وأن يوضع لها معايير.. وألا تترك على هذا النحو.. مش كده ولا إيه؟!.

■ كاتب صحفى

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.