رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عاجل.. إلى الرئيس «منصور» والمشير «السيسى».. النيل أمانة !


السيد المستشار.. عدلى منصور رئيس جمهورية مصر العربية.

السيد المشير.. عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع والإنتاج الحربى السابق والمرشح الرئاسى.

لايختلف اثنان على الدور المهم والخطير الذى قمتما به لإنقاذ مصر من الوقوع فى براثن الدولة الدينية، وتخليصنا من أسوأ جماعة عرفتها مصر منذ فجر التاريخ، وقد فرحنا بالخلاص من كابوسهم الذى جثم على صدورنا لسنة كئيبة كبيسة، وهناك مهمة أخرى بانتظاركما أظنكما تعلمانها علم اليقين، ولكن من واجبى أن أذكركما بها وهى «مياه النيل» التى تفاقمت أزمتها بعد بدء إثيوبيا فى بناء سد النهضة، وبدأت الأزمة الحالية فى صيف 2009 وتصاعدت حدة الخلافات بين مصر والسودان من ناحية ودول منابع النيل من ناحية أخرى وتطورت هذه الخلافات لتصنع أزمة حقيقية بين دولتى المصب – مصر والسودان- ودول منابع النيل مازالت تداعياتها مستمرة حتى الآن، من ينظر إلى هذه الأزمة لأول وهلة يعتقد أنها طارئة، لكن فى الواقع فإن أزمة مياه النيل لها جذور تاريخية.

 

كان استقلال «دول المنابع» عن الدول الاستعمارية.. كلمة السر فى أزمة مياه النيل والمحرك الأساسى لرفض هذه الدول الاعتراف بحصتى مصر والسودان من مياه النيل، حيث أعلنت كل من إثيوبيا وأوغندا وكينيا وتنزانيا – عقب استقلالها – عن عدم اعترافهم بالاتفاقيات المنظمة لتقاسم مياه النيل وخاصة اتفاقيتى 1929 و1959، وعللت هذه الدول رفضها هذه الاتفاقيات التاريخية بأن هذه الاتفاقيات تم توقيعها بين مصر والسودان من ناحية والدول الأوروبية الاستعمارية من ناحية أخرى، نيابة عن دول منابع النيل والتى كانت تقع تحت احتلال الدول الاستعمارية وبالتالى – بحسب زعمها - كانت دول المنابع دولاً غير مكتملة السيادة.

وأيدت دول المنابع ما أطلق عليه «مبدأ نيريرى» الذى نسب إلى الرئيس التنزانى الأسبق جوليوس نيريرى، والذى أكد فيه «أن الدولة المستقلة عن الاستعمار غير ملزمة بما سبق أن وقعته الدول الاستعمارية قبل الاستقلال من اتفاقيات ومعاهدات.

وينظم وصول مياه النيل إلى كل من مصر والسودان إلى جانب قانون الطبيعة عدة اتفاقيات وهى:

1- بروتوكول روما:

وقد تم توقيع هذا البروتوكول فى روما فى 15 أبريل من عام 1891 بين كل من بريطانيا وإيطاليا، تعهدت فيه إيطاليا وتحديداً فى مادته الثالثة بـ (( عدم إقامة أى منشآت لأغراض الرى على نهر عطبرة يكون من شأنها تعديل تدفق مياهه إلى نهر النيل على نحو محسوس))  .

2 - المعاهدة البريطانية – الإثيوبية:

ووقعت هذه المعاهدة بين بريطانيا وإثيوبيا – التى كانت تسمى آنذاك بالحبشة – فى 15 مايو من عام 1902، فيها تعهد ملك الحبشة لحكومة بريطانيا بـ (( ألا يصدر تعليمات أو يسمح بإصدارها فيما يتعلق بعمل أى شىء على النيل الأزرق أو بحيرة تانا أو نهر السوباط يمكن أن تسبب اعتراض سريان مياهها إلى النيل دون الموافقة المسبقة لحكومة بريطانيا وحكومة السودان )) .

3 - اتفاقية 1929:

وقد وقعت هذه الاتفاقية بين مصر من ناحية وبريطانيا وكيلاً عن السودان من ناحية أخرى، قد نتجت هذه الاتفاقية عن الأزمة التى نشبت بين مصر وبريطانيا بسبب تأجيل مصر للأخذ بتوصيات لجنة «ماكدونالد» التى رأسها السير مردوخ ماكدونالد ونشر تقريرها فى عام 1920، أوصت هذه اللجنة بإنشاء خزان سنار على النيل الأزرق لتأمين مياه مشروع الجزيرة بالسودان، وإنشاء خزان فى جبل الأولياء لتأمين احتياجات مصر من المياه صيفاً.

ولكن بريطانيا استغلت مقتل السردار البريطانى فى عام 1924، وأنذرت الحكومة المصرية بأنها ستستخدم ما شاءت من مياه نهر النيل لتزرع ما تريده من الأراضى فى السودان إذا لم تقم الحكومة المصرية بتشكيل لجنة دولية تبت فى مسألة نصيب كل من مصر والسودان من مياه النيل، وقد استجابت الحكومة المصرية حينها وقامت بتشكيل لجنة لبحث نصيب كل من مصر والسودان من مياه النيل، تشكلت هذه اللجنة برئاسة المهندس الهولندى «كانتر كرمرز» وبعضوية «عبدالحميد سليمان» ممثلاً لمصر و«ماكجريجور» ممثلاً لبريطانيا.

واعترف تقرير هذه اللجنة بحق السودان فى التوسع الزراعى بشرط ألا يسبب ذلك افتئاتاً على حقوق مصر التاريخية فى مياه النيل، وحددت حصة كل من مصر والسودان بناء على احتياجات الأراضى التى كانت تزرع فى البلدين حينها بنحو 48 مليار متر مكعب سنوياً لمصر و4 مليارات متر مكعب سنوياً للسودان.

وأخذ ما انتهت إليه «لجنة كرمرز» فى تقريرها أساساً للاتفاقية التى وقعت بين مصر وبريطانيا فى مايو من عام 1929 بل وأصبح هذا التقرير جزءاً من الاتفاقية.

4 - اتفاقية 1959:

فى 8 نوفمبر من عام 1959 وقعت كل من مصر والسودان الاتفاقية الخاصة بانتفاع البلدين بمياه نهر النيل وقد تضمنت الاتفاقية عدة بنود أهمها أن ما تستخدمه مصر من مياه نهرالنيل حتى توقيع هذه الاتفاقية هو الحق المكتسب لها قبل الحصول على الفوائد التى ستحققها مشروعات ضبط النهر ويقدر حق مصر المكتسب بنحو 48 مليار متر مكعب عند أسوان سنوياً، كما نصت الاتفاقية على أن مايستخدمه السودان وقت توقيع الاتفاقية هو الحق المكتسب له قبل الحصول على فائدة المشروعات المائية، وقدر حق السودان فى مياه النيل بنحو 4 مليارات متر مكعب سنوياً.

وبموجب هذه الاتفاقية وافق السودان على إنشاء السد العالى فى أسوان كأول حلقة فى مشروعات تخزين المياه على مجرى نهر النيل، كما وافقت مصر على السماح للسودان بإنشاء خزان الروصيرص على النيل الأزرق لكى يتمكن السودان من استغلال حصته من مياه النيل.

وطبقاً لهذه الاتفاقية وزع صافى الفائدة من المياه الناتجة من بناء السد العالى على الدولتين لتصبح حصة مصر السنوية من مياه النيل نحو 55.5 مليار متر مكعب ولتصل حصة السودان السنوية من مياه إلى نحو 18.5 مليار متر مكعب.

وهذه الاتفاقيات تحفظ حقوق مصر فى مياه النيل رغم أن دول منابع النيل ترفضها بحجة أنها وقعت وهى تحت الاحتلال، ولكن الاتفاقيات والمعاهدات وقواعد القانون الدولى لا تلغى بالتقادم ولا تخضع للانتقائية، كما أن هذه الدول الأوروبية قامت بحكم قواعد القانون الدولى عند احتلالها دول منابع النيل بتوقيع هذه الاتفاقيات فيما بينها لتنظيم العلاقات فى الدول الواقعة تحت احتلالها.

ومما يؤكد ذلك الحكم الذى أصدرته محكمة العدل الدولية فى عام 2010 بمناسبة النزاع بين الأرجنتين وأوروجواى وكذلك فى النزاع بين المجر وسلوفاكيا، حيث أكدت المحكمة أن المعاهدات ذات الطابع الإقليمى ومنها الاتفاقيات المتعلقة بالأنهار الدولية هى من المعاهدات التى لايجوز المساس بها نتيجة للتوارث الدولى، أى أنها من المعاهدات الدولية التى ترثها الدولة الخلفالمستقلة - عن الدولة السلف – المحتلة – ولايجوز التحلل منها لأى سبب من الأسباب.

النيل شريان حياة مصر

النيل شريان حياة مصر ولو – لاقدر الله – قطع هذا الشريان ستتحول مصر إلى صحراء جدباء، تنقل لنا صفحات التاريخ تأثير «النيل» على حياة المصريين فإذا جاء الفيضان مرتفعاً باعتدال عم الرخاء، إذا جاء منخفضاً عمت الفوضى العارمة والمجاعات التى كانت تضرب مصر من وقت لآخر منذ أن استقر الإنسان المصرى على ضفافه بسبب انخفاض منسوب فيضان النيل.

ووقعت المجاعة الأضخم وقعت فى عهد  (( المستنصرالفاطمى )) فى الفترة من 1065 م إلى 1071 م، استمرت لمدة سبع سنوات وبشكل متصل مما دفع المؤرخين إلى تسميتها بـ«الشدة المستنصرية» لوقوعها فى عهد المستنصر الفاطمى، خلال هذه الأعوام السبعة اضطر المصريون إلى أكل الميتة من الكلاب والقطط بل وصل الأمر إلى أكل الأطفال الصغار بعد ذبحهم وشيهم، قدر عدد من هلكوا فى هذه المجاعة – الشدة – بنحو ثلث سكان مصر حينها.

واستمرت الشدة إلى أن جاء منسوب فيضان النيل مرتفعاً وحينها ذهبت الفتن وعادت الزراعة وأقبل الخير.

ولما كانت الشدة المستنصرية قد حدثت بسبب انخفاض فيضان النيل، فإن مايمكن أن نسميها بـ«النكبة الأيوبية» والتى وقعت فى عهد العادل الأيوبى الذى حكم مصر فيما بين 1199 م إلى 1218 م كانت أيضاً بسبب انخفاض منسوب فيضان النيل كما يروى أحداثها الرحالة «عبداللطيف البغدادى» فيقول   (( ودخلت سنة سبع مفترسة أسباب الحياة وقد يئس الناس من زيادة النيل وارتفعت الأسعار وأقحطت البلاد وأشعر أهلها البلاء وهرجوا من خوف الجوع وانضوى أهل السواد والريف إلى أمهات البلاد وانجلى كثير منهم إلى الشام والمغرب والحجاز واليمن وتفرقوا فى البلاد ومزقوا كل ممزق )) .

ويستفيض البغدادى فى روايته المفجعة ويقول  (( رأيت صغيراً مشوياً فى قفة، قد أحضر إلى دار الوالى ومعه رجل وامرأة يزعم الناس أنهما أبواه فأمر بإحراقهما )) .

ويستطرد البغدادى ليقول  (( ووجد فى رمضان وبمصر رجل وقد جردت عظامه عن اللحم، فأكل وبقى قفصاً كما يفعل الطباخون بالغنم )) .

ويكمل البغدادى بقوله  (( وفى بعض الليالى بعد صلاة المغرب كان مع جارية فطيم تلاعبه لبعض المياسير فبينما هو إلى جانبها، اهتبلت غفلتها عنه صعلوكة فبقرت بطنه وجعلت تأكل منه نياً.. وحكى لى عدة نساء أنه يتوثب عليهن لاقتناص أولادهن ويحامين عنهم بجهدهن )) .

ويكمل البغدادى روايته ليقول (( ومما شاع أيضاً نبش القبور وأكل الموتى وبيع لحمهم )) .

ويقول البغدادى كذلك  (( وهذه البلية التى شرحناها وجدت فى جميع بلاد مصر ليس فيها بلد إلا وقد أكل فيه الناس أكلاً ذريعاً من أسوان وقوص والفيوم والمحلة والإسكندرية ودمياط وسائر النواحى )) .

وقدر عدد من لقوا حتفهم فى النكبة الإيوبية بنحو 220 ألف مصرى من مختلف مناطق مصر.

وبالتالى فإن وقائع  (( الشدة المستنصرية ))  و«النكبة الإيوبية» مرشحة للتكرار والاستدعاء من ذاكرة التاريخ لاقدر الله – فى حالة الانتقاص من حصة مصر من مياه النيل والمقدرة بنحو 55.5 مليار متر مكعب سنوياً سواء عن طريق إعادة توزيع حصص المياه بين دول منابع النيل بموجب الاتفاقية الإطارية لمياه النيل التى وقعتها «6» من دول المنابع، أو بناء سدود جديدة لمنع مياه النيل من التدفق الطبيعى إلى مصر، ومنها بالطبع سد النهضة الذى تتوقع أفضل السيناريوهات أن يخصم من حصة مصر السنوية من مياه النيل نحو 14 مليار متر مكعب.. ليس هذا تهويلاً بالطبع ولكنها أحداث وقعت بالفعل – وإن كانت جزءاً من التاريخ – ومرشحة للحدوث الآن لأن الأوضاع لم تتغير عن وقت وقوع «الشدة المستنصرية» أو «النكبة الأيوبية» فمصر تعتمد بصورة أساسية على نهر النيل.. والنيل ببساطة شريان حياة مصر فإذا قطع الشريان – لاقدر اللهماتت مصر فى الحال!!

المخرج من الأزمة

لن تحل أزمة مياه النيل إلا بدخول دول حوض النيل وباقتناع تام فى منظومة تعاون، وآفاق التعاون بين دول حوض النيل رحبة وتسع الجميع ومنها وقف إهدار المياه فى دول حوض النيل والتى تقدر بنحو 70 مليار متر مكعب سنوياً تذهب دون استفادة بسبب التبخر وفى المستنقعات، ذلك من خلال مشروعات تشترك فيها كل دول الحوض وفى القلب منها مشروع «قناة جونجلى» المعطل الذى لو تم تنفيذه سينتج عنه فى مرحلته الأولى فقط نحو 25 مليون متر مكعب يومياً، لترتفع هذه الكميات فى مرحلته الثانية لتصل إلى نحو 55 مليون متر مكعب، يمكن تقسيمها بالتساوى بين مصر والسودان وجنوب السودان، هذه الكميات للأسف تضيع هباء فى جنوب السودان يومياً بسبب التبخر والمستنقعات.

وفيما يتعلق بأزمة «سد النهضة» فعلى دول حوض النيل الشرقى – مصر والسودان وإثيوبيا – الدخول فى مفاوضات جادة وفق إطار زمنى محدد لايتجاوز ستة أشهر مع إيقاف إثيوبيا للعمل فى بناء السد الذى بلغت نسبة الإنجاز به نحو 30%، وذلك من أجل التوصل إلى صيغة توافقية حول سد النهضة، فإذا فشلت المفاوضات فيمكن لمصر – المتضرر الأكبر من السد – اللجوء لمحكمة العدل الدولية.. فإذا أصدرت المحكمة حكماً فيجب على كل الأطراف احترامه.

النيل أمانة فى أعناقكم ياسيادة الرئيس وياسيادة المشير.