رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المنتدى الحضرى العالمى.. لماذا القاهرة؟

فى ظل انتقال سكان العالم، باستمرار وبسرعة، إلى المدن، أكثر من أى وقت مضى.. كيف يمكننا ضمان أن تكون البيئات الحضرية مستدامة وآمنة لمواطنيها؟
هذا السؤال وغيره، سيكون محور النقاش فى النسخة الثانية عشرة للمنتدى الحضرى العالمى WUF12، التى تستضيفها مصر فى الفترة من الرابع إلى الثامن من نوفمبر الجارى، إحدى أهم الفعاليات العالمية التى تعد القاهرة، العاصمة الأولى فى القارة الإفريقية التى تستضيف هذا الحدث العالمى، انعكاسًا لمكانتها فى الساحة الدولية والتزامها بملف التنمية المستدامة، وخصوصًا فى مجال التنمية الحضرية المستدامة.. ومن المقرر أن يشهد المنتدى تنظيم خمسمائة وستين فعالية ومعرضًا يشارك فيه أكثر من مائة منظمة دولية ومحلية من تسعة وأربعين دولة، على مساحة أكثر من ستة آلاف متر مربع.. ووفق برنامج الأمم المتحدة «الهابيتات»، من المتوقع أن يشارك أكثر من عشرين ألف شخص فى المنتدى الذى تستمر فعالياته أربعة أيام.
وقبل أن نغوص فى تفاصيل هذه الدورة، لا بد من تعريف ماهية المنتدى الحضرى العالمى، ولماذا هو مهم؟
أُنشئ المنتدى الحضرى العالمى WUF، وهو مؤتمر رئيسى للأمم المتحدة معنى بالتنمية الحضرية المستدامة، فى عام 2001، لمعالجة قضية التحضر العالمى، بوصفه إحدى أكثر القضايا إلحاحًا التى تواجه العالم اليوم.. ومنذ ذلك الحين، يعقد المنتدى دورته كل عامين، إلى أن وصل هذا العام إلى القاهرة.. ومنذ بدايته، ساعد المنتدى موئل الأمم المتحدة «وكالة الأمم المتحدة للبلدات والمدن المستدامة» على جمع المعلومات عن الحالات والاتجاهات، وبناء الشراكات والتحالفات من أجل دعم عمله، وإيجاد حلول لأزمة الإسكان العالمية، والأزمات الكبرى، مثل تغير المناخ والصراعات والفقر.. أما لماذا هو مهم؟.. فلأن حوالى 50% من سكان العالم يعيشون اليوم فى المدن، ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 70% بحلول عام 2050.. ومعروف أن الانتقال إلى المراكز الحضرية، له تأثير كبير على المجتمعات والمدن والاقتصادات وتغير المناخ والسياسات.
وستشهد القارة الإفريقية أكبر معدل فى النمو السكانى، حيث من المتوقع أن يتضاعف عدد سكان القارة تقريبًا، خلال السنوات الثلاثين المقبلة.. ومن المرجح أن تصبح القاهرة، إلى جانب العديد من المدن الإفريقية، واحدًا من أكبر المراكز الحضرية فى العالم، حيث تضم أكثر من عشرة ملايين شخص بحلول عام 2035.. وقد أكدت أناكلوديا روسباخ، المديرة التنفيذية لموئل الأمم المتحدة، أن «المنتدى الحضرى العالمى، بوصفه تحالفًا كبيرًا لدعم التغيير التحويلى، هدفه تعزيز التعاون والتآزر بين المشاركين فيه، على النهوض بالتنمية الحضرية المستدامة وتنفيذها».
شعار الدورة الجديدة من المنتدى لهذا العام، هو أن «كل شىء يبدأ فى المنزل: إجراءات محلية من أجل مدن ومجتمعات محلية مستدامة».. وهو يؤكد أن الحلول يجب أن تبدأ حيث يعيش الناس ويعملون ويبنون حياتهم.. وسيكون هناك تركيز على الإجراءات المحلية لمعالجة أزمة الإسكان العالمية، التى تتفاقم بسبب تغير المُناخ وتزايد عدم المساواة.. وهنا تقول السيدة روسباخ، «من خلال تقريب المناقشة من الوطن، والتركيز على الإجراءات المحلية، نهدف إلى ترجمة الأهداف العالمية إلى تحسينات ملموسة فى حياة الناس.. وسيكون المنتدى بمثابة منصة لمناقشة المبادرات المحلية الناجحة والتعلم منها، ما يضمن أن التقدم المُحرز فى مدينة واحدة، يمكن أن يُلهم ويوجه الجهود المماثلة فى أماكن أخرى».. وسيتعرف المندوبون أيضًا على الطرق العديدة التى يعمل بها المخططون والسلطات الحضرية، على جعل المدن أكثر استدامة من خلال على سبيل تطوير المساحات الخضراء والحدائق والغابات الحضرية، والتى تساعد على التخفيف من تأثير الجُزر الحرارية، وتحسين جودة الهواء، وتعزيز التنوع البيولوجى.
●●●
لقد وضعت القاهرة اللمسات النهائية على الاستعدادات الجارية بمركز المنارة للمؤتمرات الدولية لبدء انطلاق المنتدى غدًا، والذى يُعد ثانى أكبر حدث على أجندة الأمم المتحدة، بعد مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المُناخى والذى سبق واستضافته مصر فى مدينة شرم الشيخ، ولاقى إشادة إقليمية وعالمية.. وقد تأكد حضور عدد من رؤساء الدول والمسئولين الدوليين وحوالى مائة وثلاثة وزراء، وستة وثلاثين نواب وزراء، وثلاثمائة محافظ، كما سيتواجد نحو مائة وخمسة عشر عارضًا، فى المعرض الذى يقام خلال المنتدى، بالإضافة إلى حوالى تسعمائة متطوع يشاركون فى التنظيم.. وقد قام أكثر من ثلاثين ألف شخص من مائة وثمانين دولة قاموا بالتسجيل، للحضور والمشاركة فى المنتدى.
ووفق المنظمين للدورة الجديدة، فإن المنتدى يشهد ست جلسات حوارية رفيعة المستوى، وتسع جلسات خاصة بمناقشة التحديات الحضرية العالمية، وتبادل الخبرات حول التنمية الحضرية المستدامة، التى من أهمها، الجلسة الخاصة بمصر، والتى ستمثل فرصة لتسليط الضوء على التجربة التنموية والحضرية والعمرانية، التى قامت بها مصر خلال العشر سنوات الماضية، فيما يخص التحضر السريع، التنمية المستدامة، الإسكان، البنية التحتية الحضرية، كما سيناقش المنتدى تحديات التكيف مع التغيرات المناخية وتأثيراتها على المدن، إضافة إلى القضايا الاجتماعية مثل الحد من الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية.. وسيتناول المنتدى، قصص نجاح محلية وقومية، تكون ملهمة للدول المشاركة فى دورته الجديدة.
وتطبيقًا لمُخرجات الدورة، فإن إعادة إحياء حى الأسمرات فوق هضبة المقطم، ستكون إحدى النتائج الملموسة لمؤتمرالقاهرة، وهو حى منخفض الدخل.. وتعد هذه المبادرة، التى يتم تنفيذها بالتعاون مع محافظ القاهرة، جزءًا من خطة لتحويل المدينة إلى معرض حى للعمران المستدام.. وكما توضح روسباخ، فإن «هذه المبادرة هى دليل على إيماننا، بأن كل مدينة وكل مجتمع وكل مقيم، له دور يلعبه فى بناء مستقبل أفضل».. وبالنسبة لموئل الأمم المتحدة، ستشمل النتيجة الناجحة للمنتدى الحضرى العالمى WUF12، إنشاء شراكات وتحالفات جديدة للنهوض بالتنمية الحضرية المستدامة، وتعزيز كل من الخطة الحضرية الجديدة للوكالة الأممية وخطة التنمية المستدامة لعام 2030، وكلاهما يقترح رؤية لمستقبل أفضل وأكثر استدامة للجميع.. كما ستواصل الوكالة العمل عن كثب، مع السلطات المحلية والناشطين الملهمين فى المشاريع الحضرية، التى تغير الحياة فى المدن فى جميع أنحاء العالم.. فعلى سبيل المثال، فى كيبيرا، وهو حى شعبى فى نيروبى، بكينيا، يعمل موئل الأمم المتحدة مع منظمة شعبية لتجديد نهر نجونج وتحسين بيئة المجتمع المحلى.. وفى يانجون، بميانمار، تعمل الوكالة بشكل وثيق مع الجماعات المحلية، لإدخال خزانات كبيرة لتجميع مياه الأمطار، وتوفير مياه آمنة وبأسعار معقولة، لبعض الأشخاص الأكثر ضعفًا فى المدينة.. وفى بوليفيا، دعم موئل الأمم المتحدة البلاد، لوضع خطة وطنية ذات أهداف واضحة لتحسين حياة سكان المدن.
●●●
أما السؤال الأهم هنا، فهو: لماذا مصر، هى مقر للدورة الثانية عشرة من المنتدى؟.
لا شك فإن انعقاد هذه الدورة فى القاهرة، يُعد ملحمة جديدة فى محور استضافة المؤتمرات والفعاليات الدولية الكبرى، تسطرها الدولة المصرية، وتُعد استضافة المنتدى برهان على قوة البنية التحتية، وقدرة الدولة المصرية على التنظيم والتأمين وإدارة الأمور اللوجيستية، بجانب مشاركتها الفعالة فى الأحداث والفعاليات المؤثرة فى ملف التغيرات المناخية والتنمية المستدامة.. كما يعكس إدراك الدولة المصرية وقيادتها السياسية، لدورها الريادى على المستوى الإقليمى والدولى فى مختلف الأصعدة، التى يأتى من بينها ملف التنمية المستدامة.. وكما قلنا، فإن هذه المرة الأولى التى يعقد فيها المؤتمر فى مصر، الثانية فى إفريقيا، منذ انعقاده لأول مرة فى العاصمة الكينية نيروبى.. وتندرج هذه الاستضافة فى إطار تنفيذ رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة، وجهود هيئة الأمم المتحدة أيضًا للتنمية المستدامة لعام 2030، حيث ينعقد المنتدى فى مصر تحت إشراف رئاسة مجلس الوزراء والوزارات المعنية.
لذلك، أكد الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، ضرورة الاستعداد من جميع النواحى لإقامة هذه الفعاليات الدولية، خصوصًا أنه سبق لمصر تنظيم فعاليات دولية كبرى مثل هذه من قبل، لعل من بينها استضافتها «يوم المدن العالمى» فى مدينة الأقصر، علاوة على فوز هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بجائزة برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية UN-HABITAT للتميز الحضرى لعام 2021.. وقال رئيس الوزراء، إن استضافة القاهرة للمنتدى الحضرى العالمى، فرصة هائلة لكل الخبراء العالميين لرؤية التجربة المصرية الفريدة، فى كل مناحى وبرامج الأمم المتحدة، والتعرف على الجمهورية الجديدة بحق، التى شرعت الدولة المصرية فى بنائها على مدار السنوات العشرة الماضية.. مُعربًا عن تمنيه أن تكون نسخة المنتدى ناجحة بكل المقاييس، فى ضوء العدد الكبير الذى أكد الحضور.
يوفر المنتدى فرصة لعرض النموذج المصرى فى تعزيز التنمية الحضرية المستدامة خلال الفترة الماضية، خصوصًا أن المدن الجديدة تعد بمثابة إنجازات حضرية بارزة، ومنها المشروعات التى تمت فى مجال التطوير العمرانى والنقل والبنية التحتية، إذ إن جميع هذه المشروعات تتماشى مع مستهدفات برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية.. وقد وجه رئيس الوزراء باصطحاب المسئولين ببرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، والمشاركين فى المنتدى الحضرى العالمى، فى جولات ميدانية بعدد من المشروعات التى نفذتها الحكومة المصرية فى القطاعات المختلفة، للاطلاع عن قرب على التجربة المصرية لتعزيز التنمية الحضرية.
■■ وبعد..
فإن المنتدى يُعد إحدى أهم المنصات العالمية لتبادل المعرفة والخبرات حول التنمية الحضرية المستدامة، ويمثل فرصة قيمة لمصر لتعزيز التنمية الحضرية المستدامة، وفتح آفاق جديدة للتعاون الدولى، وفرصة قوية للقاهرة لمناقشة استراتيجيات التنمية الحضرية المستدامة، ما يساعد على تحسين جودة الحياة فى المدن والاستفادة من الحلول الناجحة، والتحديات التى تواجهه الدول فى مجالات التخطيط العمرانى والنقل والإسكان.. وتعزز استضافة مصر للمنتدى، من فرص جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فى مشاريع البنية التحتية، كما يشكل المنتدى منصة للتفاعل مع ممثلى الحكومات، المنظمات الدولية، والقطاع الخاص، ما يعزز التعاون فى مجالات التنمية الحضرية، ويسهم فى تحفيز الابتكار فى السياسات والممارسات الحضرية.
لدينا توقعات بمشاركة واسعة النطاق فى المنتدى، لأهمية هذا الحدث العالمى، الذى يتناول العديد من الموضوعات المهمة جدًا، التى تتماشى مع أهداف التنمية المستدامة، من آثار النزاعات، والتحديات المناخية، والتحديات الخاصة بمواجهة الفقر وحق السكن الملائم والقضاء على العشوائيات، وكذلك التنمية العمرانية.. ولدينا توقعات بنجاح كبير لهذه الدورة من المؤتمر بالقاهرة، التى تقوم على العديد من الشراكات والفعاليات المختلفة، مع مشاركة كل من القطاع الحكومى والقطاع الخاص، والمجتمع المدنى، والجهات الأكاديمية.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.