رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أرض الإله.. عزة ومنعة وسلام

حصدت بوابة مصر الشرقية «سيناء»، على مر الزمن، أسماء تاريخية، فهى أرض القمر، وهى طور سيناء، ومدين، وأرض النار، كما كان يسميها الرومان فى سالف العصر، وجمعت على مر التاريخ من الشواهد الإلهية والربانية ما يجعلها موقعًا مباركًا فريدًا، ومن خلالها، دخل الفتح الإسلامى عند مدينة المساعيد، وشهدت رحلة العائلة المقدسة إلى أرض مصر.. وشهدت حوار الخالق سبحانه، مع النبى موسى عليه السلام، واهتز أكبر جبالها عندما تجلى الخالق جل جلاله لسيدنا موسى، وهناك دير سانت كاترين بأحداثه الدينية.. هى سيناء أرض ديانات الله ومعجزاته.. وهى أرض البطولات التى حققها الجيش المصرى فى السادس من أكتوبر 1973.. طمع فيها الإرهاب، فقطع رجالنا البواسل، فى قواتنا المسلحة وشرطتنا شأفته، وأصبحت قرينًا بالعزة والكرامة، والانتصار العظيم.. ثم هى مدينة السلام وأرض الفيروز.
لذلك، فهى المرتكز الدائم فى احتفالات النصر بذكرى أكتوبر من كل عام.. ومنذ يومين، أُقيمت احتفالية اتحاد القبائل العربية والعائلات المصرية، بمناسبة ذكرى انتصارات أكتوبر الواحدة والخمسين، باستاد العاصمة الإدارية الجديدة، بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسى، ورئيس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولى، ووزير الداخلية، اللواء محمود توفيق، وعدد من الوزراء وكبار رجال الدولة، وسط عشرات الآلاف من أبناء محافظات مصر، الذين حضروا من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، من أهل أسوان والنوبة والدلتا والوادى الجديد ومطروح وسيناء، تأكيدًا على اعتزاز أبناء مصر بأبطال القوات المسلحة، الذين نجحوا فى تحقيق النصر فى السادس من أكتوبر، كواحد من أهم المحطات فى تاريخ مصر الحديث، فضلًا عن تأييد القيادة السياسية فى كل ما تراه مناسبًا من أجل الحفاظ على مصر وأمنها القومى.
ما حدث فى هذه الاحتفالية، وهى الأولى التى تنظمها مؤسسات المجتمع المدنى مع القوات المسلحة، داخل أضخم قلعة رياضية فى الشرق الأوسط «استاد مصر»، بالقرية الأوليمبية بالعاصمة الإدارية الجديدة، ليست مجرد احتفال أو حدث عابر، لكنها كانت حديثًا عن تاريخ وقوة وحضارة بدأت منذ آلاف السنين، وما زالت مستمرة داخل كل مصرى.. يقوم الفن دائمًا ليروى حكايات الأبطال التى سطرت تاريخنا، ونعيش الفخر به فى كل لحظة.. وما كان عرض فيلم «حكاية أبطال» إلا تسجيلًا لبطولات مصرية، بدأت منذ فجر التاريخ، مع توحيد الملك مينا الدلتا والصعيد تحت اسم أرض الإله «مصر»، التى لم تنقسم منذ التوحيد حتى يومنا الحاضر.. مرورًا بغزو الهكسوس واحتلال الشمال، حتى جاء الملك أحمس واعتمد على محاربى النوبة فى هزيمة الهكسوس، واعتمد على قبائل سيناء فى قطع خط المدد والنجاة عن الهكسوس، حتى استطاع الملك أحمس طردهم من مصر، ومن بعده وصلت جيوش الملك تحتمس حتى وصلت إلى أعماق آسيا.
كان الملك رمسيس الثانى، هو أول من عقد معاهدة سلام فى التاريخ، برهانًا على أن مصر بلد الأمن والسلام التى تحفظ أرضها، ولا تعتدى على غيرها.. لقد مر على مصر الآشوريون والإغريق والفرس والبطالمة والرومان والأمويون والعباسيون والمماليك، حتى جاء المغول، وبمساعدة قبائل سيناء مع الجيش كانت هذه أول هزيمة للمغول، وآخر محطاته فى الغزو الذى تحطم على أبواب مصر.. ولدور أهالى سيناء البطولى فى كل وقت وحين، صدر قرار القيادة المصرية عام 1967، بتنظيم القبائل فى كيان واحد، «منظمة سيناء العربية»، الذى وقف خلف بطولات القوات المسلحة.. وهنا، لا ننسى بطولات إبراهيم الرفاعى، قائد مجموعة صاعقة 39 الملقب بـ«أسد الصاعقة المصرية»، والفريق عبدالمنعم رياض ونصر سالم، إلى أن جاء نصر السادس من أكتوبر عام 1973 المجيد.. وحتى محاربة الجيش المصرى للإرهاب فى سيناء، بعد ثورة الثلاثين من يونيو عام 2013، دعمت القبائل العربية فى سيناء، جهود الجيش والشرطة، فى حملة «حق الشهيد».
ومن بين أبطال سيناء، وهم كُثر، تبزغ الحاجة فرحانة، قبس من نور البطولات على أرض سيناء.. الذى وجه الرئيس عبدالفتاح السيسى، بتخليد هذه السيدة العظيمة، بشىء فى سيناء، «نعمل حى باسم الحاجة فرحانة، علشان نفضل فاكرين الجميل، مع ناس كثير قدمت الكثير لمصر، ونعمل لها حاجة رئيسية فى القاهرة، علشان نقول لأهالينا فى القاهرة، شوفوا أهلنا فى سيناء عملوا إيه».. وهذا ديدن القيادة التى تُثبت الفضل لأهله، من أبناء مصر الأبطال الأوفياء.. كما هو القائد الذى يشعر بأبنائه، ملبيًا كل حاجة يريدونها، حتى لو كان لقاء ومصافحة، لم يبخل بها على الطفل أنس، لاعب نادى أسوان، الذى عبّر عن أمنيته فى أن يلتقى الرئيس ويصافحه.
لم يدع الرئيس السيسى الاحتفالية تمر، قبل أن يؤكد فخره بانتصار مصر فى حرب السادس من أكتوبر المجيد، الذى كان «فكرة ملهمة» لن تموت أبدًا، قدم فيها الشعب المصرى مثالًا للتحدى والصمود.. مشيرًا إلى أن الظروف التى تعيشها مصر الآن، أشبه بتلك التى عاشتها البلاد بعد حرب 1967، ولكن بإرادة الشعب المصرى تجاوزت البلاد المحنة.. لقد رأى جميع الخبراء والمهتمون بالشئون العسكرية، قبل حرب أكتوبر، أنه من المستحيل تحقيق النصر، بسبب عوامل، منها خط بارليف ومانع قناة السويس والتفوق الكبير للغير، والمقارنة التى لم تكن فى صالح مصر.. لكن إرادة الشعب المصرى ورفضه الوضع القائم، وإصراره على النصر كانت السبب فى تحقيق الإنجاز، الذى تطلب تضحيات دفع ثمنها المصريون فى الحرب والسلام، وعلى رأسهم الرئيس الأسبق، محمد أنور السادات، الذى أنجز مهمة كانت سابقة عصرها.. نعم، «هناك بالتأكيد تحديات تواجهنا حاليًا، ولكن بنفس الروح والإرادة والإصرار على النجاح، ورغم ظروفنا الصعبة فى هذا الوقت، يجب أن تتأكدوا يا مصريين، إننا بفضل الله سبحانه وتعالى، وبالعمل والإصرار والمتابعة، سنعبر كل تحدٍ أمامنا ونصل إلى كل ما نتمناه مع بعضنا).
يذكرنا التاريخ كل يوم، أن مصر حاضرة ولا تزال، وسوف تظل شامخة رغم أنف الحاقدين والمتآمرين، وأن حب أبنائها لها وانتماءهم لها، ليس شعارًا براقًا، إنما عقيدة راسخة، تناقلتها الجينات المصرية الأصيلة عبر التاريخ.. فمنذ بداية التاريخ كانت مصر جيشًا خلق الله له شعبًا.. دربته الأحداث ومطامع الطامعين على القتال بنزاهة وشرف، وعلمته الحياة العسكرية شرف الدفاع عن الوطن والموت فى سبيله.. لم يأت عشقنا العميق لهذا الوطن وجيشه الباسل من فراغ، إنما من محصلة البطولات التى خاضها ذلك الجيش الباسل بشجاعة، وحقق النصر على أعدائه باقتدار، وحافظ على مقدرات وأمن واستقرار بلاده، وكان درعًا قوية حافظت على أمانة الوطن، عبر التاريخ الملىء بالمكائد والأطماع وغدر الحلفاء وخيانة الخائنين.
تذكرنا انتصارات أكتوبر دائمًا، بأن مصر بلد حى فى عالم ميت، ماتت فيه كل قيم النبل والوفاء والإنسانية، وسادت فيه قيم العدوان والبطش والوضاعة باقتدار.. وقدمت حرب أكتوبر للعالم نموذجًا للفارس المقاتل النبيل، الذى يواجه أعداءه بكل حسم، دون اقتراب من الأطفال والنساء والشيوخ، ودون استهداف لحياة المدنيين وسبل معيشتهم، فاستهدافه دائمًا كان لمنشآت العدو العسكرية، كى يهزم قدرته على الاستمرار فى القتال والمقاومة، ويفل عزيمته فى مواصلة عمليات الاحتلال.
■■ وبعد..
فأكثر ما كان يرعب إسرائيل هو اصطفاف الشعب خلف الجيش وخلف قيادته السياسية.. ورغم محاولات إسرائيل بجميع أجهزتها الاستخبارية، أن تزعزع جسور الثقة بين الشعب والجيش، وتصنع لنفسها مساحة بينهما؛ إلا أنها فشلت.. فقد جاءت أحداث 25 يناير شاهدة على صدق العقيدة ووحدة الصف.. حين استقبل المتظاهرون نزول الجيش إلى الشارع بالتكبير والتهليل والاصطفاف، من أجل استعادة الاستقرار الذى استهدفته إسرائيل وحلفاؤها، وهددته هتافات من كانوا فى الميادين.. وحافظت عليه عقيدة الجيش الثابتة، فكانت الشعارات فى الميادين الساخنة «الجيش والشعب إيد واحدة».. وجاءت ثورة الثلاثين من يونيو، لتكون بمثابة معركة جديدة للوعى وللكرامة الإنسانية والانتصار للوطن وللاستقرار والتنمية.. وكانت رسالة قوية لإسرائيل ومن والاها، بأنها أمام جيش خلفه أكثر من مائة مليون مقاتل.. وأنها أمام شعب خلفه جيش مؤمن بحقه فى الحياة والعيش فى سلام.. وأنه حين تلتقى إرادة الجيش مع إرادة الشعب يتحقق النصر.
وإن كانت هناك بقية من كلام يُقال، عن معانى ما حدث فى هذه الاحتفالية، فإن هذا الحشد الجماهيرى الضخم الذى جاء من كل محافظات مصر، وهم غيض من فيض، كما بدت دومًا نوبات اصطفاف القوات المسلحة المصرية فى كل زاوية من اتجاهات مصر الاستراتيجية، ليعبر عن هذا التكاتف والتلاحم بين أبناء الشعب المصرى خلف قيادتهم، فى كل ما تذهب إليه، من الحفاظ على أرض مصر وحماية حدودها، والتوق إلى مستقبل يسوده الأمن والأمان، ويعم فيه السلام أرجاء المعمورة، غير مُقصرين ولا مُتخاذلين إذا دعا الداعى للوقوف فى وجه من يهدد، أرض الإله.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.