حكايات أبطال|هؤلاء يروون قصص كفاحهم في احتفالية اتحاد القبائل العربية
في قلب العاصمة الإدارية الجديدة، تجمعت الأجيال المختلفة لتحتفل بذكرى انتصارات أكتوبر، تحت سماء تعكس الأمل والفخر، وبينما كانت الأضواء تتلألأ، استقبل الحضور الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي وجه التحية لكل من ساهم في بناء هذا الوطن، ووسط هذه الاحتفالية، كانت هناك قصص أبطال مثل الحاجة فرحانة، المرأة السيناوية التي تجسد قوة الإرادة، وطفل يحمل ذكريات الحرب، وسائق نقل يجوب البلاد حاملًا هموم الناس وآمالهم، هذه الحكايات المليئة بالتضحيات، تذكّر الجميع بأن النصر لم يكن فقط في المعارك، بل في قلوب الشعب الذي يرفض الهزيمة، ولنستعرض معًا بعض هذه القصص الملهمة.
أيقونة النضال في سيناء لـ 105 عام
الحاجة فرحانة حسين سالم، المعروفة بلقب "أم داود"، والتي جسدت روح المقاومة الوطنية في سيناء، وُلدت قبل 105 عام، وبرز دورها النضالي كرمز للمرأة السيناوية التي تحدت الاحتلال الإسرائيلي، فقد حملت الرسائل والخطط العسكرية بين المجاهدين، وكانت تخفي المعلومات في طيات ملابسها، وتنقلها سيرًا على الأقدام بين الصحارى الشاسعة إلى القاهرة.
ورغم أميتها، تعلمت "فرحانة" حفظ المواقع العسكرية من خلال رسمها على الرمال، مما أتاح لها توصيل المعلومات بدقة، وساعدها في ذلك عملها كتاجرة أقمشة، الذي كان غطاءً لدورها البطولي، إذ نجحت في نقل تصاريح من الصليب الأحمر للعبور غرب القناة، ما سمح لها بدخول مواقع حساسة دون إثارة الشكوك.
وتعرّضت "أم داود" للاعتقال ثلاث مرات، وقوبلت بالإغراءات والتهديدات للإفصاح عن المعلومات، لكنها استخدمت ذكاءها لمخادعة جنود الاحتلال والفرار من قبضتهم، وكان أول عمل بطولي لها تفجير قطار بضائع وأسلحة إسرائيلية، مما عزز دورها في تاريخ المقاومة.
ولم تكتفِ بأعمالها البطولية، بل باتت رمزًا للجيل الحالي، إذ يحرص الشباب على زيارتها في منزلها بحي ضاحية السلام في العريش، حيث تقيم مع ابنها الذي يعمل موظفًا في ديوان محافظة شمال سيناء، وبفضل شجاعتها وصمودها، ألهمت أجيالًا متتالية لتواصل مسيرة الدفاع عن الأرض.
وكانت حياتها قصة مقاومة، تكمن تفاصيلها بين صبر المرأة السيناوية وحيلتها، وحتى في شيخوختها، تظل رمزًا للبطولة والنضال، وتُخلّد ذكراها كأم لجميع السيناويين وأيقونة وطنية لا تُنسى.
أسطورة مصرية تكتب التاريخ في رفع الأثقال
وفي ساحة الرياضة، تبرز قصة نادية فكري، بطلة مصرية بارالمبية، بدأت رحلتها في سن الثانية عشرة، وانتقلت من السباحة إلى رفع الأثقال، لتصبح مثالًا للإصرار والتحدي، فقد حصدت العديد من الميداليات، منها فضية بطولة أوروبا 1997 وذهبية بطولة العالم 1998.
وفي بارالمبياد سيدني 2000، حققت أول ميدالية أولمبية لها، لتصبح مثالًا للمرأة المصرية القوية، وكان لقاءها بزوجها، صلاح عطا، لحظة فاصلة في حياتها، حيث أصبحا ثنائيًا رياضيًا متميزًا.
واستمرت في تقديم إنجازات رياضية، رغم التحديات التي واجهتها في مسيرتها، ومع ذلك، لم يمنعها ذلك من العودة بقوة إلى الساحة، حيث اختتمت مسيرتها بالفوز ببرونزية باريس 2024، واحتفلت بزغرودة تعكس فخرها بإنجازها، بعدما عادت للتألق بعد غياب 16 عامًا عن منصات التتويج.
"افتتان صبري" حاربت السرطان وساعدت أخريات للقضاء عليه
قصة أخرى تقتح لنا صفحة جديدة في قصص الصبر والكفاح، عرفت نفسها: "أنا افتتان فوزي صبري، من المنيا، وأعيش اليوم في أسوان، بلد السحر والجمال، وأشعر أنني أستطيع مواجهة أي تحدٍ"، مشيرة إلى أنها إحدى محاربات سرطان الثدي، ورغم حربها ضده إلا أنها حوّلت قصة المعاناة إلى تشجيع نساء قريتها على الفحص المبكر لتشاركهن الألم وحلم التعافي.
قالت: كنت في لحظة من حياتي أشعر أن كل شيء حولي قد أسود، كأنني محاطة بظلام حالك، وحين اكتشفت أنني مصابة بسرطان الثدي، كان الأمر أشبه بكابوس لا ينتهي، فكنت أريد فقط أن أختبئ، أريد من ابنتي أن تحضر لي باروكة لأبدو وكأنني مثلما كنت، لكن في خضم هذا الضياع، جاء الأمل من مبادرة الكشف المبكر.
وتابعت: مع مرور الوقت، أدركت أنني لست وحدي، فبدأت في زيارة مراكز الفحص، وأحضرت نساء من قريتي ليخضعن للفحوصات، وكنا نتشارك الآلام والأحلام، كما تعرضت أيضًا لتجربة علاج على نفقة الدولة، والتي كانت خطوة محورية في رحلتي.
وتذكرت: علمت بعد الفحوصات أنني مصابة بفيروس سي، وكانت تلك الليلة مرعبة، لأني تذكرت شقيقي الراحل الذي عانى من مرض مماثل، لكنني كنت مصممة على تجاوز ذلك، وحصلت على جرعة وقائية، وبدأت رحلة الشفاء.
واختتمت: اليوم، أشعر بالامتنان، فقد قمت بتنظيم يوم ترفيهي للسيدات، حيث قضينا وقتًا ممتعًا معًا، وأحلامي تتجدد، وآمل أن أكون قدوة لغيري، فقد أدركت أن الأمل لا يقتصر على الشفاء من السرطان، بل يتعدى ذلك إلى الحياة ذاتها.
شعلة الأمل في كنيسة شهداء ليبيا
ننتقل بعد ذلك إلى قصة تجمع بين الألم والصبر، فلم يكن الأمر سهلًا على بشير اسطفانوس، الذي عاش لحظة صادمة في فبراير 2015 عند استشهاد شقيقيه بيشوي وصموئيل على يد تنظيم داعش، ورغم الألم الذي عاشه، كان إيمانه عونًا له ولعائلته، وبعد العثور على جثامين الشهداء، تحدث "بشير" عن فرحته الكبيرة واعتبر أن الله اختار التوقيت المناسب ليعيد تكريمهم..
وبدأ "بشير" بتحويل الطابق الأرضي لكنيسة "شهداء الإيمان والوطن" إلى مزار يحتضن ذكرياتهم، معتبرًا أن الكنيسة والمزار سيكونان رمزين للإيمان، وذكر أن المزار الجديد وُضِع بعناية ليكون شاهدًا على قصصهم البطولية، حيث يُعرض فيه متعلقات الشهداء وصورهم.
وكان دائمًا يتردد بجانب والدته، التي حولت جزءً من منزلهم إلى مزار، حيث تتلو التسابيح أمام صور أبنائها، على الرغم من تجدد الأحزان، إلا أن بشير رأى أن استعادة أجساد الشهداء كانت كزفاف لهم، إلى كنيستهم التي انتهى بناؤها تزامنًا مع العثور على رفاتهم.
ويؤمن أن "كنيسة شهداء الإيمان والوطن" ستصبح مزارًا عالميًا، وأن وجود رفات الشهداء في مزار كبير يليق بتضحياتهم سيعزز من قيمتهم الروحية والوطنية، فهو يرى عودة أجساد الشهداء بمثابة تدبير إلهي، يعكس تكريم الله لهؤلاء الذين ضحوا بحياتهم إيمانًا.
أصغر جاسوس مصري في حرب أكتوبر
القصة التالية تنقلنا إلى ما بعد نكسة 1967، حين بدأت المخابرات المصرية بتكوين شبكة سرية في سيناء لجمع المعلومات، وكان الطفل ماهر حمادة الكاشف، ابن العريش البالغ من العمر 12 عامًا، واحدًا من هؤلاء الأبطال الصغار، فوالده، حمادة الكاشف، تاجر سمك، التقى بأحد ضباط المخابرات الذي زار مضيفتهم متنكرًا وبدأ في تدريب ماهر على التصوير السري، وحصل -وقتها- على كاميرا خاصة، وأُرسل في مهمات تتطلب شجاعة فائقة وذكاءً حادًا.
وتدرب الطفل على التقاط الصور ورسم خرائط دقيقة للمواقع الإسرائيلية المحصنة مثل المستعمرات العسكرية، حيث استخدم ذكاءه لإخفاء الكاميرا ورسم المواقع في كراسته، وأحيانًا كان يحفر ويخبئها ليتولى آخرون إيصالها للمخابرات المصرية، رغم تعرض أسرته لمخاطر كبيرة، قدم والده وعائلته دعمًا كاملًا للعمليات السرية، خاصة زوج أخته "الحاج علي" الذي لعب دورًا محوريًا في تقديم الدعم المالي والحفاظ على غطاء العلاقات مع القادة الإسرائيليين.
وفي إحدى عملياته الخطيرة، تظاهر "ماهر" بأنه يرعى أغنامه قرب موقع عسكري، وتمكن بدهاء من استدراج الجنود لتقديم المياه له، ليدفن الكاميرا لاحقًا ويسلم الأفلام للمخابرات، وبرغم تعرض أحد أفراد الشبكة للاعتقال والتعذيب، إلا أن المعلومات التي جمعها "ماهر" ساعدت في دعم العمليات العسكرية المصرية خلال حرب أكتوبر.
رحلة سائق نقل بين الطرق والتحديات
القصة الأخيرة رواها سمير حمدي الزيني، سائق نقل دولي، عمره 40 عامًا، يمتلك خبرة 14 سنة في قيادة شاحنات بين عدة دول مثل ليبيا، السعودية، السودان، والأردن، معتبرًا أن السائقين يعرفون نبض البلد ويشعرون بالتغييرات، لأنهم يختبرون الطرق والمشاريع الجديدة بشكل مباشر.
ويحكي "سمير" عن تجربة السفر عبر نفق الشهيد أحمد حمدي وكيف كانت عملية العبور تستغرق 3-4 أيام، ولكن اليوم، بفضل نفق "تحيا مصر" والتكنولوجيا الحديثة مثل التفتيش الإشعاعي، أصبح العبور لا يتجاوز خمس دقائق.
ويتذكر لقاءه المؤثر مع طفل فلسطيني في معبر رفح، يدعى "كرم"، الذي نجا من تحت الأنقاض، وتركت هذه التجربة أثرًا عميقًا في "سمير"، جعلته يشعر بقيمة عمله الوطني، وفخره بتقديم المساعدة.
وختامًا، يفتخر "سمير" بعائلته الصغيرة المكونة من زوجته، ابنتيه، وولده، وهو يواصل رحلته على الطرق، حاملًا معه أملًا ببلد أفضل.
تلك النماذج ليست الوحيدة التي تم عرضها ضمن فيلم تسجيلي أثناء احتفالية اتحاد القبائل العربية، إنما هم عدد من الأبطال الذين كتبوا قصص كفاحهم بأحرف من نور، ليصبحوا تجسيد حي للصمود والتحدي الذي يميز الشعب المصري.