عالم «السنتى مليونير».. كيف صنع 3 آلاف ملياردير 11 تريليون دولار فى الأزمات؟
رغم أن التوقيت الحالى هو زمن الرياح الاقتصادية المعاكسة، إلا أنه فترة محورية للثروة الخاصة فى العالم، فالتركيز على الفرص المستقبلية هو الأهم لدى فاحشى الثراء من تجاوز أزمات التضخم والحرب الروسية الأوكرانية. وفقًا لتحليل شركة «ألتراتا» للبيانات والإحصاءات ومؤسسة «ويلث إكس» الأمريكية، فإن عدد أفراد طبقة المليارديرات فى العالم متواضع، لكنهم يملكون ثروة جماعية هائلة، تزيد على ١١ تريليون دولار.
ولذا فهذه الطبقة تتمتع بنفوذ كبير ومتزايد على الاقتصاد العالمى، وذلك بفضل مرونة ثرواتهم، التى مكنتهم من تجاوز تأثير الظروف العالمية المتقلبة بعد الوباء، وبدء الحرب فى أوروبا، والطفرة المرعبة للتضخم، والتوترات العميقة بين الولايات المتحدة والصين، وإعادة تشكيل النظام الجيوسياسى، وهى الأمور التى نتج عنها انخفاض فى عدد المليارديرات بنسبة ٣.٥٪ فى ٢٠٢٢، إلى ٣١٩٤ مليارديرًا، مقارنة بعام ٢٠٢١، لكن فى الوقت نفسه، أتاحت هذه الظروف المضطربة للبعض الاستفادة من فرص تعزيز الثروة. وتتصدر قارة أمريكا الشمالية مناطق العالم فى أعداد المليارديرات بنسبة ٣١.٧٪ وبعدد ١٠١١ مليارديرًا، ثم فى المرتبة الثانية قارة أوروبا بنسبة ٢٩.٢٪ وبعدد ٩٣٣ مليارديرًا، وتأتى قارة آسيا فى المرتبة الثالثة بنسبة ٢٦.١٪ وبعدد ٨٣٥ مليارديرًا، والتى شهدت أكبر انخفاض بنسبة ٧.١٪.
المفاجأة فى خريطة توزيع مليارديرات العالم أن منطقة الشرق الأوسط تسبق قارة إفريقيا، والمحيط الهادئ، وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبى، فى أعداد هذه الطبقة، لتشكل نسبة ٥.٩٪ بعدد ١٨٧ مليارديرًا، وتأتى فى المرتبة الرابعة، رغم تراجع العدد بنسبة ٢.١٪. وتشكل قارة أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبى نسبة ٤.٤٪ بعدد ١٤١ مليارديرًا، ثم قارة إفريقيا بنسبة ١.٤٪ بعدد ٤٦ مليارديرًا، وأخيرًا المحيط الهادئ بنسبة ١.٣٪ بعدد ٤١ مليارديرًا.
حصة ضخمة
رغم أن المليارديرات يشكلون أقل من نسبة ١٪ من فاحشى الثراء فى العالم، إلا أنهم يمتلكون ٢٤٪ من إجمالى ثروة هذه المجموعة بحصة ضخمة، وتنقسم هذه الطبقة إلى عدة شرائح، ففى مستوياتها العليا هناك ١٥ مليارديرًا يمتلكون ٥٠ مليار دولار فيما فوق، بحصة ٠.٥٪ من الطبقة.
فى حين أن هناك ١٥٦ مليارديرًا يتراوح حجم أموالهم من ١٠ إلى ٥٠ مليار دولار، وهناك ٣١١ مليارديرًا بما يعادل ١٠٪ من الطبقة، يمتلكون من ٥ إلى ١٠ مليارات دولار، وهناك ١٠٠٣ مليارديرات بحجم ثراوت يتراوح من ٢ إلى ٥ مليارات دولار بما يمثل ٨٥٪ من الطبقة، وهناك ١٧٠٩ مليارديرات أى حوالى ما يزيد على نصف الطبقة بثروة من ١ إلى ٢ مليار دولار.
ورغم الظروف العالمية إلا أن ثروة مليارديرات الشرق الأوسط ارتفعت مدفوعة بمكاسب محافظ المليارديرات فى قطاع الطاقة، مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية خلال النصف الأول من عام ٢٠٢٢، وجهود أوروبا المتسارعة لتنويع إمدادات الطاقة نتيجة الحرب، وهو ما أدى إلى ارتفاع عائدات الدول المصدرة للنفط والغاز.
كما شهدت ثروات مليارديرات أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبى ارتفاعًا مع كونهم من كبار المصدرين للسلع الأساسية، وهو ما أدى إلى انتعاش ظروف التجارة مع ارتفاع الأسعار. ويتركز أغلب ثروة المليارديرات بنسبة ٣٩.١٪ فى أمريكا الشمالية بحوالى ٤.٣٤٥ تريليون دولار، وتأتى أوروبا فى المرتبة الثانية بنسبة ٢٦.١٪، بحوالى ٢.٩٠١ تريليون دولار، وتوجد قارة آسيا فى المرتبة الثالثة بنسبة ٢٣.٦٪، بحوالى ٢.٦٢٥ تريليون دولار.
وتشكل منطقة الشرق الأوسط نسبة ٥٪، بحوالى ٥٥٦ مليار دولار، بينما تمثل منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبى نسبة ٤.٤٪، بحوالى ٤٩١ مليار دولار، وقبل المرتبة الأخيرة، توجد قارة إفريقيا بنسبة ٠.٩٪، بحوالى ١٠١ مليار دولار، وأخيرًا منطقة المحيط الهادئ بنسبة ٠.٨٪، بحوالى ٨٧ مليار دولار.
استثمار ساحر
تتنوع اهتمامات وهوايات أصحاب المليارات فى العالم، لكن تأتى الأعمال الخيرية والرياضة فى المراتب الأولى دائمًا، حتى مع اختلاف الفئة العمرية.
وتتمتع الرياضة بجاذبية واسعة ليس فقط باعتبارها نشاطًا ترفيهيًا ووسيلة للاسترخاء، لكن أيضًا نظرًا لكونها استثمارًا جذابًا له مكانته، أدى إلى نمو حقوق البث الحصرية فى وسائل الإعلام، وزيادة فى الامتيازات الرياضية الجديدة، والفرص التجارية والجيوسياسية المتعلقة بها.
وتشكل هواية الطيران أهمية خاصة بالنسبة للمليارديرات متوسطى العمر والأكبر سنًا، والفئة الثانية تهتم بها أكثر من الأولى، سواء كانوا يمتلكون طائرات خاصة أو يؤجرون الفاخر منها، وذلك مقارنة بالسياسة والفن.
مجرد رقم
دائمًا يقولون إن العمر مجرد رقم، ولكن الفئة العمرية بالنسبة للأثرياء لها أهمية خاصة حيث تفرض اختلافات إذا لم يكن الملياردير مستفيدًا من ثروة كبيرة موروثة، لأنه بالطبع يستغرق وقتًا طويلًا لصناعة الأموال من الأنشطة التجارية.
ويطلق الغالبية العظمى من المليارديرات مشروعهم الأول فى سن مبكرة نسبيًا، ومن النادر أن ينتمى الفرد لهذه الطبقة من الثراء الفاحش قبل بلوغ سن الأربعين، لكن هناك دائمًا استثناءات.
فصناعة الثروة وتوسيع فرص زيادتها أصبح فى السنوات الأخيرة أكثر سهولة نتيجة لعملية الرقمنة السريعة للاقتصاد العالمى والنمو الديناميكى للصين والأسواق الناشئة، وهو ما أدى إلى خلق جيل جديد من رواد الأعمال.
ويبلغ متوسط عمر المليارديرات فى العالم ٦٧ عامًا، وتنقسم الفئات العمرية لهم إلى ثلاث فئات، الأولى هى الأصغر، وهم الذين تقل أعمارهم عن ٥٠ عامًا «بنسبة ٩.٥٪»، والفئة الثانية هى المتوسطة، وتتراوح أعمارها من ٥٠ إلى ٧٠ عامًا «نسبتها ٤٨.٢٪»، والفئة الأخيرة وهم كبار السن، وعمرهم أكثر من ٧٠ عامًا «نسبتها ٤٢.٢٪».
من أين لك هذا؟
لكن كيف جمع هؤلاء المليارديرات أموالهم التى تمثل حصة ضخمة من الثروات العالمية رغم قلة عددهم، هو سؤال لا يغيب عن أذهاننا، لكن إجابته مفاجأة، فعلى عكس ما تتوقع من أن ثرواتهم عبارة عن أموال موروثة، هى فى الحقيقة ثروات مصنوعة ذاتيًا بنسبة كبيرة.
وهو ما يطرح سؤالًا أكثر صعوبة عن طبيعة الأعمال التى كونت مثل هذه الأموال الهائلة، فنجد أن المليارديرات من الفئة متوسطة العمر «نصف مليارديرات العالم تقريبًا» كونوا ثرواتهم بأنفسهم بنسبة ٦٤٪ منها.
فى حين أن نسبة ربع مليارديرات العالم أنشأوا ثرواتهم من خلال مزيج من الثروة المصنوعة ذاتيًا والموروثة، وترتفع هذه النسبة إلى الثلث فى الفئة الأكبر سنًا.
وتنتشر الثروات الموروثة بين المليارديرات الأصغر سنًا، ويرجع ذلك إلى ارتفاع تمثيل النساء فى هذه الفئة العمرية، حيث إن الميراث مصدر ثروة أكثر شيوعًا بين النساء عن الرجال، ويرث ما يقرب من نصف المليارديرات من النساء ثروات فقط.
ويوجد تفسير آخر لذلك، هو تزايد حدوث عمليات نقل الثروة بين الأجيال، والتى ازدادت لأول مرة مؤخرًا، حيث يتم نقل الثروات التى تم إنشاؤها خلال العقود الأخيرة إلى أفراد الأسرة الأصغر سنًا «الجيل الثانى».
وتعتمد صناعة الثروة الذاتية لمليارديرات العالم على نشاط الخدمات المالية، ثم قطاع التكنولوجيا، ثم العقارات، وخدمات المستهلك، والأنشطة الصناعية.
قطاعات الصمود
يتم الاحتفاظ بثروات مليارديرات العالم فى أنواع مختلفة من الأصول، تشمل الأعمال والاستثمارات، سواء المدرجة فى البورصات أو الشركات الخاصة وممتلكاتها النقدية، والأصول الأخرى الفاخرة مثل العقارات واليخوت والطائرات الخاصة والمجوهرات واللوحات الفنية.
لكن هذه الأصول تتغير قيمتها عامًا بعد الآخر، بتأثيرات من عوامل عالمية ومحلية، ونتيجة لتغيرات أسواق رأس المال وتحركات العملات، واستراتيجيات الاستثمار والضرائب وتخطيط الثروات، والمبادرات الخيرية، وهو ما يجعل تأثير ذلك كله مختلفًا على كل ملياردير، حتى لو كان فى نفس الدولة.
ورغم الصدمات الاقتصادية الأخيرة ذات التأثير السيئ على الثروات إلا أنها فى نفس الوقت، أوضحت مرونة ثروة المليارديرات المعتمدة على محفظة استثمارات متنوعة فى قطاعات مختلفة.
فنجد أن المليارديرات الذين تتركز ثرواتهم فى التكنولوجيا والرعاية الصحية وقطاعات الاقتصاد الجديد كانوا الأكثر تضررًا، نتيجة لإعادة تسعير حادة لأصولهم مع رفع أسعار الفائدة والانخفاض الملحوظ لأداء الأسهم الخاص بقطاع الصحة، مع تناقص مخاطر فيروس كورونا وتراجع الدعم الحكومى للصحة.
وأدى ارتفاع تكاليف الاقتراض والنفور من المخاطرة إلى تباطؤ أسواق العقارات فى العالم، فى المقابل كانت هناك قطاعات أكثر مرونة، فمثلًا أصحاب الثروات المرتكزة على تجارة التجزئة والصناعات المتعلقة بالمستهلك، كانوا أفضل حالًا.
وذلك على الرغم من ارتفاع تكلفة المعيشة وعدم اليقين المرتبط بالحرب، حيث ساعد استمرار هوامش الربح فى تقوية بعض السلع الاستهلاكية الأساسية خاصة المواد الغذائية والمشروبات، هذا بالإضافة إلى قطاعات الطيران، والشحن، والبناء.
ولا يمكن تجاهل صناعة الدفاع، فهى إحدى قنوات تكوين الثروة، بعد أن رفعت الحرب الأوكرانية الطلب على المعدات العسكرية، وعملت على إعادة تقييم خطط الإنفاق الدفاعى للدول.
ومن ناحية أخرى، فتوزيع الأصول على أشكال مختلفة من الاستثمارات هو استراتيجية جعلت تأثير اضطرابات الأسواق على المليارديرات متباينًا وفقًا للفئة العمرية لهم، وكانت الفئة الأكبر سنًا أقل تضررًا، حيث تراجعت ثروتهم بنسبة ٢.٢٪ على الأقل.
وذلك مع وجود نسبة أكبر من ثروتهم فى الأصول السائلة بحوالى ٢٥.٥٪، وهو ما جعل ثروتهم الإجمالية أقل عرضة لتقلبات أسواق الأوراق المالية «البورصات»، على الرغم من انخفاض قيمة الأصول السائلة، بسبب التضخم المرتفع.
على النقيض، عانى المليارديرات من الفئة متوسطة العمر من أكبر انخفاض فى ثروتهم بنسبة ٧.٤٪، مع تأثر أصولهم الخاصة واستثماراتهم العامة بالتقلب الاقتصادى، وكان التأثير أقل على المليارديرات الأصغر سنًا، حيث تراجعت ثروتهم بنسبة ٦.١٪.
سيطرة ذكورية
يسيطر الذكور بشكل كبير على طبقة المليارديرات، حيث تشكل النساء نسبة متواضعة تبلغ ١٢.٥٪، لصالح ٨٧.٥٪ للرجال، فى الوقت الذى يتزايد فيه تمثيل النساء فى الطبقة بشكل تدريجى. وذلك بفضل اختلاف أسواق الثروة العالمية، والنمو فى ريادة الأعمال النسائية، والتطور البطىء فى تمثيل النساء فى مجالس الإدارات، وتتمتع النساء بتمثيل أعلى فى فئة المليارديرات الأصغر سنًا، لكن مع ذلك فهن يمثلن أقل من خمس هذه الفئة، بنسبة ١٨٪، ونسبة ٨٢.١٪ للرجال.
ويتناقض ذلك مع نسبة ١١.٤٪ فى الفئة من المليارديرات متوسطى العمر، لصالح ٨٨.٦٪ للرجال، وتتراجع النسبة أكثر لتصل إلى ١١.٢٪ للفئة الأكبر سنًا، لصالح ٨٨.٨٪ للرجال.
مواقع بارزة
تضم ١٥ دولة حوالى ثلاثة أرباع مليارديرات العالم، وتتربع الولايات المتحدة الأمريكية على عرش هذه الدول بعدد ٩٥٥ مليارديرًا، بثروة ٤.٢١٦ تريليون دولار، حيث تصل نسبتها إلى ٣٠٪ من مليارديرات العالم و٣٨٪ من إجمالى ثرواتهم.
وفى المرتبة الثانية، الصين بعدد ٣٥٧ مليارديرًا، بثروة ١.٣١٧ تريليون دولار، ثم ألمانيا بعدد ١٧٣ مليارديرًا، بثروة ٥٥٥ مليار دولار، وتأتى بعدها المملكة المتحدة بعدد ١١٤ مليارديرًا، بثروة ٢٥٦ مليار دولار، ثم الهند بعدد ١١٣ مليارديرًا، بثروة ٣٤٤ مليار دولار.
وفى المرتبة السادسة روسيا بعدد ١١٢ مليارديرًا، بثروة ٤٧٩ مليار دولار، وأيضًا هونج كونج بعدد ١١٢ مليارديرًا، بثروة ٢٦٧ مليار دولار، ويوجد فى سويسرا ١١٠ مليارديرات، بثروة ٣٣٨ مليار دولار.
وتضم السعودية ٧١ مليارديرًا، بثروة ٢٠٥ مليارات دولار، ثم إيطاليا بـ٦٧ مليارديرًا، بثروة ١٨٢ مليار دولار، ويوجد فى فرنسا ٦٥ مليارديرًا، بثروة ٢٦٦ مليار دولار، وفى كندا ٥٦ مليارديرًا، بثروة ١٢٩ مليار دولار.
ويوجد فى سنغافورة ٥٤ مليارديرًا، بثروة ١٠١ مليار دولار، ثم ٤٨ مليارديرًا فى البرازيل، بثروة ١٦٩ مليار دولار، وأخيرًا ٤٥ مليارديرًا فى الإمارات، بثروة ٢٠٠ مليار دولار. وهناك ١٦ مدينة يعيش فيها حوالى ٢٩٪ من مليارديرات العالم، منها ٧ مدن آسيوية «٣ صينية» و٤ مدن أمريكية. وتعد نيويورك هى عاصمة مليارديرات العالم، فهى المركز المالى للاقتصاد الأمريكى، ولذا تأتى فى المرتبة الأولى بعدد ١٣٦ مليارديرًا، ثم هونج كونج بعدد ١١٢ مليارديرًا، ثم سان فرانسيسكو بعدد ٨٤ مليارديرًا، ثم موسكو بعدد ٧٦ مليارديرًا. وفى المرتبة الخامسة توجد لندن بعدد ٧٥ مليارديرًا، ثم بكين بعدد ٦١ مليارديرًا، ثم لوس أنجلوس الأمريكية بعدد ٥٨ مليارديرًا، ثم سنغافورة بعدد ٥٤ مليارديرًا، ثم شنجن الصينية بعدد ٤٢ مليارديرًا، ثم مومباى الهندية بعدد ٣٩ مليارديرًا، ثم دبى بعدد ٣٨ مليارديرًا.
وفى المرتبة الـ١٢ تأتى مدينة هانجتشو الصينية بعدد ٣٤ مليارديرًا، وبعدها إسطنبول التركية بعدد ٣٣ مليارديرًا، ثم ساو باولو البرازيلية بعدد ٣٣ مليارديرًا، ثم شيكاغو الأمريكية بعدد ٣٢ مليارديرًا، وأخيرًا باريس بعدد ٣٢ مليارديرًا أيضًا.