رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

افتتاح مهرجان الموسيقى العربية بروح انتصار أكتوبر

جاء افتتاح مهرجان الموسيقى العربية الجمعة الماضى، ممتزجًا بروح انتصار حرب أكتوبر المجيدة ١٩٧٣ ميلادية وفى يوم من أيام الشهر الفضيل فى العاشر من رمضان ١٣٩٣، وحقق الجيش المصرى المستحيل فى حرب العبور للضفة الغربية لقناة السويس واقتحام خط بارليف المنيع، وهزيمة جيش إسرائيل الذى كانت تدّعى أنه لا يُقهر، لهذا سيظل شهر أكتوبر المجيد كلما حل فى كل عام هو شهر احتفالات المصريين بالانتصار فى حرب الكرامة والعزة والبطولة لكل من عايشه ولكل المصريين.

ورغم أننى كنت وقتها فى سن صغيرة فإننى أتذكر لحظات عبور قناة السويس فى الساعة الثانية تمامًا فى يوم عيد الغفران، وفى مباغتة أربكت الجيش الإسرائيلى وقادته الذين كانوا يعيشون فى ظل إحساس وهمى بالعجرفة ويدّعون أن الجيش المصرى لن يتمكن من أن يعبر خط بارليف يومًا ما، فإذا بالإذاعة المصرية تذيع البيان الأول بنجاح القوات المصرية فى عبور قناة السويس ورفع العلم المصرى عليها، وهكذا ارتفعت أصوات الزغاريد فى كل البيوت المصرية وهللت البيوت فرحًا، وعادت البهجة إلى بيوتنا وأخذت أقفز فرحًا وفخرًا، وعادت العزة والكرامة تملأ كل بيت فى الأرض المصرية، واستطاعت مصر بقرار الحرب ثم السلام بعدها أن تسترد الأرض المصرية جميعها، وهكذا شهد العالم انتصار مصر ببطولة وشجاعة جيش ومعه شعب صمد وقهر المستحيل، ولا تزال بطولات الجيش المصرى فيها تُدرس فى الأكاديميات العسكرية، وقدم الفن المصرى تلك الملحمة فى عدة أفلام وأغانٍ وطنية مصرية خالدة، ولا نزال فى حاجة إلى المزيد منها لتراه الأجيال الشابة التى لم تعاصر حرب أكتوبر ٧٣ التى نحتفل بذكرى مرور ٥١ عامًا عليها خلال هذا الشهر، ليدركوا أهمية هذه الحرب التى انتصرنا فيها وتبث فى نفوسهم قيم الولاء والانتماء والفخر بهذه اللحظات التاريخية المجيدة، وأن هذا الانتصار الكبير العظيم يؤكد قدرة الجيش المصرى ومن ورائه الشعب المصرى على قهر المستحيل.

هكذا جاء انطلاق فعاليات الدورة الـ٣٢ لمهرجان الموسيقى العربية بنكهة انتصارات حرب أكتوبر، وهو توقيت مواكب لحرب الكرامة، ما جعله متميزًا هذا العام وجعل افتتاحه ممتزجًا بروح الولاء لوطننا الغالى والاعتزاز ببطولات قام بها أبطال هم خير أجناد الأرض، وهم الحماية والدرع القادرة على حماية الأرض والعرض والحفاظ على كل شبر من الأرض المصرية المباركة، وأُقيم حفل الافتتاح فى مسرح النافورة المفتوح فى الهواء الطلق الذى يتسع لـ٢٠٠٠ متفرج بدار الأوبرا المصرية، كما يعكس المهرجان ريادة مصر فى الفنون الراقية ودورها السباق فى احتضان الفنون المصرية والعربية لكبار مطربى مصر والعرب، ومن الفعاليات التى تؤكد الريادة المصرية اختيار فنان الشعب الخالد «سيد درويش» ليكون عنوانًا لهذه الدورة، فكانت صوره فى خلفية المسرح وأغانيه تصدح فى الهواء الطلق لتذكرنا بعبقرية موسيقية مصرية خالدة استطاعت أن تعبر عن نبض الشعب المصرى وقضاياه فى بداية القرن الـ٢٠، فغنى «الحلوة دى قامت تعجن فى الفجرية» وغنى لزعيم ثورة ١٩١٩ سعد زغلول وغنى للأرض والفلاح والفقير والحرية، فعاشت أغانيه نرددها جيلًا بعد جيل ونطرب لها ونحفظها عن ظهر قلب كلما تم تقديمها حتى يومنا هذا، وتم تقديم فيلم تسجيلى يوثق لحياة ومواقف سيد درويش الوطنية، وألقى وزير الثقافة، د. أحمد هنو، كلمة فى حفل الافتتاح، كما ألقت د، لمياء زايد، رئيس مجلس إدارة دار الأوبرا، كلمة موجزة تؤكد بها أهمية المهرجان ودور الأوبرا المصرية كملتقى للفنون الراقية وترحيب مصر بالأشقاء العرب، ثم صعدا إلى المسرح ومعهما د. خالد داغر، رئيس المهرجان، لتكريم ١٦ رمزًا للموسيقى والغناء والخط العربى من كبار الموسيقيين والفنانين من المصريين والعرب من مختلف الأجيال مثل الراحل كاتب الأغانى المبدع حسين السيد والمطرب المصرى الكينج محمد منير والمطرب والملحن أحمد الحجار والملحن صلاح الشرنوبى، وكانت لفتة متميزة للجنة المهرجان أن تم تكريم رئيس دار الأوبرا ووزير الثقافة الأسبق د. إيناس عبدالدايم، كما تم تكريم الموسيقى اللبنانى زياد الرحبانى والمطرب المغربى فؤاد زبادى والمطرب التونسى لطفى بوشناق. 

وفى هذا الحفل أحسست بأن مصر تحتضن كل القضايا العربية، كما أحسست بانعكاس الأحداث من حولنا على المهرجان، فهكذا هى مصر دائمًا وأبدًا هى الشقيقة الكبرى التى تتضامن مع قضايا أشقائها العرب، فرأينا فى الحفل تضامنًا مع أهل فلسطين باعتبارها قضية العرب الكبرى والوجع الأكبر لنا ودور مصر الكبير فى دعمها، حيث ألقت أيضًا أحداث حرب غزة الأليمة ظلالها على المهرجان، كما ألقى المطرب التونسى الكبير لطفى بوشناق كلمة عبّر فيها عن عشقه لمصر الأمان والاستقرار ودورها الكبير فى احتضان القضايا العربية، وألقى فى كلمته تحية لصمود الشعب الفلسطينى فى غزة فى مواجهة الاعتداءات البربرية الإسرائيلية عليهم، فصفق له الجمهور كثيرًا وبحرارة، ثم غنى أغنية تعبر عن تقديره الكبير لمصر، كما قدم الملحن عمرو سليم فقرة موسيقية بالبيانو وبمصاحبة فرقة أوركسترا دار الأوبرا لأغنية «القدس» للفنانة اللبنانية الكبيرة فيروز، كما ألقت بظلالها أحداث لبنان على المهرجان وتعرض الجنوب اللبنانى لاعتداءات إسرائيلية غاشمة، ما أسفر عن اعتذار المطرب اللبنانى الكبير عاصى الحلانى عن الحضور، كما اعتذر أيضًا عن الحضور المطرب اللبنانى العاطفى المحبوب وائل جسار، وقدمت مطربة سورية، تشارك لأول مرة، فقرة أغانٍ تضامنًا مع أهل فلسطين وهى لينا شماميان، إلا أنه جدير بالذكر أن أقول إن المهرجان كان قد تم تأجيله وإلغاؤه العام الماضى نظرًا للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وتضامنًا مع أشقائنا الفلسطينيين، وسوف تستمر حفلات مهرجان الموسيقى العربية حتى ٢٤ أكتوبر الجارى، لمدة ١٤ يومًا متتالية.

وتضمن الحفل عدة فواصل بدأت بعزف الفنان أحمد درويش صوليست كمان لمجموعة من الأغانى، وبعدها غنى المطرب الشاب أحمد حسن؛ من فرقة الموسيقى العربية، أغانى مجمعة لسيد درويش، بينما أحيا الفاصل الرئيسى من الحفل المطرب المحبوب والقدير مدحت صالح بصحبة فرقته الموسيقية تحت قيادة المايسترو أحمد عامر، وقدم فقرة متنوعة نالت إعجاب وتقدير الجمهور بأغانٍ خالدة شهيرة اشتهر بأدائها الناجح وهى لكبار المطربين الراحلين وأغانٍ جديدة حديثة له تألق فيها، منها أغانٍ خالدة لكوكب الشرق أم كلثوم وأغانٍ محبوبة لعبدالحليم حافظ، وما لفت الأنظار ولقى استحسان الجمهور هو تحية الفنان القدير مدحت صالح للرئيس عبدالفتاح السيسى وحرصه على اختيار عدة أغانٍ وطنية نالت إعجاب الجمهور بمناسبة انتصارات حرب أكتوبر المجيدة ومنها «أنا ابن مصر.. أنا ضد الكسر.. أنا رافع راسى لفوق طول العمر»، وشدا الفنان ابن مصر مدحت صالح ليؤكد أنه مبدع كبير، وفى تقديرى أنه يقف على قمة الغناء المصرى المعاصر وله جمهور كبير يحرص على حفلاته، وهكذا يستمر مهرجان الموسيقى، الذى أحرص على حضور حفلاته فى كل عام، لمدة ١٤ يومًا متتالية فى ليالٍ مبهجة مع الطرب الأصيل والحديث أيضًا، حيث يقدم عدد من أشهر مطربينا الشباب حفلات لأول مرة هذا العام، كما سيقدم الغناء المصرى والعربى الراقى، وهنا أتوقف عند جهد كبير قامت به رئيس دار الأوبرا المصرية أ. د. لمياء زايد، وفريق عمل نجح فى تقديم حفل افتتاح ناجح وكامل العدد ليؤكد هذا المهرجان ريادة مصر وحسن الاختيار والتنظيم المتميز فى الهواء الطلق، وأن مصر تحتضن الفنون الراقية وهى قلعة الفنون وقاعدة لانطلاق أى فنان، وأن المهرجان هو جواز مرور للنجاح لأى مطرب كان كبيرًا أو شابًا.. وعشت يا مصر مهدًا وملتقى لأجمل الفنون، وفى أمان واستقرار وتنوير دائمًا.