رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"ساعي آوي وأوشريا".. هل استخدم المصريون السحر في أكتوبر 1973 كما زعمت إسرائيل؟

نصر أكتوبر1973
نصر أكتوبر1973

لا تزال أحداث نصر أكتوبر1973 الذي نعيش بهذه الأيام الاحتفال بذكراه الـ51 مليئة بالأسرار والحكايات، ومن بين هذه الحكايات تبرز “شفرة النصر” التي استخدمها المصريون في الحرب، وأثارت فضول العدو بل وأصابته بالجنون، حتى وصل الأمر إلى أن جعلتهم يعتقدون أن المصريون استخدموا السحر لتحقيق النصر.

ما عزز اعتقاد العدو الإسرائيلي أن المصريين استخدموا السحر، تلك اللغة النوبية التي تنطق ولا تكتب، حيث استخدمت كشفرة للتعامل بين الجنود المصريين ولا يفهمها القائمون على أجهزة الأمن الإسرائيلية، وكان بين كلمات هذه اللغة ألفاظ غريبة وغير مفهومة مثل “ساع آوي”، أوشريا".

ودعت الحاجة إلى وجود شفرة لايعرفها الإسرائيليون ملحة، بعد أن تولى الرئيس المصري محمد أنور السادات حكم البلاد في عام 1970، وسط تحديات عسكرية وسياسية كبيرة، حيث اتضح وبعد حوالي ثلاثة أشهر من توليه الحكم، أن إسرائيل قادرة على فك الشفرات العسكرية للمصريين، مما أثر بشكل كبير على الخطط العسكرية، لذا كان السادات يدرك أن الحاجة إلى سرية المعلومات وأمان الاتصالات هو أمرًا حيويًا في تلك المرحلة، لذلك بحث عن حلول جديدة وغير تقليدية.

صاحب فكرة الشفرة النوبية

وفي سياق هذه التحديات، جاء الجندي أحمد إدريس بفكرته التي ربما لم تخطر على بال الكثيرين، إذ كان إدريس جنديًا من أصل نوبي، ولاحظ في أحد الاجتماعات العسكرية أن الضباط يبحثون عن طريقة جديدة للتواصل بين القوات دون أن تتمكن الاستخبارات الإسرائيلية من فك الشفرة، وهنا أدرك إدريس أن اللغة النوبية، التي تتكون من لهجات متعددة، يمكن أن تكون الحل الأمثل.

الشفرة النوبية

اختار إدريس كلمات نوبية محددة لا تحمل أي معنى للأشخاص الذين لا يتحدثون بها، وبهذا الشكل تكونت شفرة تعتمد على الأوامر العسكرية مثل "ساع آوي" والتي تعني "الساعة الثانية ظهرًا"، و"أوشريا" التي تعني "اضرب"، وتم اعتماد هذه الكلمات من قبل الجيش المصري لتكون وسيلة اتصال سرية بين القادة والجنود.

التنفيذ

وبعد الموافقة على الفكرة، تم استدعاء 344 جنديًا نوبيًا لتدريبهم على أجهزة الاتصالات وتبادل التعليمات، وكانت هذه العملية سرية تمامًا، وأعطت الجيش المصري ميزة استراتيجية كبيرة، حيث تمكنوا من نقل التعليمات بدون أن تفهمها القوات الإسرائيلية.

وقد حكي أحمد إدريس الذي قدم الفكرة في إحدى التصريحات الإعلامية عن لحظة استدعائه من قبل الرئيس السادات قائلًا: "شعرت بالتوتر عندما رأيته للمرة الأولى، لكنه كان ودودًا وشجعني على تطوير فكرتي".

كيف اعتقدت إسرائيل أن المصريين استخدموا السحر؟

حالة الارتباك الإسرائيلية

خلال فترة الحرب، فوجئت القوات الإسرائيلية بعدم قدرتها على تفسير الأوامر التي كانت تصدر عن الجيش المصري، وهذه الظاهرة جعلتهم يعتقدون أن المصريين قد استخدموا سحرًا أو تقنية غامضة لضمان سرية اتصالاتهم، فإسرائيل، التي كانت متفوقة تقنيًا وعسكريًا، لم تتوقع أن تعتمد مصر على فكرة بسيطة مثل استخدام لغة محلية غير موثقة.

السحر في عيون العدو

في الوقت نفسه تعددت الشائعات داخل الأوساط العسكرية الإسرائيلية حول "السحر" الذي استخدمه المصريون، واعتقد بعض الضباط أن المصريين طوروا تقنية جديدة غير تقليدية أو استخدموا أساليب غير معروفة من أجل تعزيز قوتهم العسكرية، هذا الاعتقاد عزز من حالة القلق والارتباك في صفوف القوات الإسرائيلية، مما أثر على قدرتهم على اتخاذ القرارات العسكرية السريعة والفعالة.

استراتيجيات الخداع الأخرى

واستخدام الشفرة النوبية لم يكن سوى جزء من خطة أوسع للخداع والتضليل، إذ أنه بجانب هذه الشفرة، تم تنفيذ مجموعة من الاستراتيجيات الأخرى، مثل التحركات الوهمية ونشر المعلومات المضللة، وذلك بهدف إرباك العدو. 

وكانت كافة هذه الاستراتيجيات تهدف إلى جعل الجيش الإسرائيلي يعتقد أن هناك نشاطًا عسكريًا ضخمًا على الجبهة بينما كانت التحركات الحقيقية تجري في أماكن أخرى.

تأثير هذه الاستراتيجيات

وبالفعل أسهمت كل هذه الجهود مجتمعة في تحقيق النصر في حرب أكتوبر، وجعلت الخطة المعقدة من الصعب على الإسرائيليين فهم ما يحدث على الأرض، مما أضعف قدرتهم على الرد بفعالية، كما كانت هذه الشفرة النوبية إحدى الركائز الأساسية لهذه الاستراتيجية، وأكدت على عبقرية التفكير العسكري المصري، كما كان إدريس واحدًا من العديد من الجنود الذين ساهموا في هذه الحرب، وستظل قصته مثالًا على الذكاء والتفكير الابتكاري في الظروف الصعبة.

كذلك ستظل حرب أكتوبر 1973 تظهر كيف يمكن للأفكار البسيطة أن تخلق تأثيرات عميقة في مجريات التاريخ، كما تذكرنا بأن الابتكار والتكيف مع الظروف هما مفتاح النجاح في أي مواجهة، وتمثل استعادة هذه الذكريات التأكيد على أهمية الإرادة الجماعية والذكاء البشري في مواجهة التحديات الكبرى.